ما العجب في خلق ذاك الخلق بالعجب

ما العُجبُ في خُلقِ ذاكَ الخَلقِ بِالعَجَبِ

لا تُنكِريهِ فَما لِلشَيبِ وَالشَنَبِ

قالَت بَكَيتُ دَماً زَكَّتهُ وَجنَتُها

فَقُلتُ قَد جِئتِ عَنّي بِالدَمِ الكَذِبِ

شَهِدتُ أَنَّ مِثالَ الشَهدِ مِن فَمِها

وَأَنَّ في سِرِّهِ ضَرباً مِنَ الضَرَبِ

وَأَنَّهُ في مَذاقِ الثَغرِ مِن بَرَدٍ

وَأَنَّهُ في مَذاقِ القَلبِ مِن لَهَبِ

لا تَعذِلوا الجَفنَ في صَوبَي دَمٍ وَكَرىً

لَو لَم يُصَب بِسِهامِ الجَفنِ لَم يَصُبِ

لا يَخدَعَنَّكَ في خَدَّيهِ ماءُ رِضاً

فَإِنَّ في قَلبِهِ ناراً مِنَ الغَضَبِ

وَما ذَكَرتُ لَيالينا الَّتي سَلَفَت

إِلّا بَكَيتُ بُدورَ الحُسنِ بِالشُهُبِ

لَأَبكِيَنَّ دَماً بَعدَ الدُموعِ لَها

وَقَلَّ تَشييعُ ذاكَ السِربِ بِالسَرَبِ

دَعني فَفي أَدمُعي غالٍ وَمُرتَخَصٌ

أَبكي عَلى مُذهِباتِ الهَمِّ بِالذَهَبِ

بَيني وَبَينَ النَوى مِن بَعدِكُم نُوَبٌ

العَيشُ مِن بَعدِها مِن جُملَةِ النُوَبِ

عَيشٌ حَلا وَخَلا مَن لي بِعَودَتِهِ

هَيهاتَ يا طَرَبي أَبعَدتَ في الطَلَبِ

إِنَّ اِشتِعالَ ضِرامِ الشَيبِ يُخبِرُني

بِأَنَّ غُصنِيَ مِمّا عُدَّ في الحَطَبِ

حَضَرتُهُ غائِباً عَنّي بِفِكرَتِهِ

عَجِبتُ مِنِّيَ لَم أَحضُر وَلَم أَغِبِ

إِذا أَغَرتَ عَلى قَلبي فَخُذ جَلَدي

وَنَومَ عَيني وَدَعهُ آخِرَ الطَلَبِ

وَهِمَّةُ الحُسنِ يَومَ القَتلِ عالِيَةٌ

مِن شأنِها طَلَبُ المَسلوبِ لا السَلَبِ

بَيني وَبَينَكَ فَاِحفَظهُ ذِمامُ هَوىً

وَقَد يُرَدُّ أَخيذُ العُربِ بِالحَسَبِ

لا تَقطَعوا سُبُلَ المَعروفِ لاحِبَةً

شَريعَةٌ أَسَّسَتها نَخوَةُ العَرَبِ

إِن كُنتَ تُنقِذُ نَفساً أَنتَ آخِذُها

فَالآنَ فَاِبكِ وُقوعَ النَفسِ في العَطَبِ

قَلبٌ تَغَرَّبَ مُغتَرّاً بِخادِعِهِ

فَهَل تَرِقُّ لِمُغتَرٍّ وَمُغتَرِبِ

إِذا تَذَكَّرَ رَوضاً مِن وِصالِكُمُ

بَكى عَلَيهِ بِما شِئتُم مِنَ السُحُبِ

سُحبٌ إِذا هَطَلَت في وَجهِهِ اِنقَشَعَت

وَحَلَّتِ القَلبَ إِذ حَلَّتهُ بِالعُشُبِ

عُشبٌ إِذا كانَ قَلبُ الصَبِّ مُنبِتَهُ

أَعادَهُ حينَ عاداهُ إِلى التُرَبِ

سُقيتُمُ وَسَقى الدارَ الَّتي رُقِمَت

سُطورُها مِن قُلوبِ الوَجدِ في كُتُبِ

سَحابُ وادِقَةٍ صَخّابُ بارِقَةِ

مُبيَضَّةُ العَذبِ أَو مُحمَرَّةُ العَذَبِ

يَزيدُ لامِعُهُ وَالرَعدُ تابِعُهُ

وَجهُ الرِضا يَقتَفيهِ مَنطِقُ الغَضَبِ

يَقضي حُقوقَ لَياليهِ الَّتي وَجَبَت

فَكَم قَضَينَ لَنا حَقّاً وَلَم يَجِبِ

كانَ الفِراقُ عَلى جَدِّ الأَسى لَعِباً

