أشرقي كالفجر غراء الجبين

أَشرِقي كَالفَجرِ غَرّاءَ الجَبين

وَاِترُكي نورَكِ يَهدي العالَمين

وَاِطلَعي في لَيلِ حُزني كَوكَباً

تَعصِميني مِن ضَلالِ العاشِقين

وَاِطرَحي في قَفرِ عُمري زَهرَةً

عَلَّها تَنمو وَتَزكو بَعدَ حين

وَاِبسُمي تَبسُمَ لَنا بَيضُ المُنى

وَاِضحَكي تَضحَك لَنا غُرُّ السِنين

ها هُوَ اللَيلُ كَما كانَ بَدا

يَحمِلُ الحُزنَ لِقَلبي وَالحَنين

هَيكَلُ الأَحزانِ في مِحرابِهِ

قَرَّبَ العُشّاقَ قُربانَ العُيون

عُطرُهُ أَحزانُ أَزهارِ الرُبا

وَنَداهُ عَبَراتُ البائِسين

وَسَرى النَسمُ في أَحشائِهِ

مُهَجٌ ذابَت وَأَرواحٌ فَنَين

كُلُّ شَيءٍ هانَ في شَرعِ الهَوى

يا مَلاكي وَالهَوى لَيسَ يَهون

لَم يَرَ اللَيلُ سِوى بِنتِ هَوىً

قَرَأَت ما سَتُعاني في الجَبين

لَبِسَت في بَدئِهِ ثَوبَ الهَوى

وَبِأُخراهُ ثِيابَ النادِمين

وَعَميدٌ باتَ مَطوِيَ الحَشا

في سُكونِ اللَيلِ مَبحوحَ الأَنين

قامَ في اللَيلِ كَطَيفٍ غابِرٍ

وَكَأَنَّ اللَيلَ مِحرابُ القُرون

وَمُغَنٍّ غَلَبَ الحُزنُ عَلى

وَتَرِ اللَهوِ لَدَيهِ وَالمَجون

لَيسَ يَدري فِكرُهُ ما لَحنُهُ

وَهوَ رَجعُ السِحرِ مِن ماضٍ شَطون

أَيُّها اللَيلُ أَتَينا نَشتَكي

فَاِستَمَع شَكوى الحَزانى المُتعَبين

هَدَّنا الحُزنُ وَأَضنانا الأَسى

وَبَرانا الوَجدُ في دُنيا الشُجون

قَد شَكَوناكَ وَجِئنا نَشتَكي

لَكَ شَيئاً مِن خَيالِ الذاهِلين

إِنَّني يا لَيلُ أَحكي غُنوَةً

فَنِيَت فيكَ عَلى مَرِّ السِنين

وَاِستَحالَت في البَلى قُبَّرَةً

تَتَغَنّى في دُجى وادي المَنون

إِنَّني يا لَيلُ أَحكي حُزمَةً

مِن شُعاعٍ في سَماءِ الحالِمين

ضَمَّها نَحوَكَ فِكرٌ هائِلٌ

أَزعَجَ الأَربابَ بَينَ الثائِرين

وَاِستَحالَت زَورَقاً تَعبُرُهُ

فَزَعاتُ المَوتِ لَيلاً مِن سَنين

هذِهِ أُغنِيَتي رَتَّلتُها

لَكِ يا دُنيايَ في ديرِ السُكون

لَحنُها أَنتِ وَحُزني وَقعُها

وَنَذيرُ المَوتِ بَعضُ السامِعين

لا تَلومي ما بِها من حَزَنٍ

إِنَّما الأَحزانُ موسيقى الحَزين

أَعذَبُ الأَلحانِ لَحنٌ أَفرَغَت

فيهِ أَناتُ الأَسى طَيَّ الحَنين

عانِقيني في الدُجى إِقتَرِبي

إِنَّني أَفزَعُ مِمّا تَفزَعين

قَرِّبي خَدَّكِ ضُمّيني إِلى

صَدرِكِ الحاني اُلثُمي هذا الجَبين

إِنَّما نَحنُ كَركَبٍ ضَلَّ في

تيهِ صَحراءَ بِقَومٍ تائِهين

قَد نَسينا كُلَّ ما كانَ لَنا

وَتَرَكنا في غَدٍ ما سَيَكون