الحمد لله بديع ما خلق

الحمد لله بديع ما خلق

عن غير تمثيل على شيء سبق

بل سبق الأشياء فابتداها

خلقا كما أراد إذ براها

لم يتخذ صاحبة ولا ولد

ولم يكن جل له كفوا أحد

ولا له من خلقه وزير

ولا شريك لا ولا ظهير

سبحانه من ملك جليل

جل عن التشبيه والتمثيل

وعن حدود النعت والصفات

والظن والوهم من الجهات

من أنه لم تره الأبصار

وأنه لم تحوه الأقطار

ولم تحط بعلمه العقول

ولا له مثل ولا عديل

لأنه تبارك العلي

ليس كمثله يقال شيء

فهو إله صمد معبود

موحّد معظم محمود

أحمده شكرا على نعمائه

تعرض المزيد من آلائه

والحمد لله الذي قد انتجب

محمدا من خلقه لما انتخب

فخصه بالوحي والنبوة

وخص بالإمرة والأخوة

من بعده أبا الحسين والحسن

فسلم الأمر إليه إذ ظعن

صلى عليهما الذي اختارهما

واختار من بعدهما آلهما

فاختصّم بالفضل والكرامة

وجعل الحجة والإمامة

فيهم فلم تزل عليهم تقتصر

حتى انتهت إلى الإمام المنتظر

إلى الذي قد جاءت الرواية

بوصفه والنعت والحكاية

عن النبي حين قال المهدي

يقوم بعد برهة من بعدي

أشبه من ترونه بي خلقا

وسيرة وسنّة وخلقا

فيملأ الأرض التي قد دحيت

عدلا وقسطا مثل ما قد ملئت

جورا وظلما ذالكم من عترتي

سمي باسمي وتكني كنيتي

واسم أبيه فاعلموا كاسم أبي

فلم تزل أمته في تعب

من انتظاره وقد تسمّى

بهذه الأسماء ناس لما

تغلبوا ليجعلوها حجة

فعدلوا عن واضح المحجة

إذ مثلوا الجوهر بالأشباه

منهم محمد بن عبد الله

ابن علي من بني العباس

ذوي التعدي الزمرة الأنجاس

إذ وافق الاسم تمسى مهدي

وهذه من الدواهي عندي

لو كان هذا مثل ما يقول

لكان كل أحمد رسولا

هيهات ليس الاسم كالمسمى

والجهل قد أصمهم وأعمى

والله قد كفل للنبي

بالنصر والتمكين للمهديّ

لكي يتمّ النور منه فيه

برغم من أراد أن يطفيه

وقبل هذا قال في ابن خولة

قوم من الشية كانوا حوله

إذ وافق الإسم وإذ تكنّى

بمثل ما ذكرته في المعنى

بأنه المهدي وهو لم يرد

ذاك ولا سمعه منه أحد

وبعده قد قام يبغي الثأرا

محمد فزعمت غذ ثارا

شيعته بأنه مهديها

إذ بلغت ما قاله نبيها

وكان عبد الله إذ سماه

أبوه يرجو ذاك أو يراه

فلم يزل في شدة المضائق

حتى أصابه أبو الدوانق

وحبس الشيخ أباه إذا مضى

في السجن في أنكاله حتى قضى

وجد ذاك الشيخ قد كان الحسن

ابن علي ذي المعالي والمنن

فيا لها من عترة مقنولة

لما تزل دماؤها مطلوله

ولم تمل شيعتها مقهورة

مطلوبة مقتولة مأسورة

مذ غاب عنها ناظر النبي

حتى أتاها الله بالمهدي

فشيد العز لها بنينانا

وأدعم الملك لها أركانا

ومكن الله لأوليائه

وطهر البلاد من أعدائه

فلهف نفسي ثم لهف نفسي

على الذين انقرضوا بالأمس

لم يبلغوا ذلك من إخواني

لكنهم في حوزة الجنان

قد بلغوا من المنى آمالهم

أنالنا الله الذي أنالهم

فإذا أتانا الله بالأمان

والعز والنصرة والإمكان

وحلنا من عقلة التقيّة

وزالت المحنة والبليّة

فمن أقل حقه أن نحمده

بمبلغ المجهود ثم نعبده

كمثل ما أحب مخلصينا

له على الإذعان منا الدينا

ونطلق القول الذي قد ستره

من قبلنا لخوف بطش الفجرة

ونوضح الحجة في الإمامة

ونحمد الله على السلامة

من اعتقاد الغي والنفاق

