إذا ما بحار الأرض جاشت وأجلبت

إذا ما بحارُ الأرض جاشت وأجلبت

غواربُ تَلقى كلَّ لُجٍّ بهوْجَلِ

وعبَّ عُبابٌ يُلحقُ القعْرَ بالذُّرى

ويقذفُ دُرّاً في مواطنَ جنْدَلِ

شآى فخرها في البأس منها وفي النَّدى

على كثرةِ الأعذار بحرٌ بارِبِلِ

ولكنهُ بحْرٌ يَلَذُّ لشارِبٍ

ويُكرِمُ مثْوىً من مُسيفٍ ومُرْمل

ويأمَنُهُ الجارُ النَّزيلُ إذا غَدا

أخو البحر يخشى مقتلاً بعد مقتلِ

وما البحر إِلا فارسٌ ذو صَرامةٍ

بِارْبل يُعْلي من دخانٍ وقسْطَل

مُجاهدُ دين اللّهِ حامي حَريمهِ

بسيفين من عزمٍ طريرٍ ومُنْصُل

إذا الجحفل الجرّار ذلَّ عن العدى

رماهم من الرأي الزَّنيق بجحْفل

كأنَّ الكُماة الدارعين لدى الوغى

وقيْمازُ يُرْدي آخراً بعد أوَّلِ

بغاثٌ جلاها اللُّوح في رونق الضحى

فصُكَّت بغرثانٍ إلى الطُّعْم أجْدل

تؤُمُّ عِتاقُ الطَّيْر طَيْرَ لوائهِ

وتَتبعُه في كلِّ دارٍ ومَنْزِلِ

إذا نَشبتْ في الدَّارعين رِماحُهُ

نَسَرْنَ بجيَّاش الينابيعِ أشْكل

فيقْري ضيوف الناس من كل جسرةٍ

ويقْري ضيوف الطَّير من كل عبهل

تبيتُ رَعاياه من الأمْن والنَّدى

عن الخوف والجدب الشَّنيع بمعزل

مُدلِّين لا يرضوْنَ منهُ بعدْلِهِ

لما عَهدوا من فضْله والتَّفَضُّلِ

وعَمَّ التَّساوي في الحقوق فلم يُطقْ

أخو بسطةٍ ميلاً على المُتَقلِّلِ

كسا خوفُه الأضدادَ أنْس تجانُسٍ

فلم تُخِف الرِّعديد رهبة أقْزَلِ

تَصدَّرَ حبْراً عالماً في نَدِيِّهِ

وفي الحرب ضَرَّابُ المهيب المُبجَّل

فيوماً يحُلُّ الهامَ من معْقِدِ الطُّلى

ويوماً يحلُّ العَقْد من كلِّ مُشكل

سَرى ذكْرهُ في الخير حتى كأنما

كسا الأرض والآفاق عبْقةَ مَنْدِل

فأحببتُه حتى لَهِجْتُ بذِكْرِه

وكنتُ بمدْحي فيه كالمُتَغَزِّلِ

ومنْ جعل الإِحسان دأباً فحمدُه

وتعْزيرُه فرضٌ على كلِّ مِقْوَل