أروم بفضلي نصرة وبمقولي

أرومُ بفضلي نُصْرةً وبِمقْولي

ولا نصر إلاَّ من سِناني ومُنْصُلي

وأحسب عزَّاً طاعة الحزم والنُّهى

ولا عزَّ إلاَّ عند روعٍ وقَسْطلِ

وأبغي بزوْراء العراقِ مَسَرَّةً

ومن يَبْغِها يوماً ببغداد يجْهلِ

حِجاً ساورته جهلةٌ بعد جهْلَةٍ

فأذْعَن إِذْعانَ الأسيرِ المُكَبَّلِ

إذا افْترَّ ثغر الجهل عند قطوبهِ

أشاحَ بهَطَّالٍ من الدمع مُسْبلِ

يُتَلُّ إلى جوْرِ المُلوكِ كأنهُ

تَقاوُدُ مخشوشٍ إلى غير مَنْهلِ

وتَغلِبُهم منه أُبِيَّةُ عازِمٍ

يرى سَغباً بالصَّوْن أكرمَ مأكلِ

إذا خضعت أعْناقُ صيدٍ لحاجةٍ

تغطرف عضْباً ليس بالمُتَذلِّلِ

وفي اليَلْمَقِ المزرور من آل دارمٍ

هُمامٌ كنصلِ السيف غيرُ مخلَّل

يُماصع شُمساً من خطوبٍ وتمتري

بآماله أعقابُ مَرْوٍ وجَنْدَلِ

ويسمو إلى العلياء من غير ثَرْوةٍ

إذا زَلَّ حُبُّ المالِ بالمُتَوقِّلِ

ويُحيي دريسات المعالي برائِقٍ

ترفَّعَ عن مدحِ اللَّئيمِ المُبَخَّل

بودِّ العُلَى لو يرعوي مُلكُ خندفٍ

ويا قُربه لو غيرُ بغدادَ منْزلي

وحيٍّ بأكْنافِ العراقِ أذلَّةٍ

يبيتونَ عن نهَمِّ المَعالي بمعْزِلِ

لِقاحٍ إذا أمسوا تَعيمُ ضُيوفُهمْ

إلى والجٍ تحت الطِّرافِ مُظَلَّلِ

منازلهمْ بالرافِدَيْن وبينهم

تَصافنُ سفْرِ في وديقةِ هوْجل

جزَوْني غدراً عن وفاءٍ وأخْلفوا

وُعُودي وأغْروا بالعضيهةِ مِقْولي

بعثتُ عليهم صارماً من قَوارصٍ

تطيرُ له الأعراض في كل محْفِل

كأنَّ شبَاهُ والرُّواةُ تَهُزُّهُ

شبا مرهفٍ أو بأس بدر بن مَعقِل

مروِّي سيوف الهند من مهج العِدى

ومُعْلي سنى النيران في كل منزل

وفارس يوْميْ بأسهِ ونَوالهِ

بجأواء روعٍ أو بغبرء مُمْحِلِ

وباعثُها رأدَ الضُّحى أسَديَّةً

تَواجَفُ تحت الدارعين وتعْتلي

إذا أعرضت عن جمَّة الماء بالضحى

كرعْنَ بجيَّاشِ الينابيع أشْكَلِ

يضيء الدُّجى والحظُّ من قسماته

وجدوى يديه في بَهيمٍ وأرْمَلِ

فلا ليل إلا وهو كهفٌ لِمُدْلجْ

ولا جدب إلا وهو خصبٌ لمُرْمل

أخو صبوَةٍ بالمجد لا يستَفزُّهُ

على عُدَواءِ الوصل غيرُ المؤثَّلِ

إذا لِيمَ في تَهيارهِ واشْتهارهِ

تزاور إِعراضَ الغويِّ المُعَزَّلِ

وقورٌ على ما عندهُ من عزيمةٍ

يُناط نجاد السيف من بيَذْبُلِ

تبارى كَثيفاهُ لدى السَّلم والوغى

بنادٍ وحربٍ من غبارٍ ومَنْدِلِ

فلا مِجْمَرٌ إلا وموقِدُ معْركٍ

ولا قُطرٌ إلاَّ وهامةُ عَبْهَلِ

وخابطِ ليلٍ بالعراءِ يَنوشُهُ