وننظم القول على اتساق

في ذاك من أوله مستقصا

كمثل ما قد ذكروه نصا

من قولهم وأقصد اختصاره

في هذه القصيدة المختارة

فرب قول قل في اختصار

أنفع مما طال للتذكار

ومن يرد قصد الهدى قد ينفعه

أقل قول في الصواب يسمعه

وقد يزيد الجاهل المعاندا

طول احتجاج خصمه تباعدا

وكل ما أتى به حكاية

عن الذي قد جاء في الرواية

أجمعت الأمة فيما قد عرف

من قولها واتفقت لا تختلف

إن أبانا إذ تولى آدما

صلى عليه ربنا وسلما

أوصى إلى شيث فخلى شيئا

خليفة ولم يكن مبعوثا

لكنه وصيّة من ولده

في كل من خلّفه من عدده

فكان فيهم آمرا وناهيا

وواعظا ومنذرا وداعيا

ينفذ فيهم حكمه ويمضي

قضاءه فيهم على ما يقضي

تعبدوا بطاعة الوصي

بعد انقطاع مدة النبي

وكان فيهم مؤمن تقي

وكافر معاند شقي

فالمؤمن الرابح من قد تابعه

والكافر الخاذل من قد نازعه

وكان فيمن قد عصاه قائن

ونسله فخالفوا وباينوا

فكفروا إذ خالفوا الإماما

واقترفوا الذنوب والآثاما

لأنهم إذ خالفوا الوصيا

كانوا كمن قد خالف النبيا

حتى إذا قارب شيث أجله

أقام فيهم أنوشا فجعله

وصيه خليفة كمثل ما

أقامه آدم لما انصرما

وكان فيهم مثله زمانا

ثم أقام بعده قينانا

فظلّ فيهم زمنا طويلا

ثم أقام بعد مهلا ئيلا

فلم يزل والقول فيهم نافذ

حتى إذا هلك قام يا رذ

من بعده بأمره مقامه

ينفذ فيهم بعده أحكامه

حتى إذا قارب قالوا وعده

خلف إدريسا وصيا بعده

فاختصه الرحمان بالنبوة

من بعد أن فضل بالوصية

وذاك لما استفحل الضلال

وغلب الغواة والجهال

فبلغ الحجة والرسالة

فكفروا وكذبوا مقاله

فابتهل النبي فيهم وصرخ

ثم أقام بعده متوشلخ

ثم دعا الله دعاء من سمع

دعاؤه حين دعاه فرفع

وخلف الوصي فيهم فسلك

سبيله ثم انتهت إلى لمك

من بعده الوصية الموصوفة

فظل فيهم مدة معروفه

فكذبوه مثل ما قد كذبوا

آباءه من قبله وانقلبوا

في الكفر والغي على أعقابهم

وكان قد أوصى إلى نوح بهم

فظل نوح بعده يدعوهم

وأنزل الله عليه فيهم

وحيا فقام فيهم رسولا

فكذبوه زمنا طويلا

فكان من أمرهم وأمره

ما قصة الله بعقب ذكره

واستخلف النبي نوح ساما

من بعده في قومه فقاما

ثم انقضى العلم من العوام

بذكر من قد قام بعد سام

حتى تنبأ بعد إبراهيم

وذاك عند أهله معلوم

بذكر كل قائم بالأمر

من حجج الله بكل عصر

وذاك من مكنون غيب سرهم

يمنعني حفظي له من ذكرهم

وإنما أناظر المخالفا

بقوله الذي كون عارفا

به وقد أقرّ من خالفنا

بأن إبراهيم لما ظعنا

أوصى فقال منهم فريق

وصيّه المستخلف الصديق

يعنون إسماعيل فيما ساقوا

وقال قوم منهم إسحاق

وقيل إن يوشع ابن نون

وصي موسى الصادق الأمين

وقد حكى الله لنا استخلافه

هارون في الأمة وانصرافه

إليه حين أحدثوا ما أحدثوا

وإن شمعون على ما حدثوا

وصي عيسى فحكوا فيما رووا

وصية الرسل معا حتى انتهوا

إلى محمد النبي المصطفى

فاختلفوا وليس بالحق خفا

ذكر قوم أنه قد أوصى

إلى علي في الذي قد نصا

بأهله وماله وعترته

وبالقيام بعده في أمته

وقال قوم إنما أوصاه

بأهله إذ جاءه قضاه

وماله قالوا على الكلية

ولم يكن أوصاه بالرعية

وقال قوم نحن لسنا ندري

أوصاه أو لم يوصه بالأمر

وقيل بل جمع في وصيته

