قالوا ولم يلعب الزمان ببغداد

قالوا وَلَم يلعبِ الزَمان بِبَغ

داد وَتعثُر بِها عَواثرُها

إِذ هيَ مثل العَروس باطِنُها

مشوّق لِلفَتى وَظاهرها

جَنّةُ خلد وَدار مَغبَطةٍ

قلّ مِن النائِبات واترها

دَرّتُ خلوفُ الدنيا لِساكِنها

وَقَلَّ معسورها وَعاسرها

واِنفرجت بالنَعيم واِنتَجعت

فيها بِلَذَّاتها حواضرها

فالقَومُ منها في روضة أُنفٍ

أَشرق غِبَّ القِطار زاهرُها

من غَرَّهُ العَيش في بُلَهنيةٍ

لَو أَنَّ دنيا يَدوم عامرها

دارُ مُلوك رست قواعدها

فيها وَقَرَّت بِها مَنابرها

أَهل العُلا وَالنَدى وَأَندِيَة ال

فخر إِذا عددت مَفاخِرها

أَفراخُ نعمى في ارث مملكة

شدّ عراها لَها أَكابرها

فَلَم يَزَل وَالزَمان ذو غَيرٍ

يَقدح في ملكها أَصاغرها

حَتّى تَساقَت كأساً مثمِّلَةً

مِن فتنة لا يُقالُ عاثِرها

واِفتَرَقَت بعد أُلفة شيِعاً

مَقطوعَةً بَينَها أَواصرها

ياهل رأيت الأَملاكَ ما صنعت

إِذ لَم يَرعُها بالنصح زاجرها

أَورد أملاكُنا نفوسَهُم

هُوَّةَ غيّ أَعيَت مَصادِرُها

ما ضَرَّها لَو وفت بموثقها

واِستَحكَمَت في التُقى بَصائِرُها

وَلَم تسافك دِماء شيعَتِها

وَتبتَعِث فتية تكابرها

وَأَقنعَتها الدُنيا التي جمعت

لَها وَرُعبُ النُفوس ضائِرها

ما زال حوض الأَملاك يحفِره

مسجورها بالهَوى وَساجِرها

تَبغي فُضول الدُنيا مكاثرةً

حَتّى أُبيحَت كَرهاً ذَخائرها

تَبيع ما جمع الأبوّة لل

أَبناء لا أُربحت متاجرها

يا هَل رأَيت الجِنانَ زاهِرَةً

يَروق عَين البَصير زاهرها

وَهَل رَأَيت القُصور شارِعَةً

تَكُنّ مثل الدُمى مقاصرها

وَهَل رأَيت القُرى الَّتي غرس ال

أَملاكُ مخضرّةً دساكرها

مَحفوفَةً بالكروم وَالنخل وَالرَي

حان ما يَستَقِلّ طائِرها

فانها أَصبحَت خَلايا من ال

إِنسان قَد أُدميت مَحاجرها

قَفراً خَلاءً تَعوى الكِلاب بِها

ينكر منها الرسوم زائِرها

وَأَصبَحَ البؤس ما يُفارِقُها

إِلفا لَها وَالسُرور هاجرها

بزندوردَ وَالياسِريَّةِ وَالشط

طَينِ حَيث اِنتهَت مَعابرها

وَبِالرَحى وَالخَيزَرانيَّة ال

عَليا إِلي أَشرفت قَناطِرها

وَقَصر عَبدُوَيه عِبرَةٌ وَهُدىً

لِكُلِّ نفس زكت سَرائرُها

فَأَينَ حُرّاسُها وَحارِسها

وَأَينَ مجبورها وَجابِرُها

وَأَين خِصيانها وَحشوَتِها

وَأَينَ سكّانها وَعامرها

أَينَ الجَراديَةُ الصقالب وال

أَحبش تَعدو هدلاً مشافرها

يَنصدع الجند عَن مواكبها

تَعدو بِها سرّبا ضَوامرها

بالسند وَالهِند وَالصَقالِب وال

نوبة شَيبت بِها برابرها

طَيراً أَبابيلَ أُرسلت عبثاً

يقدَم سودانها أَحامرها

أَينَ الظِباءُ الأَبكارُ في رَوضَة ال

ملك تَهادى بِها غَرائرها

أَينَ غضاراتها وَلذّتها

وَأَينَ محبورها وَحابرها

بالمسك وَالعَنبَر اليَمانيّ وال

يلنجوج مشبوبة مجامرها

يرفلن في الخَزّ وَالمَجاسِد وال

موشيّ محطومة مزامرها

فَأَينَ رقاصُها وَزامرها

يجبن حيث اِنتَهَت حَناجرها

تَكادُ أَسماعهم تُسَكُّ إِذا

عارض عيدانَها مَزاهِرُها

أَمسَت كَجَوفِ الحِمار خاليَةً

يُسَعِّرها بالجَحيم ساعرها

