أبجدية الأرض

أَلِفي بُحوري والقصائدُ بائي

والتاءُ تكتبُ والبدايةُ لاءي

وعلى يدي نَقشَ الملائِكُ أحرفاً

فتناسخَ العُشاقُ من أعضائي

وتوزّعتْ ريحُ الصّبا بأصابعي

فتطيَّبت بشمولِها أشيائي

طفلٌ أنا تحت الغمامةِ.. نرجسٌ

ما بين صخرٍ رائقٍ ورُواء

طيرٌ أنا في القدسِ مثلَ بُراقِها

يسري ليعرجَ سيّدُ الإسراءِ

هذا سبيلُ الصاعدين لِقُدْسِهم

بقوادمٍ شقّت على العنقاءِ

وترنّمت ريحُ اللظى بأصابعٍ

وتقاطرَ الماوَردُ في الأنداءِ

وعلى القميصِ دمُ اجتراحِ هبوبِه

فتعالت الراياتُ في الأنواءِ

نجمٌ على نارِ الغمامة ، نثرهُ

وهجٌ يحرّقُ عتمةَ الغَطشاءِ

جمعَ الجَمالَ بِجيمِ جُبَّتِه التي

فتحتْ حدودَ اللهِ في الأرجاء

حتى دنا أو قابَ عندَ المُنتهى

وأضاءَ خلفَ حِجابِه في الحاءِ

وخلا مع المولى وعاد مُشَفَّعاً

نوراً يُضَوّعُ طاهرَ الأجواء

داري هنا دالُ الدروبِ وعودةٍ

لسواحلي ومجامري وهوائي

والذالُ تُذكي نارَ عِزّي كلّما

تعدو أُسَعِّرُها بِذَوْبِ ندائي

رابطتُ في أقصى البهاءِ ورايتي

لوّاحةٌ في خافقاتِ لوائي

وزها دمي في الأرضِ يوم توزَّعتْ

كِسَفاً على مَن يستحلُّ دمائي

ولذا يصحُّ زُحافُ شِعري كلّه

ويجوزُ عكسُ الحَرفِ في إقوائي

سنكونُ في سِين البقاءِ ، وسرُّها

رَجْعُ السجينِ وهمسةُ السَرّاء

وإذا تهبُّ رياحُنا وخيولُنا

فسِهامُنا في جَبهةِ الجوزاء

والشينُ شَعبي والشبابيكُ التي

لاحتْ بوجهِ الشمسِ للشُعراء

شُرفاتُها حَبَقُ اليدين وما لها

إلّا أزقّةُ عُرْسِها في الهاء

فهنا يعودُ الميّتون لبيتِهم

وهنا يَشبّ العُشبُ في الصحراءِ

وكأنها الشامُ التي في خاطري

عِطرُ الإلهِ ونخلةُ الزوراءِ

وتظلّ فينا مثلَ صادِ صخورِها

حرفاً يُجَنِّحُ نجمُها أضوائي

والضادُ بستانُ السماءِ وكلّما

عبقتْ يُرنّقُ وَردُها إملائي

طابتْ ، ففيها كان جنّةُ آدمٍ

قبلَ النزولِ لكوكبِ الإعياءِ

وأتى اليها طاهراً ومُطَهّراً

مَن لم تَنلْهُ النارُ بالإيذاءِ

وهنا تظاهرَ أخوةٌ كذبوا.. وقد

قالوا الذئاب تروغُ بالأبناءِ

وهناك تُلقي أُمُّ موسى ابنَها

وهنا حرائقُ زهرةِ الأثداءِ

لا طائرٌ يأتي ليحكيَ قصةً

عن موقدٍ للدمعِ في الزَهراءِ

أو إنْ تلعثمتِ المليكةُ عندما

ارتبكتْ مياهٌ من رُخامِ الماءِ

وأنا هنا مِن قبلِ أنْ حلموا بها

فعَشاءُ عيسى كان بعدَ عَشائي

ولقد شهدتُ على يهوذا يوم أنْ

باعَ المسيحَ بحفنةٍ سوداءِ

وأنا الذي أبكيتُ مريمَ يومَها

وتعلَّقتْ، من حُزنِها ، برِدائي

بكتِ الفواطمُ فوقَ رأسِ شقيقتي

ورأتْ حِرابَ القاتلين .. ورائي

ويكونُ أنْ غَدَر الضِّباعُ ، وكلّما

شربتْ شراييني يفيض إنائي

فاءُ الفلاةِ أنا وقافُ قيامةٍ

والياءُ تَنْدهُ في البعيدِ .. النّائي

والكافُ إنْ كفَّ الصليبُ جعلتُه

عَرشاً لداليةِ الندى الخضراءِ

لامُ البلادِ لنا وميمُ جذوعِها

والنونُ نَسْغُ جذورِها ولُحائي

وغداً سيهربُ حوتُ بحرٍ غامرٍ

والنونُ تقدحُ في عروقِ الباءِ

فهنا هوى قلبُ الشهيدِ وهالَه

ما هزّ أعطافي وهاءَ بهائي

ولها يقالُ الشِعرُ ليس لغيرِها

فهي السماءُ تنامُ تحتَ سماءِ

ويجوز أنْ ألقى المَعرّي نظرةً

فأَرَتْهُ كيف يجودُ بالإيحاءِ

ولربّما لو جاءها قيسٌ سَلا

مَن ألبَسَتْهُ قلائدَ الرمضاءِ

وبها الهداهدُ أكملتْ أخبارَها

عن أمّهاتِ القيدِ والشُهداءِ

عن سوسنِ الجرحى ودُفلى لاجئٍ

وعن الرّدى في أضْلُعِ الآباء