مع الخوف قُرٌّ كالسِّنان المؤلَّلِ

وقَيذٍ من الَّلأواءِ نضوٍ من السرى

يخوض الرَّدى في مُكثه والتَّرحُّل

إذا أصْرَدتهُ نسمةٌ شَمْألِيَّةٌ

تأجَّج عن وقْدٍ من الهمِّ مُشعَل

ويسْتنُّ للنهج القويم وقصْدِهِ

فتُبعدهُ أعراضُ ذُعْرٍ وأفْكلِ

بشنعاء غالتْ كلَّ خُفٍّ وحافِرٍ

مُحولاً وأردت حائلاً بعد مُطفل

يشُحُّ الغمامُ الجوْن بالقطر عندها

وتسمحُ أجْفانُ الغنيِّ المُمَوَّلِ

أناخَ إلى بدرِ المكارمِ والعُلى

بأوشكِ مِطْعامٍ وأمْنَعِ مؤْثِل

بأغْلب يُلْقي الجودَ في كل فاقةٍ

كما يضع الهنديَّ في كل مقْتَلِ

ومؤتلقِ الماذيِّ مُعْتكرِ الضحى

كثيفٍ كآطامِ المعاقلِ مُثْعِلِ

يَغَصُّ به المْرت السحيق ويرتقي

رِعاناً فيضْحى بين مُقْوٍ ومُجبل

به كلُّ مِقْلاقِ العِنانِ طِمرَّةٍ

تجولُ بجيَّاش الحقودِ شمرْدَل

سَوابقُ خَيْلٍ بالكُماةِ مُغيرَةٌ

تَلِسُّ لِمامَ القوم رعْياً وتخْتلي

ترى وجَباتِ الطَّعْن وهي ظميئةٌ

بشيراً لها لا صوت رعْدٍ مُجلجل

دلَفْنَ يُناقِلْن الكُماةَ كأنها

ضَراغمُ غيلٍ حاملاتٍ لأشْبُلِ

فأضْرمْنَ بالموْماةِ ناراً وقودُها

صُدورُ العَوالي والحديد المُفلَّل

جَلا فَلَكُ الدين العجاجَ بحملةٍ

وفرَّقهم عنه بِطَنَّةِ فيْصلِ

كأنَّ نَعامَ الدَّوِّ ينْقفُ خيطُه

بمخْترقِ الدهْناء أغْبارَ حنْظل

تذكَّرْنَ مكنوناً بوعْساءِ مُشرف

وأدْرك ركبٌ من مُجِدٍّ ومُرقل

من الرُّبْد يُنكرْن الأنيس كأنها

طخاريرُ عُلْويٍّ تُساقُ بشمْأل

عِداك إذا ما صرَّح الموت في الوغى

وأقلت مبْلولَ البَنانِ بمقْصَلِ

إذا افتخرت عُليا خُزيمة وانثنت

تعُدُّ المعالي منْ أخيرٍ وأوَّلِ

أقرَّ لها الدَّهر الرحيبُ وأهْلهُ

وفُضِّلت إذ أصبحت خير مفضَّلِ

نموْكَ نحيب الصدر مُستحكَمِ النهى

تحُلُّ وتجْلو كل خطبٍ ومُشكل

تمارس بأس التُرْك وهو مُمنَّعٌ

وتهزم منهم جحفلاً بعد جحْفَلِ

وتُرْجعُها في أرضهمْ عربيَّةً

يرُدُّ قَناها كلَّ سهْم ومِعْبَل

يَسُرُّ غِياثَ الدين طالعُ نقْعها

إذا عصفت عصف الرياح بقِلْقلِ

وحقَّقَ أنَّ النَّصر تحت لوائها

فقالَ عليها في الخُطوب مُعَوَّلي

مدحتك عن ودٍّ قديمٍ ولم أكُنْ

حليفَ القَوافي والهَوى بتغَزُّلِ

وأزمعتُ زوراً فاستزارتك همَّتي

كظمآنِ ضاحٍ جاده ظِلُّ حُفَّل

وكنت أرى تلك المساعي وإن سمت

بغير مَديحي حالياً كمُعطَّلِ

وها هي بغدادٌ وقدْركَ والعُلى

وفضلي ومهما شئت من بعدُ فافعل