بالدين والكتاب كل أمته

وقال قوم لم تكن وصية

منه إلى خلق من البرية

وكلهم تألفوا واجتمعوا

فيما رووا وحدثوا وسمعوا

بأنه لم يكن يدعيها

غير علي أم يقوم فيها

ولا ادعاها أحد كان اعتقد

خلاف ما قال علي لأحد

يقال للزاعم للخلاف

بأنه لم يوص إن النافي

ليس بشاهد على ما أجمعوا

فاسمع فإن القول ما قد تسمع

فإن يقل بنية قوية

فأنت ما أدراك بالوصية

قيل له السنة والكتاب

وقد يزيل الباطل الصواب

أما سمعت الله في كتابه

إن كنت تتلوه على صوابه

يأمر فيه الناس بالوصايا

عن تركوا خيرا من العطايا

وأنه شدد فيها إذ أمر

حتى أباح في الوصايا في السفر

شهادة الذمي إن دعاه

من لم يجد في وقته سواه

ولم يكن رخص فيما عدد

في تركها إن لم يجد من يشهد

وقال في وصية الخليل

بنيه ما يذكر في التنزيل

وما أتى عن النبي في الأثر

عن كنت في السنة أمعنت النظر

من أنه أباح ثلث المال

للميت الموصى على الكمال

وقال ما حق امرئ ذي شيء

يوصى به من مسلم في الحي

يبيت ليلتين إلا قد كتب

ذلك عنده على الذي وجب

وخلف النبي في المتاع

والربع والسلاح والكراع

مع سائر الأزواج والذرية

ما أوجبوا في مثله الوصية

وماله من أفضل الأموال

لو بيع بيع بالنفيس الغالي

ولم يكن صلى عليه القادر

يترك ما كان به قد يأمر

فإن يقل قد كان أوصى حقا

في ماله الذي له تبقى

فأنت لم حكمت بالوصية

إلى علي منك في القضية

قيل له من قبل الإجماع

وذاك ما قد يقطع التداعي

لأنهم قد أجمعوا بأنه

حاز التراث بعده وأنه

وضعه موضعه ولم يقم

في ذاك خلق يدعي فيما زعم

وصية ولا ادعى ميراثا

إذ حاز دون الوارث التراثا

فإن أتى بالحجة المخترقة

أن الذي ترك كان صدقة

قيل له فهل يجوز أن يلي

ذلك في مقالكم إلا وصي

يقال للقائل إن المرتضى

لم يوص بالأمة لما إن مضى

قولك لم يوص بها محال

لأنه لا تقبل الأقوال

في قول أهل العلم أجمعينا

ممن نفى الأشياء أن تكونا

لأنه في حالة المعاند

وإنما يقبل قول الشاهد

فيما يقول إنه قد كانا

سمعه أو رآه عيانا

وسترى ذلك في كتابي

فيما ترى من مقبل الأبواب

بما روى الثبت عن الثقات

من طرق شتى ومن جهات

من أنه أوصى بها فسلم

لعلم من علم ما لم تعلم

إن كنت للصواب إذا اعتراف

وفي المناظرات ذا إنصاف

وهذه السبيل والمحجة

في قولكم إذا أردتم حجة

وكيف أطلقتم على نبيكم

ما لا يجوز عندكم لغيكم

من أنه أوصى بمال وولد

وترك الأمة بعده بدد

بغير راع بعده يرعاها

يدفع عن بيضتها عداها

وينصف الضعيف من قويها

ويأخذ الزكاة من غنيها

ويقسم الفيء ويجري الصدقة

في الأوجه المعروفة المفترقة

مع ما ترى من احتياج الأمة

في غير ما حال إلى الأئم

وأنه لا بد من إمام

في قولكم طرا على التمام

كأنه عندك كان اهتما

بماله ولم يكن مغتما

بعنت الأمة غذ خلاها

تجول أخراها على أولاها

ولم يسر سيرة من كان عبر

من النبيين كما جاء الخبر

بأنهم قد خلفوا أئمة

في كل من قد خلفوا من أمة

فإن زعمت أنه كان فعل

ذاك فقد أكذبك الذي نزل

عليه إن صدقت ذاك المعنى

من أنه العزيز ما عنتنا

عليه من حرص له علينا

ورأفة ورحمة إلينا

فإن زعمت أنه أوصانا

وخلف السنة والقرآنا

وكان في ذاك لنا الكفاية

