مذكرات ساعي البريد

كان عصر القتلة

يذبح الكلمات… يلغو في دماء الثائرين

وأنا ساعي بريد

أقرأ الموت على صدر الرسالة

واشم القهر، في سفر الحروف

الإذاعات توافي: قتلوا العربيد في قبو المحطة

داسه خصر القطار

سكتة القلب، وضغط العرق.. ويل للطغاة

خبأ التسجيل في عين الحمامة

ثم جاءوا ذات يوم، حملوهم لبعيد ‍

آه يا شمس النوافذ ‍!

صاح: ماذا ؟.. لم يجب، حتى الجدار!

وعلى أرصفة الأمواتِ، كانوا يسقطون

جثثاً سمراء، وجهاً وندوبْ

رِِمماً جهراً تذوبْ

والمغنِّي في دهاليز البغايا الفاجراتْ

يتغنى بانغراس السَّيف في حبل الوريدْ

وأنا ساعي بريدْ

أحمل الإعدام، في سفر رسالة

واشم الموت في سود الحروفْ

يتعالى في هزيع الليل صوتي كالرعودْ

صوتُ شعري .. لحنُ رفضي

أيّها المطعون، اصمدْ

إن عصر القَتَلَة

في انتظاري، سيزولْ

ربّما عانيتَ ذلا ومجاعة

وامتهاناً، واحتقاراً، وذبولْ

ربما “المنصور” (1) يقتل

ربما رأس “الحسين”

عاد شؤبوب قنابلْ

***

حين قالتْ:

كل أيامي عذابٌ، وبكاءْ

قلتُ: عودي، إن أسواق النخاسة

أقفلوها في بلاد الشرفاء

حين جاعتْ

رضعتْ من نهدها طعمَ الجنين

آهِ، يا أمّ مخاثيث الهزيمةْ

كيف ضاجت أبابيل الغزاة ؟

من يقي هذا اللقيط ؟

محنة الجوع على الأرض الموات

***

كان عصرُ القتلة

يذبح الأحراء، جيلاً بعد جيلْ

وأنا ساعي بريدْ

احمل الإعدام آنا في حقيبةْ

كنت جوعان أهيمْ

حاجَب “المنصور” ارتاد بيوتَ الفقراءْ

احمل الأخبارَ، جاسوسَ الأمير

المقاهي عرفتْني، بعضَ شحاذٍ فقيرْ

وأنا ساعي بريدْ

لستُ منكم إن ظننتُم ببعيدْ

كنت منكم، ثمَّ ماذا ؟

لم أعدْ بعدُ قريب ‍‍

1 المنصور: هو محمد بن عامر، حاكم الأندلس.