كانت لنا عند السياج شجيرة

كانَت لَنا عِندَ السِياجِ شُجَيرَةٌ

أَلِفَ الغِناءَ بِظِلِّها الزَرزورُ

طَفقَ الرَبيعُ يَزورُها مُتَخَفِّياً

فَيَفيضُ مِنها في الحَديقَةِ نورُ

حَتّى إِذا حَلَّ الصَباحُ تَنَفَّسَت

فيها الزُهورُ وَزَقزَقَ العُصفورُ

وَسَرى إِلى أَرضِ الحَديقَةِ كُلِّها

نَبَأُ الرَبيعِ وَرُكبَهُ المَسحورُ

كانَت لَنا يا لَيتَها دامَت لَنا

أَو دامَ يَهتِفُ فَوقَها الزَرزورُ

قَد كُنتُ أَجلِسُ صَوبَها في شُرفَتي

أَو كُنتُ أَجلِسُ تَحتَها في ظِلَّتي

أَو كُنتُ أَرقُبُ في الضُحى زَرزورَها

مَتَهَلِّلاً يَغشى نَوافِذَ غُرفَتي

طوراً يُنَقِّرُ في الزُجاجُ وَتارَةً

يَسمو يُزَرزِرُ في وُكارِ سَقيفَتي

فَإِذا رَآني طارَ في أَغرودَةٍ

بَيضاءَ وَاِستَوفى غُصونَ شُجَيرَتي

كانَت لَنا يا لَيتَها دامَت لَنا

أَو دامَ يَهتِفُ فَوقَها الزَرزورُ

فَمَتى يَؤوبُ هُتافُهُ وَمَتى أَرى

نُوارُكَ الثَلجِيِّ يا نارِنجَتي

وَمَتى أَطيرُ إِلَيكِ تَرقُصُ مُهجَتي

فَرَحاً وَآخُذُ مَجلِسي مِن شُرفَتي

هَيهاتَ لَن أَنسَ بِظِلِّكِ مَجلِسي

وَأَنا أَراعي الأُفقَ نِصفَ مُغَمِّضِ

خَنَقَت جُفوني ذِكرَياتٌ حُلوَةٌ

مِن عِطرِكِ القَمَري وَالنَغَمِ الوَضي

فَاِنسابَ مِنكِ عَلى كَليلِ مَشاعِري

يَنبوعُ لَحنٍ في الخَيالِ مُفضَضِ

وَهَفَت عَلَيكِ الروحُ مِن وادي الأَسى

لِتَعُبَّ مِن خَمرِ الأَريجِ الأَبيَضِ

كانَت لَنا يا لَيتَها دامَت لَنا

أَو دامَ يَهتِفُ فَوقَها الزَرزورُ

هَيهاتَ لَن أَنسى ضُحى سِبتَمبَرٍ

وَالنَحلُ يَغشى نورَكِ المُتَلالي

وَمَساءَ مارِسَ كَيفَ يَهبِطُ تَلَّةً

شَفَقِيَّةً مَحدودَةَ الإِظلالِ

نَزَلَ الحَديقَةَ تَحتَ أَوهامِ النَدى

وَضَفا عَلَيكِ مُعَطَّرُ الأَذيالِ

فَهُناكَ كَم ذَهَبِيَّةٍ شَغَفَت بِها

روحي فَتاهَت في مُروجِ خَيالِ

وَهُنا تَحَرَّكَتِ الشُجَيرَةُ في أَسى

وَبَكى الرَبيعُ خَيالَها المَهجورِ

وَتَذَكَّرَت عَهدَ الصِبا فَتَأَوهَت

وَكَأَنَّها بِيَدِ الأَسى طَنبورُ

وَتَذَكَّرَت أَيّامَ يَرشُفُ نورَها

ريقُ الضُحى وَيُزَرزِرُ الزَرزورُ

وَعَرائِسُ النارِنجِ تَحلُمُ في النَدى

فَيَرِفُّ فيها طَيفُها المَسحورُ

كانَت لَنا يا لَيتَها دامَت لَنا

أَو دامَ يَهتِفُ فَوقَها الزَرزورُ

وَتَذَكَّرَت عِندَ السِياجِ أَزاهِرا

صَفراءَ رَفَّت في ظِلالِ العَوسَجِ

زَهرُ القَطيفَةِ كَيفَ خانَ عُهودَها

نَسِيَ الهَوى في عِطرِها المُتَبَلِّجِ

وَتَذَكَّرَت في رَعشَةٍ لَمّا سَبا

زَرزورُها مِنها وَلَم يَتَحَرَّجِ

وَهُنا تَمَشَّت في الشُجَيرَةِ خِلجَةٌ

وَبَكَت حَنيناً لِلشَّذى المُتَأَرِّجِ

كانَت لَنا يا لَيتَها دامَت لَنا

أَو دامَ يَهتِفُ فَوقَها الزَرزورُ