كَأَنَّما أَصبَحَت بساحتهم

عادٌ ومسَّتهُم صراصرها

لا تَعلَم النَفس ما يُبايتها

مِن حادث الدهر أَو يُباكرها

تُضحي وَتُمسي دَريّةً غَرَضاً

حيث اِستَقَرَّت بِها شراشرها

لأسهُمِ الدهر وَهوَ يَرشُقها

محنطها مَرّة وَباقرها

يا بؤسَ بَغداد دار مَملَكة

دارَت عَلى أَهلِها دَوائرها

أَمهَلَها اللَهُ ثُمَّ عاقَبَها

لَمّا أَحاطَت بِها كَبائرها

بالخسف وَالقَذف وَالحَريق وَبال

حرب الَّتي أَصبحت تساورها

كَم قَد رَأَينا مِن المَعاصي بِبَغدا

دَ فَهَل ذو الجَلال غافِرُها

حَلَّت بِبَغدادَ وَهيَ آمِنَةٌ

داهيَةٌ لَم تَكُن تُحاذرها

طالعها السوء من مطالعه

وَأَدرَكَت أَهلَها جرائرها

رقّ بِها الدين واسُخِف بِذي ال

فضل وعزَّ النسّاكَ فاجرها

وَخطّم العَبدُ أَنفَ سَيِّده

بالرَغم وَاستُعبدت حَرائرها

وَصار ربَّ الجيران فاسقُهم

وابتَزَّ أَمرَ الدروب ذاعرها

مَن يَرَ بَغداد وَالجُنودُ بِها

قَد ربّقت حَولها عساكرها

كُلَّ طحون شَهباءَ باسِلَةٍ

تُسقط أَحبالها زماجرها

تلقي بغيّ الرَدى أَوانسها

يُرهقها للّقاء طاهرها

وَالشَيخ يَعدو حزماً كَتائبه

يقدم أَعجازها يعاورها

وَلزهير بالفرك مأسدة

مرقومة صُلبَةٌ مكاسرها

كَتائب المَوت تَحتَ أَولية

أَبرَح منصورها وَناصرها

يَعلَم أَنَّ الأَقدار واقِعَة

وقعاً على ما أَحَبَّ قادرها

فَتِلكَ بَغداد ما تبنّى مِن الذّ

له في دورها عصافرها

مَحفوفَة بِالرَدى منطّقة

بالصغر مَحصورة جَبابرها

ما بَينَ شط الفُرات منه إِلى

دجلة حيث انتهت معابرها

نار كَهادي الشَقراء نافرة

تَركُض مِن حَولِها أَشاقرها

يُحرِقها ذا وَذاكَ يَهدِمها

وَيشتَفي بالنِهاب شاطرها

وَالكوخُ أَسواقُها معطَّلة

يستنَّ عيّارُها وَعائرها

أَخرجت الحَرب من سَواقطها

آسادَ غيل غُلباً تُساورها

من البَواري تراسها ومن ال

خوص إِذا استلأمت مغافرها

تَغدو إِلى الحَرب في جَواشنها ال

صوف إِذا ما عَدَّت أَساورها

كَتائِب الهرش تَحتَ رايَتَهِ

ساعد طرّارها مَقامرها

لا الرزق تَبغي وَلا العَطاء وَلا

يحشِرُها للّقاء حاشرها

في كُلِّ دَرب وَكُلِّ ناحيَة

خطّارَةٌ يستهلّ خاطرها

بمثل هام الرِجال من فلق الص

خر يزود المقلاع بائرها

كَأَنَّما فَوقَ هامها فِرق

من القطا الكُدر هاج نافرها

وَالقَوم مِن تَحتِها لَهُم زجل

وَهيَ ترامي بها خَواطرها

بَل هَل رَأَيت السُيوف مصلتةً

أَشهَرَها في الأَسواقِ شاهرها

وَالخَيل تستنَّ في أَزِقّتها

بالتُركِ مسنونة خَناجرها

وَالنفط وَالنار في طرائقها

وهابياً للدخان عامرها

وَالنهب تعدو بِهِ الرِجال وَقَد

أَبدَت خَلاخيلَها حَرائرها

معصوصبات وسط الأَزِقّة قَد

أَبرزها لِلعُيون ساتِرها

كُلُّ رَقودِ الضحى مخبّأة

لَم تُبدِ في أَهلِها محاجرها

بيضةُ خدر مَكنونةٌ برزت

لِلناس مَنشورة غَدائرها

تعثُر في ثَوبِها وتعجلها

كبّةُ خَيل ريعت حَوافرها

تَسأل أَينَ الطَريقُ والهةً

وَالنارُ من خَلفِها تبادرها

لَم تجتَلِ الشَمسُ حسنَ بهجتها

حَتّى اجتلتها حَربٌ تُباشرها

يا هَل رَأَيت الثكلى مولولةً