فقد أتيت غاية الزراية

على الذين تقتدي بهديهم

فقد علمت ما سعوا من سعيهم

في يوم مات لم يؤخروه

حتى يواروه ويدفنوه

حتى أقاموا واليا عليهم

فقام فيهم والنبي فيهم

فانظر فإن شئت فكفرهم معا

أو فاترك الذي ادعيت أجمعها

فإن أقرّ أنه أوصاه

فالحمد لله الذي هداه

وإن أبى باهت والمناظرة

بالبهت ممن يدعي مكابرة

يقال للقائل لست أعلم

أوصى نبي الله كان أم لم

يوص تدبر حجتي بقلبكا

في أسطر البابين قبل بابكا

فإن أقر قبل الهداية

وإن أبى خوصم بالحكاية

أعني التي حكيت في البابين

من قبل هذا الباب في السطرين

وإن مضى على الذي كان يرى

من قوله لم أدر ذا فلا درى

وليس في مقاله علينا

لم أدر حجة إذا درينا

وحجة المحتج منا تلزمه

أن يطلب العلم الذي لا يعلمه

لأنه في حالة الجهال

والجهل لا يجمل بالرجال

وطلب العلوم فرض قد فرض

كذاك جاء في الحديث إذ عرض

يقال للمعتقد الذي اعتقد

إن النبي عم بالذي قصد

من واجب الوصية الجميعا

قد قلت فاسمع إن تكن سميعا

لو قال كان قوله لزاما

وكان كل رجل إماما

وكان قد يكفر من كان اعتقد

إمامة لأحد دون أحد

فانظر فإن رأيت تكفير السلف

وكل من بعدهم ممن خلف

فأنت في القول بذاك أعلم

فاحكم إذا شئت بما قد تحكم

فهذه مقالة تخالف

جماعة الأمة في المعارف

وتشهد السنة والكتاب

بعيبها والحق لا يعاب

لأن فيما جاء في التنزيل

طاعة أهل الأمر والرسول

إن كنت تتلوه وقال الصادق

فيما رووا واجتمعوا وطابقوا

واتفقوا عليه في العبارة

لا بد للأمة من إمارة

واجمعوا أيضا على المقال

بذاك مع مختلف الأقوال

فإن أردت أنه أوصانا

بالسمع والطاعة كنت صادق

وباتباع الحقّ والتزاهق

عن سبل الباطل كنت صادق

ولم يكن ضيع إن يوصي بنا

وبالذي خلف مما بينا

أجمع من يعزى إلى الإسلام

بأنه لا بد من إمام

يجمع ألفة الجميع منهم

ويدفع الأعداء طرا عنهم

وينفذ الحكام للخصوم

ويقمع الظالم للمظلوم

وهو يقيم الحج والحدودا

وينصب الجهاد والجنودا

ويصلح السبل والبلادا

ويقطع البدع والفسادا

ويقسم الفيء على المقاتلة

والصدقات في الوجوه الكاملة

وهو يقيم لهم الصلاتا

ويقبض الجزية والزكاتا

وكلما إليه قد يحتاجوا

ولو أضاعوا أمره لماجوا

وعطّلت معالم الأحكام

ونزل المكروه بالإسلام

وأهلك المستضعف القوي

ولم يكن للمسلمين في

وارتكب الفروج مستحلها

غصبا إذا ضعف عنها أهلا

وكان من عز إذا ما عزا

وشاء أن يبتز شيئا بزا

فانقلبوا لذاك جاهلية

وتركوا الشرائع النبويه

لو كان هذا وأباه الله

بل حاط دينه الذي ارتضاه

بقائم يقوم كل عصر

يعني بذاك من ولاة الأمر

فلو أطاعوا أمرهم في وقتهم

لأكلوا من فوقهم وتحتهم

لكنهم عصوهمُ ونكّبوا

إلى ولاة دونهم تغلبوا

فكان في ذلك بعض العيث

والنقص في ظاهرهم والريث

وأذهبوا دينهم فزالا

وانقلبوا لغيهم ضلالا

إذ خالفوا المهيمن العليّا

واتخذوا من دونه وليا

فاغتبط القليل بانتزاعهم

إلى ولاة الأمر واتباعهم

أجمع أصحاب النهى والطيش

أن الإمام العدل من قريش

وأنه لا بد فيما وصفوا

من نصبه ضرورة واختلفوا

في نعته ووصفه أفراقا

أربعة وافترقوا افتراقا

كل فريق قيل للأهواء

عدة افراق على الآراء

