تأبد من أطلال جمرة مأسل

تَأَبَّدَ مِن أَطلالِ جَمرَةَ مَأسَلِ

وَقَد أقفَرَت مِنها شَراءٌ فَيَذبُل

فَبُرقَة أَرمام فَجَنبا مُتالِعٍ

فَوادي سليل فَالنَدِيُّ فَأَنجَل

وَمِنها بَأَعراضِ المَحاضِرِ دِمنَة

وَمِنها بِوادي المُسلهمة منزِلُ

أَناةَ عَلَيها لُؤلُؤٌ وَزَبَرجَدٌ

وَنَظمٌ كَأَجوازِ الجَرادِ مُفَصَّلِ

يُرَبِّتُها التَرعيبُ وَالمَحضُ خِلفَةً

وَمَسكٌ وَكافورٌ وَلُبنى تَأكُلُ

يُشَنُّ عَلَيها الزَعفَرانُ كَأَنَّهُ

دَمٌ قارِتٌ تُعلى بِهِ ثُمَّ تُغسَلُ

سَواءٌ عَلَيها الشَيخُ لَم تَدرِ ما الصَبا

إِذا ما رَأَتهُ وَالأُلوفُ المُقَتَّلُ

وَكَم دونَها مِن رُكنِ طَودٍ وَمَهمَهٍ

وَماء عَلى أَطرافِهِ الذِئبُ يَعسِلُ

وَدَسَّت رَسولاً مِن بَعيدٍ بِآيَةٍ

بِأَنَّ حَيِّهم وَاِسأَلهُم ما تَمولوا

فَحُيّيتِ مِن شَحطٍ فَخَيرُ حَيثِنا

وَلا يَأمَن الأَيامُ إِلّا مُضَلَّلُ

لَعَمري لَقَد أَنكَرتُ نَفسي وَرابَني

مَعَ الشَيب أَبدالي الَّتي أَتَبَدَّلُ

فُضولٌ أَراها في أَديميَ بَعدَ ما

يَكونُ كِفافَ اللَحمِ أَو هُوَ أَفضَلُ

كَأَنَّ مَحَطّاً في يَدَي حارِثِيَّةٍ

صَناعٍ عَلَت مِنّي بِهِ الجِلد مِن عَلُ

وَقَولي إِذا ما غابَ يَوماً بَعيرُهُم

تُلاقونَهُ حَتّى يَؤوبَ المُنَخَّلُ

فَيُضحي قَريباً غَيرَ ذاهِبِ غربَةٍ

وَارسِل إيماني وَلا أَتَحَلَّلُ

وَظَلعي وَلَم أَكسِر وَإِنَّ ظَعينَتي

تَلُفُّ بَنِيها في البَجادِ وَأُعزَلُ

وَدَهري فَيَكفيني القَليلُ وَإِنَّني

أَؤوبُ إِذا ما أَبت لا أَتَعلَّلُ

وَكُنتُ صَفِيِّ النَفسِ لا شَيءَ دونَهُ

فَقَد صِرتُ مِن أَقصى حُبَيبى أَذهَلُ

وَبُطئ عَن الداعي فَلَستُ بِآخِذٍ

إِلَيهِ سلاحي مِثلَ ما كُنتُ أَفعَلُ

تَدارَكَ ما بَعدَ الشَباب وَقَلبُهُ

حَوادِثُ أَيّامٍ تَمُرُّ وَأَغفَلُ

يَوَدُّ الفَتى بَعدَ اِعتِدالٍ وَصِحَّةٍ

يَنوءُ إِذا رامَ القِيامَ وَيُحمَلُ

يَوَدُّ الفَتى طولَ السَلامَةِ وَالغِنى

فَكَيفَ تَرى طولَ السَلامَةِ يَفعَلُ

دَعاني العَذارى عَمَّهُنَّ وَخلتني

لي اِسمٌ فَلا أُدعى بِهِ وَهوَ أَولُ

وَقَد كُنتُ لا تَسري سِهامي رَمِيَّةً

فَقَد جَعَلت تَشوي سِهامي وَتَنصَلُ

رَأَت أَمنا كيصاً يُلَفِّفُ وَطبَهُ

إِلى الأُنسِ البادينَ وَهوَ مُزَمَّلُ

فَلَمّا رَأَتهُ أُمُّنا هانَ وَجَدُّها

وَقالَت أَبونا هَكَذا سَوفَ يَفعَلُ

أَرى أُمُّنا أَضحَت عَلَينا كَأَنَّما

تُحَلِّلُها مِن نافِضِ الوَردِ إِفكَلُ

فَقالَت فُلانٌ قَد أَعاشَ عِيالَهُ

وَأَودى عِيالٌ آخَرونَ فَهُزِّلوا

أَلَم يَكُ وَلَدان أَعانوا وَمَجلِس

قَريب فَنُخزى إِذ يَكُف وَيُحمَلُ

لَنا فَرَسٌ مِن صالَحِ الخَيلِ نَبتَغي

عَلَيها عَطاءَ اللَهِ وَاللَهُ يَنحَلُ

يَرُدُّ عَلَيها العَيرَ مِن بَعدِ إِلفَهِ

بِقَرقَرَةٍ وَالنَقعُ لا يَتَزَيَّلُ

وَحُمرٌ تَراها بالفَناءِ كَأَنَّها

ذُرا كَثَبٍ قَد مَسَّها الطَلُّ تَهطلُ

عَلَيها مِنَ الدَهنا عَتيقٌ وَمورَةٌ

مِنَ الحُزنِ كُلاً بِالمَراتِعِ يَأكُلُ

فَقَد سَمِنَت حَتّى تَظاهَرَ نَيُّها

فَلَيسَ عَلَيها لِلروادِفِ محمَلُ

إِذا وَرَدَت ماءً وَإِن كانَ صافِياً

حَدتهُ عَلى دَلوٍ يُعَلُّ وَيُنهَلُ

فَفي جِسمِ راعيها هُزالٌ وَشَحبَة

وَضُرُّ وما مِن قِلَّةِ اللَحمِ يُهزَلُ

فَلا الجارَةُ الدُنيا لَها تَلحِيَنَّها

وَلا الضَيفُ فيها أَن أَناخَ محولُ

إِذا هَتَكت أَطناب بَيتٍ وَأَهلِهِ

بِمَعطَنِها لَم يورِدوا الماءَ قَيَّلوا

عَلَيهِنَّ يَومَ الوَردِ حَقٌّ وَذِمَّة

وَهُنَّ غَداةَ الغِبِّ عِندَكَ حُفَّلُ

وَأَقمَعنا فيها الوِطابَ وَحَولَنا

بُيوتٌ عَلَيها كُلُّها فوهٌ مُقبلِ

فَإِن تُصدري يَحلُبنَ دونَكِ حَلبَةً

وَإِن تَحضُري يَلبث عَلَيكِ المَعجَلِ