يا ليالي بالشهيد عودي

يا لَيالِيَّ بِالشَهيّدِ عودي

مُحسِناتٍ كَما مَضَيتِ عَذابا

وَأَريني السُرورَ مِنكِ سُلافا

وَكَما كُنتِ فَاِرجِعي أَكوابا

وَاِملَأي الكَأسَ لا تَخافي عَذولا

وَاِمزِجي بِالسُرورِ فيهِ شَرابا

وَاِترُكيني بَينَ الشِعابِ طَريحا

فاقِدَ الحِسِّ لا أَفيقُ صَوابا

شَأنُ نَفسي وَذاكَ فِيَّ غَرامُ

أَن تُحِبَّ النَباتَ وَالأَعشابا

وَتَلِذُ الجُلوسَ في ظِلِّ أَيكٍ

رَفرَفَ الطَيرُ فَوقَهُ أَسرابا

وَاِنحَنَت تَحتَهُ الغُضونُ سُكارى

مائِلاتٍ أَعطافُها إِعجابا

يَتَغَنّى بَينَ الثِمارِ بِلَحنٍ

هَل سَمِعتِ القِيانَ غَنَت طِرابا

مِن وَحيدَينِ يَسجَعانِ سُروراً

وَفَريدَينِ يَشدُوانِ اِنتِحابا

وَجَرى الماءُ في الغَديرِ رَحيقا

وَجَرَت فَوقَهُ الزُهورُ حِبابا

وَكَأَنَّ النُوارُ فيهِ نُجومٌ

رَكَّبَت تَحتَهُ المِياهَ سَحابا

وَحَكى السَروُ في الرُبى مُستَهاما

وَحَكى بَينَهُ الغَديرُ كَعابا

فَهُوَ مِن فَوقِ عاشِقٍ مُستَلِذُّ

يَرشُفُ الريقَ خِلسَةً وَاِنتِهابا

وَسَرى النَسمُ في شَذاهُ مُلابٌ

فائِحٌ نَشرَهُ يُحاكي القِنابا

وَكَأَنَّ الهَواءَ أَضناهُ ما بي

فَسَرى موهِناً وَرَقَّ وَطابا

وَدَنَت لِلغُروبِ شَمسٌ كَسَتها

صَبغَةُ العَسجَدِ الفَتينِ إِهابا

قَد تَبَدَّت وَقتَ الأَصيلِ كَكَأسٍ

سَكَبَت خَمرَهُ فَغَشّى الشِعابا

فِتنَةَ الأَرضِ طالَ بُعدُكِ عَنها

طولَ يَومٍ أَما كَفاكِ اِجتِنابا

أَرسِلي شَعرَكِ الجَميلِ عَلَيها

أَلبِسيها مِنَ الضُحى جِلبابا

وَصِليها لا تَستَحي مِن رَقيبٍ

تَرَكَت عَينُهُ عَلَيكِ خِضابا

وَاِفرُشي العَسجَدَ الرَقيقَ مِلاءً

وَاِسدُلي اللَيلَ خَيرَ سِترٍ حِجابا

مَسرَحٌ تَسبَحُ النَواظِرُ نَشوى

سَكَبَت خَمرَهُ فَغَشّى الشِعابا

زَعفَرانٌ غَشّى السَماءَ وَوَردٌ

شادَ في المَغرِبِ الذَكِيِّ قِبابا

وَتَمَشّى السُكونُ إِلّا مِنَ البُل

بُلِ صَوتٌ جابَ الرُبى خَلّابا

يَشكُرُ الشَمسَ في اِبتِهالٍ مَدينٍ

أَسبَلَت ضوءَها عَلَيهِ ثِيابا

وَاِختَفى النورُ هارِباً مِن كَمِيٍّ

أَطلَقَ الخَيلَ في ظَلامٍ عُرابا

وَبَدا البَدرُ في السَماءِ كَعَينٍ

مِن لُجَينٍ يَسيلُ مِنها مُذابا

أَصفَرُ شَفَّهُ السُهادُ طَويلاً

وَحَماهُ الكَرى الغَرامُ فَآبا

عاشِقٌ يَذرُعُ الفَضاءَ مِنَ الوَج

دِ لِيُطفي مِنَ الهِيامِ اِلتِهابا

تَحتَ سِترٍ مِنَ الحِجابِ خَفيفٌ

مُستَشِفٌّ يَحكي عَلَيهِ سَرابا

وَنُجومُ الجَوزاءِ كَالدُرِّ يَطفو

مَلَّ في باطِنِ العُبابِ اِحتِجابا

غابَةَ اللَيلِ وَالحَمائِمُ فيها

قَد بَرى نَوحُها البُكاءَ فَذابا