يطول ما يقوله فروعها

لو قلت ما قد قاله جميعها

وفي الذي أذكره في الوصف

من أصل كل فرقة ماي كفي

حتى إذا فرغت من جميعهم

رجعت في الشيعة مع فروعهم

من بعد أن أرد في مقالي

على جميع فرق الضلال

ثم أعود بعد في أصحابي

فأثبت الحق على الصواب

أولهم طائفة تشيعوا

وسوف أحكي كيف قد تفرعوا

ثم الخوارج الذين خرجوا

على جميع الناس إذ تحرجوا

ثم الذين ذكروا بالإرجا

قال به جميعهم واحتجّا

وفرقة بانت بالاعتزال

تدعى بذاك الاسم لا تبالي

فهذه الأفراق إذ تفرقّت

لم تعد ما قالت ولا ما أصلت

في وصف من يقوم بالإمامة

جميع من وصفه إذ رامه

وذكر من وافقهم معاقدة

يطول وهو ليس فيه فائدة

وكان قصدي في جميع ما ذكر

أن أشبع القول به واختصر

جماع أصل ما تقول الشيعة

في صفة القائم بالشريعة

بأنه في صفة الرسول

وليس للرسول من عديل

لكنه أقدمهم إسلاما

يكون بعد المصطفى إن قاما

أعلمهم بما يراد علما

وأعظم الناس تقى وحلما

وورعا وعفة وسابقة

ونيّة في الصالحات صادقة

وأكثر الأمة في الجهاد

عنى وفي الإنفاق والإعداد

أقربهم من النبي قربا

وطاعة لأمره وحبا

وأزهد الناس وأعلاهم تقى

وأحسن الناس روا وخلقا

هذا الذي قد أصلوا في صفته

وسوف أحكي بعد في معرفته

عند فروع قولهم ما ذكروا

على الذي قد وصفوا وخبروا

والقول فيه إن ترد تمامه

قلت بأن المصطفى أقامه

وكان هذا فيه كيلا يشتبه

من طلب القيام في ذلك به

وليعلم الماضي ويدري الباقي

بأنه قدم لاتسحقاق

ولم يكن يقيمه الرسول

حتى أتى بأمره جبريل

أصل الذي تقوله المرجية

في صفة القائم بالبرية

وكل من وافقها فيما اعتقد

أن رسول الله لم يقم أحد

قالوا ولكن واجب مفروض

على العباد بعده النهوض

إلى امرئ للأمر يرتضونه

من أفضل القوم يؤمرونه

يحكم فيهم بكتاب الخالق

وما أتى عن النبي الصادق

وكل ما لم يك في ذلك اجتهد

فيه برايه على ما قد وجد

نطيعه إذا أطاع الباري

فإن عصى قمنا على الإنكار

ولم تكن بعد له من طاعة

إذا عصى الله على الجماعة

لأنه لابد للأنام

من قائم يقوم بالأحكام

لهم وفي قيامه السداد

ولو عداهم هلكوا وبادوا

وقالت الطائفة المعتزلة

وكل من وافقها في المسألة

قد أمر النبي أن يختاروا

خليفة فجعل الخيار

إليهم في رجل ذي دين

ورع وعفة أمين

يكون ذا فقه على ما قد شرط

في الدين كيما يأمنوا منه الغلط

يطيعه قالوا جميع الخلق

ما دام يقضي بينهم بالحق

فإن عصى الله تقضت طاعته

عنهم وزالت عنهم إمارته

وقال من قال من الخوارج

لم ندر ما ان من المخارج

إن كان قد أمر أو لم يأمر

ونحن في ذاك أولو بصائر

نقيم فينا واليا نرضاه

ما قام لله فإن عصاه

قمنا عليه فانتزعنا أمره

نكف عنا بأسه وشرّه

فاجتمع الكل على التقرير

بأنه لا بد من أمير

عجبت من عزلهم من قد نصب

برأيهم وكل أمرهم عجب

لقد أفادوا القول فيما مثلوا

إذا أقاموا فلهم أن يعزلوا

وهم أئمة على أقوالهم

ومن أقاموا فهو من عمالهم

وقال من وافق بعض ما انتظم

من قولهم نطيعه وإن ظلم

فأوجبوا طاعة أهل الظلم

والله قد أوعد فيما سمي

في وحيه النار جميع من ركن

إليهم أعاذنا رب المنن

لو سلموا الأمر إلى من سلم

إليه ما احتاجوا إلى من يظلم

وهم بخلع أمره وعزلته