في الطُرق تَسعى وَالجهد باهرها

في إِثرِ نَعش عليه واحدُها

في صدره طَعنَةٌ تساورها

فَرغاء ينقي الشنار مربدها

يَهُزّها بالسنان شاجرها

تنظر في وَجهه وَتَهتف بالث

كل وَجاري الدُموع حادرها

غَرغَرَ بِالنَفس ثُمَّ أَسلمها

مَطلولةً لا يُخاف ثائرها

وَقَد رَأَيت الفِتيان في عَرصة ال

معرك معفورةً مناخرها

كُلّ فَتىً مانع حَقيقتَه

تَشقى به في الوَغى مساعرها

باتَت عَليهِ الكِلابُ تَنهَشُه

مَخضوبةً من دَمٍ أَظافرها

أَما رَأَيتَ الخُيولَ جائِلَةً

بالقَوم مَنكوبَةً دَوائرها

تَعثُر بِالأَوجه الحِسان من ال

قَتلى وغلّت دماً أَشاعرها

يَطأنَ أَكباد فتية نُجُدٍ

يَفلِقُ هاماتهم حَوافرها

أَما رَأَيت النِساءَ تَحتَ المَجا

نقِ تعادى شعثاً ضَفائرها

عَقائل القَوم وَالعَجائِز وال

عنَّس لَم تُحتَبر معاصرها

يَحمِلنَ قوتاً مِن الطَحين عَلى ال

أَكتاف مَعصوبة معاجرها

وَذات عَيش ضنك ومقعسة

تشدَخها صَخرة تعاورها

تَسأل عَن أَهلِها وَقَد سُلِبَت

واتبُزّ عَن رأسها غَفائرها

يا لَيتَ شِعري وَالدَهر ذو دول

يرجى وَأُخرى تَخشى بوادرها

هَل تَرجعن أَرضُنا كَما غَنَيت

وَقَد تَناهَت بِنا مَصائرها

من مبلغٌ ذا الرِياستين رَسا

لاتٍ تأتّى لِلنُصح شاعرها

بأَنَّ خَيرَ الولاة قَد علم الن

اس إِذا عُدّدت مآثِرها

خَليفَةُ اللَه في بريته ال

مأمون منتاشها وَجابرها

سمت إِلَيهِ آمال أُمَته

مُنقادةً بَرّها وَفاجرها

شاموا حيا العدل من مخايله

وَأَصحرت بالتُقى بَصائرها

وَأحمدوا منك سيرَةً جَلَتِ ال

شَكَّ وَأُخرى صَحَّت مَعاذرها

واستَجمعت طاعَةً برفقك للمأ

مون نجديُّها وَغائرها

وَأَنتَ سَمعٌ في العالَمين له

وَمُقلَةٌ ما يَكِلّ ناظرها

فاشكر لذي العرش فضلَ نعمته

أَوجب فضل المَزيد شاكرها

واحذر فداء لك الرَعيَّة وال

أَجنادُ مأمورها وآمرها

لا تَرِدَن غمرةً بنفسك لا

يَصدرُ عَنها بِالرأي صادرها

عليك ضحضاحها فلا تلج الغم

رة مُلتَجّةً زَواخِرُها

وَالقصد أَنَّ الطَريق ذو شعب

أشأمُها وَعثها وَجائرها

أَصبَحتَ في أُمَّة أَوائِلُها

قَد فارقت هديها أَواخرها

وَأَنت سَرسورها وَسائسها

فَهَل عَلى الحَقّ أَنتَ قاسرها

أَدّب رِجالاً رأيت سيرَتهم

خالف حكمَ الكتابِ سائرها

واِمدُد إِلى الناس كفّ مرحمة

تُسَد منهم بِها مفاقرها

أَمكنك العَدلُ إِذ هَمَمتَ بِهِ

وَوافقت مدّه مقادرها

وَأَبصَرَ الناسُ قَصدَ وَجههم

وملّكت أُمّة أخايرها

تُشرِع أَعناقَها إِلَيكَ إِذا ال

سادات يَوماً جمّت عَشائرها

كَم عِندَنا مِن نَصيحة لك في ال

لمه وَقُربى عزّت زَوافرها

وَحُرمَةٍ قَرّبت أَواصرها

منك وَأُخرى هَل أَنتَ ذاكرها

سَعي رِجال في العلم مطلبهم

رائحها باكر وَباكرها

دونك غراءَ كالوَذيلة لا

تُفقَد في بلدة سَوائرها

لا طَمَعاً قلتُها وَلا بَطَرا

لِكُلِّ نَفس هَوىً يؤامرها

سيّرها اللَهُ بالنَصيحَة وال

خشية فاِستُدمجت مرائرها

جاءَتكَ تَحكي لَك الأُمور كَما

يَنشُر بزَّ التجار ناشرها

حمّلتُها صاحِباً أَخا ثقة

يَظَلَّ عَجَباً بِها يُحاضرها