لكم من فؤادي شاهد ليس يكذب

لكم مِن فؤادي شاهدٌ ليس يكذبُ

ومِن دمعِ عيني صامتٌ وهو مُعرِبُ

ولي من شهودِ الحبَّ خدٌّ مُخَدَّدٌ

وقلبٌ على نارِ الغرامِ يُقَلَّبُ

ولي بالرسومِ الخُرسِ مِن بعدِ أهلِها

غرامٌ عليه ما أزالُ أؤنَّبُ

واِنْ عنَّ ذكرُ الراحلينَ عنِ الحِمى

وقفتُ فلا أدري إلى أين أذهبُ

فربعٌ أُناجيهِ وقد ظلَّ خالياً

ودمعٌ أُعانيهِ وقد بات يُسكَبُ

وصبرٌ

وقد بانوا تباعدَ للنوى

ووجدٌ وقد ساروا الى الصبَّ يَقرُبُ

يُروَعُه لمعُ البروقِ وتارةً

يبيتُ بتغريدِ الحمامِ يُعذَّبُ

ودمعٌ على الخدَّينِ يَهمي سحابُه

اِذا ما انبرتْ الحمائمُ تَندُبُ

ويَشغَفُها بانُ الحمى وظِلالُه

فتُوفي على فرعٍ مِن البانِ تَخطُبُ

فللّهِ مِن نارٍ لا يعرفُ الغمضَ جفنُها

اِذا ما بدا مِن أوّلِ الليلِ كوكبُ

تبيتُ تُراعيه ودونَ لقائها

بمَنْ بانَ عن نعمانَ عنقاءُ مُغرِبُ

فجسمي وقد بانوا الى الحيَّ راجعٌ

وقلبي مع الأحبابِ في الركب يَجنُبُ

وقد كان مِن مُرَّ التجنَّي مروَّعاً

فكيف إذا ما عادَ وهو تَجنُّبُ

وما أنا في وجدي بأوَّلِ واثقٍ

تبدَّى له برقٌ مِنَ الوعدِ خُلَّبُ

ولا حائرٍ في عرصةِ الربع واقفٍ

يُحيَّيهِ في شرعِ المطامعِ أشعبُ

يسائلُ عن هندٍ فلمّا ترحّلتْ

أقامَ فحيَّتْهُ على الدارِ زينبُ

لها مِن غزالِ الرملِ حُسْنُ التفاتهِ

اِذا ضَلَّ عنه في الأجارِعِ رَبْرَبُ

ويَسلبُه سحرُ العيونِ اصطبارَهُ

ويَخلُبُه لفظٌ مِنَ الماءِ أعذبُ

ويَصْدِفُها شَعرٌ بفَودَيهِ أشيبٌ

ويَشغَفُه ثغرٌ للمياءَ أشنبُ

ولم أنسَها يومَ الوَداعِ وقد بدا

لتوديعنا ذاكَ البنانُ المخضَّبُ

فلا راحةٌ إلا وقد سارَ أُنْسُها

ولا صبرَ إلا وهو بالهجرِ يُغلَبُ

ومَنْ يُعتِبُ المشتاقُ والنأيُ خصمُه

ومَنْ ذا الذي يوماً على البينِ يَعتِبُ

وأُلزِمتُ ذنباً في الهوى ما اقترفتُهُ

وما كنتُ لولا الدمعُ في الحبَّ أُذنِبُ

حنينٌ إذا جَدَّ الرَّحيلُ رأيتُه

بنفسيَ في اِثرِ الظعائنِ يًلْغُبُ

شوقٌ إلى أهلِ الديارِ يحثُّه

غرامٌ إلى العذريَّ يُعزى ويُنسَبُ

وما مزنةٌ أرختْ على الدارِ وبلَها

ففي كلَّ أرضٍ جدولٌ منه يَثْعَبُ

اِذا ما ارجحنَّتْ في الهواءِ وأرزمتْ

تدلَّى لها فوقَ الخمائلِ هَيدَبُ

واِنْ نضبتْ ممّا تًسُحُّ سحابةٌ

ألحَّتْ عليها دِيمةٌ ليس تَنضُبُ

بأغزرَ مِن دمعي وقد أُخفرَ السُّرى

وأمستْ نياقُ الظاعنينَ تُغرَّبُ

ولا بنتُ دوحٍ في الحدائقِ أصبحت

تنوحُ على بانِ الحِمى وتُطَرَّبُ

لها في أفانينِ الغصونِ ترنُّمٌ

يكادُ بما عندَ الحمامةِ يُعرِبُ

بأطيبَ مِن شعرٍ أُنضَّدُ لفظَهُ

على حَسْبِ ما أختارُه وأُرتَّبُ

قريضٌ غدتْ منه القصائدُ شرَّداً

تُشرَّقُ ما بينَ الورى وتُغَرَّبُ

قصائدُ لو أنَّي تقدَّمتُ أوّلاً

بهنَّ لأطراها نِزارٌ ويَعرُبُ

ولو أنَّها في عصرِ قومٍ تقدَّموا

لكانتْ بأفواهِ البريَّةِ تُخْطَبُ

واِنْ رامَها غيري وحدَّثَ نفسَهُ

ضلالاً بما فيها مِن الفضلِ يَتعَبُ

فهنَّ لأربابِ المنائحِ مفخرٌ

وهنَّ لأربابِ المدائحِ مكسبُ

ويختارُها عقلُ الأريبِ قينثني

اليها ويُمسي عن سواها يُنكَّبُ

وما فاحَ عرفُ المسكِ إلا وجدتَهُ

يُحدَّثُ أن العرفَ منهنَّ أطيبُ