فَفَرَّقَ الشَيبُ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ

أَنهَضتَ يا دَهرُ عَمداً كُلَّ ذي أَرَبٍ

مِنّا وَلَم أَرَ بي نَهضاً إِلى أَرَبي

فَإِن طَمِعتُ فَما أَروَيتَ مِن بَحَرٍ

وَإِن قَنَعتُ فَما أَنقَعتَ مِن ثَغَبِ

أَنَلتَ غَيرِيَ ما يَهوى بِلا سَبَبٍ

وَنِلتَني بِالَّذي أَخشى بِلا سَبَبِ

إِن أَخلَفَ الخِلفُ مِن مِصرٍ فَوا عَطَشي

إِن رُمتُ في حَلَبٍ ما رُمتُ مِن حَلَبِ

الجارُ ذو القُربِ وَالقُربى مُضَيِّعَةٌ

حَقوقَهُ ما يُرى في جارِها الجُنُبِ

تُبدي إِليَّ قُلوبٌ ما اِغتَرَرتُ بِها

وَذا هُوَ الماءُ فيهِ البَثرُ كَالحَبَبِ

وَقائِلٍ قَد قَطَعتَ الدَهرَ ذا تَعَبٍ

فَقُلتُ لي راحَةٌ في ذَلِكَ التَعَبِ

الرِزقُ كَالطَيفِ يَأتي كُلَّ ذي سِنَةٍ

أَو لا فَكالصَيدِ يَأتي كُلَّ ذي طَلَبِ

سَلوا المَطامِعَ يا أَهلَ المَطامِعِ هَل

أَشُدُّ لُبّي وَلا أُرخي لَها لَبَبي

أَشكو إِلى قَلَمي نارَ الهُمومِ وَيا

ما أَصعَبَ النارَ إِذ تُشكى إِلى القَصَبِ

تِلكَ المَساعي أَراها غَيرَ مُثمِرَةٍ

فَاليَومَ لَيسَ سِوى الشَكوى إِلى القُضُبِ

سَلِ اللَيالِيَ هَل ثابَت عَوائِدُها

فَلَم أَثُب وَاِستَحاشَتني فَلَم أَثِبِ

وَهَل نَهَضتُ أَمامَ اليُسرِ مِن مَرَحٍ

وَهَل جَثَمتُ وَراءَ العُسرِ مِن لَغَبِ

وَما مَدَحتُ الأَماني وَهيَ تَملَأُ لي

وَلا ذَمَمتُ زَماني وَهوَ يَفخَرُ بي

وَما جَهِلتُ وَلَيسَ الجَهلُ مِن شِيَمي

أَن لا قَرابَةَ بَينَ الحَظِّ وَالأَدَبِ

وَلا نَسيتُ الَّذي في النَخلِ يَمنَعُني

مِن شِكَّةِ الشَوكِ عَن مَجنى جَنى الرُطَبِ

وَما اِرتِياحي أَميرٌ في يَدَي رَغَبٍ

وَلا اِرتِياعي أَسيرٌ في يَدَي رَهَبِ

ما سَرَّني وَفُنونُ العَيشِ ذاهِبَةٌ

مِلءُ الحَقائِبِ بِالمُملى عَلى الحِقَبِ

إِنّي وَقَولِيَ لا أَخشى تَعَقُّبَهُ

لا أَوَّلي بِيَ مَستورٌ وَلا عَقِبي

مَن مُخرِجٌ لِلمَعالي أَنَّها كُتِبَت

إِلّا لِذي كُنيَةٍ لِلقَومِ أَو لَقَبِ

إِنَّ الَّذينَ تُناديهِم عَلى كَثَبٍ

بانوا وَأَعمالُهُم تُبنى عَلى كُثُبِ

مِن كُلِّ مَن إِن يَجِد تَيهاءَ مُشكِلَةٍ

إِذا دَعاهُ إِلَيها الفِكرُ لَم يُجِبِ

وَهيَ القُلوبُ إِن اِستَكشَفتَ باطِنَها

فَكَالحِجارَةِ أَو أَقسى وَكَالقُلُبِ

هَبِ المَحَبَّةَ رِقّاً وَالمُحِبَّ لَكَم

عَبداً فَهَل يُؤمَنُ المُقصى عَلى الهَرَبِ

ما بَينَ طَعمَينِ فَرقٌ بَعدُ في فَمِهِ

وَلَيسَ في الخَمرِ مَعنىً لَيسَ فيالعِنَبِ

أَعرِب أَحاديثَ قالوا في أَوائِلَها

لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