أحق بالصواب من توليته

لو أنهم من بعد هذا سلموا

إلى ولاة الأمر لما قدموا

يقال للمرجئ لما إن نفى

عن النبي أن يكون استخلفا

كمثل ما قد قيل بالسوية

لكل من كان نفى الوصية

وقد ذكرت ذاك أن من نفى

ليس يشاهد على ما وصفا

فأنت إن كنت جهلت أمرا

وقد أحاطه سواك خبرا

فقوله يجوز في المعتقد

عليك إذ شهد ما لم تشهد

فإن تكن لم تدر هذا فاسأل

أهل النهى والفقه ممن يعقل

فإنه إجماع كل الناس

بغير ما شك ولا التباس

وإن يكن كما زعمت لم يقم

خليفة من بعده فأنت لم

زعمت أن لا بد من ذاك فإن

قال لأن ذاك شيء لم يكن

للناس بد منه في الدهور

قيل له فأنت بالأمور

أعلم فيما قلت أو تقول

أم ربك الخالق والرسول

هل أنت والقوم الذين أمروا

بعد النبي بالأمور أبصر

منه ومن خالقهم إذ تركا

من بعده الأمة حتى تهلكا

أم تدعي أنك قد أبصرتا

من ذاك ما قد جهلاه أنتا

فالله والنبي كانا أرحما

بها وبالأمر السديد أعلما

وإن يكن لم يأمر الجليل

به ولا أتى به الرسول

وليس في الفرض ولا في السنة

إمارة أو جبها ذو المنة

فما عدا ذلك فهو بدعة

في قول كل من تضم الشرعة

وقد أتى القول بلا محالة

بأن كل بدعة ضلالة

فأنت قد أوجبت فيما تتلو

أن الذين أمروا قد ضلوا

وضل في قولك من تامرا

ممن مضى قبل ومن تأخرا

فأنت قد صرت إلى الضلالة

وكل أسلافك والجهالة

إذ كنتم قد ابتدعتم أمرا

ضربتم فيه الرقاب صبرا

إذ قد أقمتم من له أن يمضي

ذلكم برأيكم ويقضي

في المال والفروج والرقاب

من غير سنة ولا كتاب

وإذ ذكرت أن في الإمارة

صلاح هذا الخلق والعمارة

وقلت إن تركها فساد

يهلك من سبيله العباد

وقلت ذو العرش الكريم المفضل

ترك ذاك والنبي المرسل

أكذبك الله بما افتريته

عليهما في ذاك وادعيته

بقوله إذ أخبر العبادا

بأنه قد كره الفسادا

وكنت قد فرضت في مقالكا

فريضة أوجبتها برأيكا

والفرض من أحدثه فيما ذكر

جميع من أعلمه فقد كفر

ثم نقول بعد للمعتزلة

أتيتم بحجّة محتملة

للنقض والتكذيب من جهات

لم نر من يحكي من الروات

عن النبي مثل ما حكيتم

أو يدعي مثل الذي ادعيتم

زعمتم أن النبي قد أمر

جميع من خلفه إذا عبر

أن ينصبوا من بعده إماما

برأيهم ينفذ الأحكاما

فليت شعري من أحق في النظر

مأمورهم بالفضل أو من قد أمر

أم كيف قد يجتمع العباد

على اختيار رجل لو بادوا

لو جعل الخيار للجماعة

ما اتفقوا إلى قيام الساعة

وكان هذا سبب الهلاك

والحيف والردة والإشراك

فكيف قام فيهم عتيق

وإنما أقامه فريق

في يوم مات الصادق المرجى

وهو صريع بينهم مسجي

وأهل بيته من الأحزان

في شغل عنهم وفي أشجان

واهتبل الغفلة من كان افترس

ذلك من أمرهم حتى جلس

جلسته ذاك برأي من عقد

ذاك له ممن لديه قد شهد

مجلسة الغاصب في تغلبه

حاسبه الرحمان في منقلبه

فأنت قل لي أيها المكابر

متى تراهم عند ذا تشاوروا

هل شهد الذين ضمت طيبة

فضلا عن الذين هم بالغيبة

فإن زعمت أنه كان أمر

أن لا يلي ذلك إلا من حضر

فأنت قد أقررت في المعاشر

أن عليا لم يكن بحاضر

ولم يكن شهدهم فيمن شهد

من هاشم على الولا قيل أحد

ولا أتوا في ذاك بالغفاري

أعني أبا ذر ولا عمّار

ولا بسلمان ولا حذيفة

