ألا هل رأت عيناك للحي أظعانا

أَلا هَل رَأت عيناك للحيِّ أظعانا

بعثنَ لنا يوم التفرّق أشجانا

ظغائن لا زالت تكنّ ستورها

جآذر بيضا كانسات وغزلانا

تحمّلن من أطلالهنّ الّتي حوت

معاهدها من نازل الحيّ قطّانا

منازل عنها ليس يسلو بغيرها

ولم تنكر لنا بعد الأحبّة سكّانا

وَكَم رأينا من قبل في ملّة الهوى

زيارتها فرضاً عليه وأديانا

وَلولا اِختلاسات الوداع لأهلها

غداةَ النوى والبين ما كان ما كانا

لعمري لئن بانَ الفريقُ فما نأى

هنالك من سوداء قلبي ولا بانا

وَإِن برحت أوطانُ سعدى وأهلها

فإنّ لها بينَ الجوانحِ أَوطانا

ثَنا عطفها سكرُ الشباب وزهره

كما هزّ سكر الخمر في البرد نشوانا

إِذا خطرت في المشيِ ماست فأخجلت

بلطف تثنّيها من البان أغصانا

شَكت أزرها أردَافها مثل ما شكت

خلاخلها كعباً من الساق ريّانا

مَحاسنُها تُبدي من الحسنِ نرجساً

وَورداً وتفّاحا وطلعاً ورمّانا

وَلَم أنسَ يومَ البينِ عهداً وموقفاً

لَبثتُ بهِ بعد التفرّق حيرانا

إِذا ما منعنا الوجد لفظاً ومنطقاً

جَعلنا مسيل الدمع لفظاً وعنوانا

تقولُ أَيُنسيك الترحّل عهدنا

وَيسليكَ عنّا البين حيناً وأحيانا

فَقلت فما واللّه لم تكُ رِحلتي

ليحدثَ لي عنكم فراغاً وسلوانا

وَلكن رأيتُ الدهرَ يصرف نابهُ

ويفرق منّي العضوَ جوراً وبهتانا

وَكلُّ صديقٍ كنتُ متّثقاً به

تغيّر عمّا قد عهدت وقد خانا

وربَّ رحيلٍ أحدث اليسر للفتى

فأصبحَ منه باليسارة جذلانا

فَأبذل دون الناسِ نفسي لمطلبي

وأذخر منهم لي صداقاً وإخوانا

فَما حكّ جِلدي غيرُ ظفري ولَم يَكُن

أريني سِوى عَيني منَ الخلقِ ألوانا

فَقالَت إِذا ما كانَ لا بدّ من نوى

لتدركَ بعدَ العسرِ يسراً وإمكانا

فزُر سيّد الأزدِ الّذي في أمورهِ

تكهّل مِن قبلِ الكهولةِ كهلانا

فَجاءَت بخيرِ الأكرمينَ شَمائلاً

وَأَسمحهم كفّاً وأعظمهم شانا

فتىً في العُلا والفخرِ ينسب يشجباً

وينسبُ عثماناً وينسب نبهانا

وَينسبُ أخلوداً وينسب يعرباً

وينسبُ أخنوخاً وينسبُ قحطانا

فَماذا يباريهِ إِلى الفضل منهجاً

وَمن ذا يجاريهِ إِلى المجدِ ميدانا

سَما مجدهُ فوق السموات رتبةً

فعقّب بهراماً وعقّب كيوانا

لَه زهدُ عيسى في سماحةِ حاتمٍ

وَبطش كليم اللّه موسى بن عمرانا

أجلّ منَ القعقاعِ في جلسائهِ

وَأكبرُ مِن كسرى بن كسرى وخاقانا

وَلولا التقى مِن حيث كفّيت شأنه

لقلت له سبحان سبحان سبحانا

أَلا أيّها القرم الّذي زان ملكه

بهِ مثل ما بالملكِ في عصره زانا

وَمَن قَد كساه اللّه برداً من الثنا

وصيّر منه العدل في الملك برهانا

حباك إلهُ العرشِ يا بدر يشجبٍ

من المجدَ ما لم يعط سيفاً وحسّانا

ولو كيّف الرحمن للمجدِ صورةً

لكنت له رأساً وعيناً وإنسانا