وَتَذَكَّرَت شَفَقاً تَوَهَّجَ حُمرَةً

خَلَلَ الغُيومِ عَلى رُبى الآصالِ

وَبَدَت غُصونُ الجَزورَينِ كَأَنَّها

قِلَعُ تُرَفرِف في بِحارِ خَيالِ

وَهُنا تَحَرَّكَتِ الشُجَيرَةُ في أَسى

وَبَكى الرَبيعُ خَيالَها المَهجورُ

وَتَذَكَّرَت عَهدَ الصِبا فَتَنَهَّدَت

وَكَأَنَّها بِيَدِ الأَسى طَنبورُ

وَتَذَكَّرَت شَجرَ النَخيلِ وَهُدهُداً

قَد كانَ يَقصِدُها صَباحَ مَساءِ

وَتَذَكَّرَت في اليوسِفي يَمامَةً

كانَت تَنوحُ اللَيلَةَ القَمراءِ

وَهُنا تَحَرَّكَتِ الشُجَيرَةُ في أَسى

وَبَكى الرَبيعُ خَيالَها المَهجورُ

وَتَذَكَّرَت عَهدَ الصِبا فَتَرَنَّحَت

وَكَأَنَّها بِيَدِ الأَسى طَنبورُ

وَضَفَت عَلى كُلِّ الغُصونِ سَحابَةً

وَزَكا الغَصينُ وَفَتَّحَ النُوارُ

وَتَهَلَّلَ الزَرزورُ في أَوراقِها

وَزَها السِياجُ وَفاحَتِ الأَعطارُ

حَلِمَت بِأَرضٍ في الخَيالِ سَحيقَةٍ

في ذلِكَ الأُفقِ القَصِيِّ النائي

وَهُناكَ تَحتَ سَمانجونُ سَمائِها

تاقَت إِلى أَحلامِها الزَرقاءِ

خَلَدَت إِلى صَمتٍ هُناكَ مُخَيمٌ

تَسجو عَلَيهِ خَوافِقُ الأَفياءِ

هِيَ جَنَّةُ الأَشجارِ وَالأَظلالِ وَال

أَعطارِ وَالأَنغامِ وَالأَندءِ

يَتَزاهَرُ البِشنَينُ فَوقَ شُطوطِها

وَيُغازِلُ الدُفلى زَهرَ اللوتَسِ

وَعَرائِسُ النارِنجِ فاحَ عَبيرُها

بِالنَحلِ تَحلُمُ في السُكونِ المُشمِسِ

وَهُناكَ زَرزورٌ يُغَرِّدُ دائِماً

وَيَقُصُّ أَحلامَ الزُهورِ النُعَسِ

يَروي لَها أَسطورَةً سِحرِيَّةً

مِمّا يَفوحُ بِهِ خَيالُ النَرجَسِ

كانَت لَنا يا لَيتَها دامَت لَنا

أَو دامَ يَهتِفُ فَوقَها الزَرزورُ

نارِنجَتي وَاللَهِ مُذ فارَقَتِني

وَأَنا حَليفُ كَآبَةٍ خَرساءِ

أَصبَحتُ بَعدَكَ في اِنقِباضٍ موحِشٍ

وَكَأَنَّني مِنهُ مَساءُ شِتاءِ

تَتَناثَرُ الأَعطارُ في آفاقِها

روحي إِلَيكَ وَراءَ كُلِّ فَضاءِ

وَتَرِفُّ في دِهليزِ كُلِّ أَشِعَّةٍ

قَمراءَ أَو تَرنيمَةٍ بَيضاءِ

قَد كُنتُ أَرجو أَن تَكونَ نِهايَتي

في ظِلِّ هذا السورِ حَيثُ أَراكِ

وَيَكونُ آخِرَ ما يُخَدِّرُ مَسمَعي

زَرزورُكِ الهَتّافُ فَوقَ ذَراكِ

وَيَطوفُ في غَيبوبَتي فَيُفيقُني

فَجرٌ قَصيرُ البَعثِ مِن رَيّاكِ

وَالآنَ إِذ عَجَلَ القَضاءُ فَإِنَّما

سَيَقومُ في الذِكرى خَيالُ شَذاكِ

كانَت لَنا عِندَ السِياجِ شُجَيرَةٌ

أَلِفَ الغِناءَ بِظِلِّها الزَرزورُ

طَفِقَ الرَبيعُ يَزورُها مُتَخَفِّياً

فَيَفيضُ مِنها في الحَديقَةِ نورُ

حَتّى إِذا حَلَّ الصَباحُ تَنَفَّسَت

فيها الزُهورُ وَزَقزَقَ العُصفورُ

وَسَرى إِلى أَرضِ الحَديقَةِ كُلِّها

نَبَأُ الرَبيعِ وَرَكبُهُ المَسحورُ

كانَت لَنا يا لَيتَها دامَت لَنا

أَو دامَ يَهتِفُ فَوقَها الزَرزورُ