شرود

تمتَّع بالقليلِ إذا المَزيدُ

لعلَّ الخيرَ في ما لا تُريدُ

قطعتَ الجوَّ مُلتمِساً هبوطاً

ومثلُكَ أنتَ ديدَنُهُ الصّعودُ!

فلا تحزن إذا الدّنيا تولّتْ

ولا تفرحْ بما منها يجودُ

تَعزّ بما خسرتَ فرُبَّ خُسرٍ

عليكَ بكلِّ نافعةٍ يعودُ

أحاولُ أن أكون صديقَ نفسي

ولكنّي على نفسي شديدُ

أُحاسبُها على كلّ انتباهٍ

يُشتتني وقد حضرَ الشرودُ

وحينَ أُحسُّ في ذاتي انهزاماً

للذّتها بها عنها أحيدُ!

وأقبَلُ كلَّ حُزنٍ لا خضوعاً

ولكنْ بعدَهُ يأتي القصيدُ

أخبئُ حينَ تفضحُني عيوني

وما في القلبِ يعرفهُ الوريدُ

وأكثرُ ما يَسُلُّ الصبرَ منّي

إذا أُقصيتُ، أنْ يرقى البليدُ

خُلقتُ مُبرَّأً من كلّ كُرهٍ

وأرغمني على الكُرهِ الحَسودُ

أأكذبُ حينَ أحلفُ أنّ قلبي

على ما فيهِ من أُممٍ وحيدُ؟

نعيشُ بكوكبٍ ما فيهِ عَيشٌ

ونعشقهُ وأكثرُهُ يهودُ!

ونطمعُ أن نشيخَ بهِ لنحيا

بلا قيدٍ، فتزدادُ القيودُ

نَبيدُ لأجلهِ ونُبيدُ حتّى

بفضل دمائنا بقيَ الوجودُ

أيا ذا التسعِ والتسعين إسماً

وأقربُها إلى قلبي الحميدُ

بعصرٍ قرّبَ الأفلاكَ منّا

لماذا حُلمُنا دوماً بعيدُ؟

ولم نطلب منَ الدنيا كثيراً

لتَمنَعَنا، ويأخُذَهَا العبيدُ

هباءٌ أن تَعيشَ لأجلِ حُلمٍ

وما في الأرضِ هارونُ الرشيدُ

تمتع بالقليلِ فإنَّ دُنيا

عليها تُنفقُ العليا، جَحُودُ

فحصّةُ كلّ من ولدوا عليها

وإن بلغوا الذرى قبرٌ ودودُ