ولا ابن مسعود إلى السقيفة

ولا أتاهم للذي أرداوا

قالوا الزبير لا ولا المقداد

وأنه تأمر المؤمر

وهم بجانب ولما يحضروا

حتى إذا ما دفنوا الأمينا

أتي بهم إليه أجمعينا

هذا على القول الذي رويتم

لم أعد فيه نص ما حكيتم

وسوف أحكي الأمر بالحقيقة

من بعد هذا فترى تصديقه

فكيف جاز لهم التأمير

وهؤلاء بينهم حضور

لم يشهدوا ذلك ولم يشاوروا

وكيف قاموا دونهم فاستاثروا

بالأمر والراي وهم في الحالة

أولو النهى والصدق والعدالة

فيهم ذوو الرحم والقرابة

والسبق والجهاد والصحابة

والعلم والفقه وأهل الراي

والصدق والهجرة والبلاء

لا تدفعونهم وإن جحدتم

عن فضلهم طرا وإن كابرتم

وقد سمعتم ما رأى الأنصار

إذ شوروا فلم يروا ما اختاروا

وموضع الأنصار ما قد علموا

فكيف ردوا حكمهم إذ حكموا

وإن سعدا من بني عبادة

مات ولم يعطهم قيادة

وهو من الخزرج في ذراها

وكان في الأنصار من أعلاها

لم يقبل الأمر ولم يبايع

والقول في ذلك عنه شائع

فأين كانت ههنا مشاورة

وأين كانت بيهنهم مؤامرة

وأنت إن ضللتهم ضللتا

عندك أو كفرتهم كفرتا

وهم على قولك قد أحالوا

فريضة عن وجهها فزالوا

عنها ومن كذب بالفرائض

في قولكم طرا بلا معارض

كفرتموه واستبتموه

فإن أبى التوب قتلتموه

وهذه عندكم فريضة

نقضتموها فغدت منقوضة

وقولكم في مثلها إن بدلا

مبدل حدودها أن يقتلا

فإن زعتم بعدما وصفتم

بأنهم تشاوروا كذبتم

وجئتم بعد بأمر مشتهر

أن عتيقا ردّها إلى عمر

بغير شورى بل أتى الناس عنق

إليه يجأرون منه فحنق

وسترى قصتهم في باب

أفرده من بعد في كتابي

قل لي فهل تدفع هذا أيضا

أم لا ترى هذا عليك نقضا

فهل تراهم جعلوا الولاية

شورى كما زعمت في الحكاية

لو فعلوا ذلك بوجه الحق

لم يعدهم فيها ولي الخلق

قل لي ولو كانت كما زعمتا

بينهم شورى كما ذكرتا

فاجتمعوا لها فلما يجمعوا

على امرئ ماذا ترى أن يصنعوا

أو قال كل واحد منهم أنا

أحق بالإمرة ممن ههنا

أو قال قوم فهلموا نقترع

وقال قوم نحن لسنا ننتزع

ونحن في الرأي قد اجتهدنا

فلم نجد أفضل فيكم منا

أو أجمعوا أن ليس فيهم من أحد

يصلح للإمرة منهم إن قصد

أو قد رأى كل امرئ ممن حضر

رأيا فما تأتي وما الذي تذر

وهل يكون الأمر في المقدم

والنهي فيما قد يرى ويعلم

إلا لمفضول فصار الفاضل

يؤمر والمفضول وهو جاهل

يأمر بالتقديم والتأخير

عليه والعزل وبالتأمير

لأنه لا يصلح التقدم

عندكم إذا قضوا وحكموا

إلا لأهل الفضل من جميعهم

فالحكم في ذاك إلى وضيعهم

فهذه صفات حكم الباري

عندكم يا معشر النظاري

ثم نقول بعد للخوارج

كمثل ما قد قلت في التحاجج

لكل من زعم عند الذكر

بأنه لم يك كان يدري

هل كان أوصى الصادق المبعوث

وذاك فيما قلته مبثوث

وهو مقال الخارجي الجائر

على الذي روي على التذاكر

لأنه يقول باستقامة

لم أدر هل أمرت بالإمامة

أم لا وقد أوجبها افتراضا

في قوله واعترض اعتراضا

قيل له أليس قد أنبأنا

ربك حين أنزل البيانا

بأنه قد أمر الرسولا

بأن يبين للورى التنزيلا

فهل أبان ذاك لما أمره

أو كان قد كتمه أو ستره

فإن تكن عن ذاك قد نزهته

فاطلب بيانه الذي جهلته

فإن يقل ليست يفرض مفترض

دخل لما قال هذا إذ نقض

مقاله في جملة المرجية

