ما بال طرفك بعد البعد مارقدا

ما بالُ طرفكَ بعدَ البعدِ مارقدا

ما ذاكَ إلا لأمرٍ أوجبَ السَّهَدا

صبابةٌ وحنينٌ يبعثان على

بُعدِ المزارِ إليكَ الشوقَ والكَمَدا

ما أنتَ غِرٌّ بأيامِ الغرامِ فلا

تظنَّ جهلاً بأنَّ الوجدَ صار سُدى

أقلُّ ما فيه أن تُلقي بلا سببٍ

على الحبائبِ فيه اللَّوْمَ والفَنَدا

لُدْنُ القدودِ كباناتِ الحمى هَيفَاً

بيضُ الطِّلى كظباءِ المنحنى جيَدا

حوراً العيونِ كأحداقِ المها عَينَاً

غِيدُ الجسومِ بنفسي ذلكَ الغَيَدا

كم قدْ سفكنَ بهاتيكَ العيونِ دماً

وما رأيتُ لها ثأراً ولا قَوَدا

أغراكَ برقُ الحمى بالذِّكْرِ آونةً

لما تراءَى على أجزاعِه وبدا

ما لاحُ إلا وفي قلبي كمومضِه

وَقيِدُ نارٍ غرامٍ مثلَ ما وَقَدا

نارانٍنارُ زنادِ المزنِ ما خمدتْ

تحت الظلامِ ولا جمرُ الهوى خَمَدا

هذي تلوحُ فيحكيها تلهُّبُه

وهناً بجاحمِ شوقٍ قلَّما بَرَدا

يا راكباً يِطسُ الرَّضْراضَ مُجْفَرُه

كالهَيْقِ نحوَ الحمى والجِزْعِ قد وَخَدا

يسري على الأيْنِ لا يَثنيهِ مُنخَرَقٌ

عنِ الرسيمِ ولا يَستبعِدُ الأمدا

قلْ للغزالِ الذى حالتْ مواثِقُه

اِنِّي على ذلكَ العهدِ الذي عَهَدا

ما حلتُ في الحبِّ عماّ كان يعرفُه

ولا مددتُ إلى السُّلوانِ عنه يَدا

أحبابَنا سُقِيتْ أيامُ وصلكمُ

بهاطلٍ كلَّما جادَ الرُّبى رَعَدا

اِذا ونى سَحُّهُ أو قلَّ سافحُه

أجرتْ له مقلتي مِن مائها مَدَدا

يا بينُ ويحكَ ما أبقيتَ بعدَهمُ

للوالهِ الصبِّ لا صبراً ولا جَلَدا

قد كان ذا جَلَدٍ جَمٍّ فسارَ بهِ

حادي مطاياهمُ في الظعينِ يومَ حَدا

أين الأحبَّةُ لم يوفوا بما وعدوا

مِن بعدِما أنجزَ التفريقُ ما وعدا

بانوا فها أنا في الأطلالِ بعدهمُ

وِردي الدموعُ إذا ما شئتُ أن أرِدا

لأحمَدَنَّ زماناً كان يجمعُنا

بالرقمتينِ فخيرُ العيشِ ما حُمِدا

وقائلٍ قبلَ وشكِ البينِ مِن جَزَعٍ

قد نالَهُ للنوى والبينِ ما أفِدا

ما أنتَ يومَ نوى الأحبابِ صانِعُه

اِذا رأيتَ مزارَ القومِ قد بَعُدا

فقلتُ والقلبُ فيه حَرُّ نارِ جوًى

للبينِ تُضرَمُ مِن أنفاسيَ الصُعَدا

يدايَ

اِنْ حُمَّ بينٌ

قد ذَخَرتُهما

هذي لدمعي وهذي تَلْزَمُ الكَبِدا

ما استوطنوا بلداً إلا وعدتُ لِما

عندي من الوجدِ أهوى ذلكَ البلدا

لا تُلْزِمَنِّي بصبرٍ بعدما رحلوا

عنِ العقيقِ فصبري بعدهم نَفِدا

يا واقفاً في عراصِ الدارِ مكتئباً

يُذري المدامعَ في أرجائها بَدَدا

حيرانَ تُذْكِرُهُ الآثارُ بعدهمُ

عيشاً تولَّى بجيرانِ النقا رَغَدا

حَرانَ يسمعُ أشعاري فيحسبُني

وقد ترنَّمتُ فيها طائراً غَرِدا

مِن كلِّ قافيةٍ للعقلِ ساحرةٍ

نفثتُ في عُقَدٍ مِن سِحرها عُقَدا

أمسيتُ والبحرُ وردي من صناعِتها

متى وردتُ وغيري يَرشُفُ الثَّمَدا

شِعرٌ إذا سمعَ النظّامُ محكمَهُ

أقرَّ كرهاً له بالفضلِ مَنْ جَحَدا

معاشرٌ حسدوه لا أرى لهمُ

فيما توخَّوه لا راياً ولا رَشَدا

لغيرِ شيءٍ سوى انِّي أفوقُهمُ

بخاطرٍ كلَّما أذكيتُه اتَّقَدا

لا زلتُ في الفضلِ محسوداً ولا بَرِحوا

لا يقدرونَ على أن يُظْهِروا الحَسَدا