فتاة القريض اهبطي من عل

فَتَاةَ الْقَرِيضِ، اهْبِطِي مِنْ عَلِ
مَدَدْتُ يَدَيَّ، فَلَا تَبْخَلِي
كَبَا بِفَتَى الشِّعْرِ طُولُ الصُّعُودِ
فَإِنْ كُنْتِ رَاحِمَةً فَانْزِلِي
يَحِنُّ إِلَيْكِ حَنِينَ الْمَشِيبِ
إِلَى ضَحِكَاتِ الصِّبَا الْمُخْضِلِ
سَلَا بِكِ لَيْلَى وَأَتْرَابَهَا
وَنَامَ عَنِ الْعَذْلِ وَالْعُذَّلِ
شَغَلْتِ فَتَاكِ بِسِحْرِ الْبَيَانِ
وَلَوْلَا عُيُونُكِ لَمْ يُشْغَلِ
يَرَاكِ مِنَ اللَّيْلِ فِي بَدْرِهِ
وَفِي شَعْرِهِ الْفَاحِمِ الْمُسْبَلِ
وَفِي كُلِّ آهٍ رَمَاهَا الْهَوَى
عَلَى شَطِّ مَدْمَعِهِ الْمُرْسَلِ
وَيَلْقَاكِ فِي كُلِّ وَجْهٍ صَبِيحٍ
بِغَيْرِ الْمَلَاحَةِ لَمْ يُصْقَلِ
وَمِنْ فِيكِ يَسْمَعُ نَجْوَى الْغُصُونِ
وَيُصْغِي إِلَى هَمْسَةِ الْجَدْوَلِ
تَعِيشِينَ فِي زَاخِرٍ مِنْ ضِيَاءٍ
يُصَفِّقُ بِالْأَمَلِ الْمُقْبِلِ
تَحُومُ الْمَلَائِكُ مِنْ فَوْقِهِ
كَمَا حَامَ طَيْرٌ عَلَى مَنْهَلِ
رَوِينَا بِهِ فَنَسِينَا الْحَيَاةَ
وَمَا دِيفَ فِيهَا مِنَ الْحَنْظَلِ
وَذُقْنَا سُلَافًا أَبَتْ أَنْ تَرِفَّ
بِكَفِّ النُّوَاسِيِّ وَالْأَخْطَلِ
إِذَا قُتِلَتْ أَحْيَتِ الشَّارِبِينَ
فَكَيْفَ إِذَا هِيَ لَمْ تُقْتَلِ
كَأَنَّ الْحَبَابَ عَلَى وَجْهِهَا
وُعُودٌ حَصَلْنَ وَلَمْ تَحْصُلِ
عِدِينِي عِدِينِي فَتَاةَ الْقَرِيضِ
وَإِيَّاكِ إِيَّاكِ أَنْ تَمْطُلِي
تَعَالَيْ نُقَبِّلُ وَجْهَ الرَّبِيعِ
بَشِيرِ الْمُنَى وَمُنَى الْمُجْتَلِي
وَنَجْمَعُ مِنْ زَهْرِهِ مَا نَشَاءُ
وَنَرْفُلُ فِي ثَوْبِهِ الْمُخْمَلِ
تَعَالَيْ نَطِيرُ بِرِيشِ الْأَثِيرِ
وَنَعْلُو بِهِ حَيْثُمَا يَعْتَلِي
نَمُرُّ كَمَا مَرَّ طَيْفُ الْخَيَالِ
أَلَمَّ لِمَامًا وَلَمْ يَحْلُلِ
فَبَيْنَا نُحَدِّثُ أَهْلَ الْحِجَازِ
إِذَا صَوْتُكِ الْعَذْبُ فِي الْمَوْصِلِ
نُحَيِّي بَنِي الْعَرَبِ الْأَوْفِيَاءَ
وَنُسْمِعُهُمْ غَرَدَ الْبُلْبُلِ
أُولَئِكَ قَوْمِي بُنَاةُ الْفَخَارِ
وَزَيْنُ الْمَحَافِلِ وَالْجَحْفَلِ
وَلَوْلَا الْإِذَاعَةُ عَاشَ الْكِرَامُ
حُمَاةُ الْعُرُوبَةِ فِي مَعْزِلِ
أَدَارَ الْإِذَاعَةِ مِنْ مُخْلِصٍ
عَنِ الْوُدِّ وَالْعَهْدِ لَمْ يَنْكُلِ
هَنَاءً بِأَعْوَامِكِ الْمُشْرِقَاتِ
وَأَيَّامِ نَهْضَتِكِ الْحُفَّلِ
وُلِدْتِ وَلِلْعِلْمِ أَسْرَارُهُ
وَقَدْ كُنْتِ مِنْ سِرِّهِ الْمُعْضَلِ
بَذَلْتِ الثَّقَافَةَ لِلظَّامِئِينَ
وَلَوْلَا يَمِينُكِ لَمْ تُبْذَلِ
وَنَبَّهْتِ وَسْنَانَ جَفْنِ الصَّبَاحِ
بِآيٍ مِنَ الْكَلِمِ الْمُنْزَلِ
وَغَنَّيْتِ حَتَّى تَعَزَّى الْحَزِينُ
وَقَرَّ الشَّجِيُّ وَهَامَ الْخَلِي
تَرَانِيمُ مَا سَمِعَتْهَا الْفُنُونُ
بِأَوْتَارِ إِسْحَاقَ أَوْ زُلْزُلِ
وَكَمْ قَدْ هَزَلْتِ لِتَشْفِي النُّفُوسَ
فَكَانَ مِنَ الْجِدِّ أَنْ تَهْزِلِي
مَضَتْ مِصْرُ تَصْعَدُ نَحْوَ السَّمَاءِ
وَتَسْمُو عَلَى مَسْبَحِ الْأَجْدَلِ
وَأَضْحَتْ مِنَ الْعِلْمِ فِي رَوْضَةٍ
وَمِنْ عِزَّةِ الْمُلْكِ فِي مَعْقِلِ
تَتِيهُ بِتَارِيخِ أَمْجَادِهَا
وَتُزْهَى بِفَارُوقِهَا الْأَوَّلِ
- Advertisement -