والرد في ذلك بالسوية

عليه كالرد عليهم أولا

ولو أتى مكررا لثقلا

اختلف الجميع فيما اعتقدا

في الأمر للقائم كيف انعقدا

بعد النبي فادّعت عصابة

أن النبيّ خير الصحابة

والناس في امرئ يؤمرونه

منهم إذا ما مات يختارونه

ولم يُسمه ولا أشارا

إليه بل قد جعل الخيارا

إليهم فيه ولو سماه

لكفر العاصي إذا عصاه

قالوا فمن ذلك لم يسمه

ولا أشار لهم باسمه

لأنه كان بهم شفيقا

أن يعدلوا من بعده الطريقا

إذا عصوا من قد أقام فيهم

ووجبت طاعته عليهم

لأن من أقام في جماعته

من بعده طاعته كطاعته

ففوض الأمر إليهم أجمعه

لن يكونوا إن عصوه في سعة

وقال قوم لهم إدارة

أشار فيهم نحوه إشارة

يعنون نحو ابن أبي قحافة

ليوجبوا بذلك استخلافه

قالوا فكان صاحبا في الغار

إذ فر من جماعة الكفار

وكان في بدر يقال يومه

مع النبي جالسا في الخيمة

والناس في معترك القتال

وهو مع النبي في الظلال

وكان إن أتاه قالوا أجلسه

على يمينه فعلّى مجلسه

وعندما أيقن بالوفاة

أقامه في الناس للصلاة

وقد تلوتم في الذي تتلونه

أن زكاتكم بها مقرونة

فكل من قدم للصلاة

وجب أن يقام للزكاة

مع أنه أول من قد أسلم

فيما رويناه وفيما نعلم

وذكروا مذاهبا في بعضها

طول سأحكيها لهم مع نقضها

وقال قوم لم يكن أشار

ولم يكن أمر أن يختارا

لكن أصحاب النبي قدموا

من بعده وهم بذاك أعلم

لأن في فعلهم التوفيقا

فنصبوا لذلك الصديقا

واجتمعوا عليه فيما قد سمع

وقد دعا النبي أن لا تجتمع

أمته قالوا على ضلال

وقد أجابه الإله العالي

وقال أصحابي إذا اقتديتم

بهم نجوم أيها اقتديتم

به اهتديتم فاقتدينا بهم

ووجب التسليم منا لهم

وقال قوم لم نكن ندري بما

كان النبي عند ذاك حكما

وكل من قدمت الجماعة

كانت له قالوا علينا الطاعة

وقال من بين ما قد قصَّه

أخبرهم بإسمه ونصه

وعقد العقدة من ولايته

وأمر الناس معا بطاعته

ولم يكن يعدو الذي قد صنعت

من قبله الرسل على ما اجتمعت

وسنّة الله على المستقبل

كما مضى في ذاك لم تبدل

فوجبت طاعته من بعده

على جميع الناس يوم عقده

يقال للذين قالوا قد جعل

لنا النبي رأفة كي لا نضل

بأن نقيم واليا علينا

من بعده ولو أقام فينا

من قد عصيناه إذا أشركنا

ولو أضعنا أمره هلكنا

أليس إذ أمركم بنصبه

ثم امتثلم أمره بحسبه

كان هو الآمر بالتقديم

والأمر منكم كان في المعلوم

كالأمر منه في الذي نصبتم

لأنكم بأمره قدمتم

وأنتم فيما صنعتم واسطة

وهذه من قولكم مغالطة

وليس يخلو قولكم في العين

ونظر الصواب من أمرين

من أن تكون طاعة المقدم

فيكم على الخيار والتحكم

فريضة أم لا فإن زعمتم

بأنها فريضة كفرتم

إذا عصيتم من ترون طاعته

فرضا وقد عقدتم إمارته

وإن تروا عصيانة موسعا

فقد نقضتم ما جعلتم أجمعا

له وهل كان النبي إذ أمر

بأن يقيموا رجلا كما ذكر

رخّص في عصيانه أو قد جعل

طاعته فرضا فقولوا ما فعل

فإن تقولوا إنه كان افترض

طاعته فقولكم قد انتقض

وإن زعمتم أنه أباحكم

عصيانه تركتم صلاحكم

إذا أطعتم أمره ولم تجب

له عليكم طاعة فيما ندب

إليه في حكم من الأحكام

ولم يكن في حالة الإمام

ولم تكن أحكامه في الأرض

تمضي على مثل الذي قد يمضي

والله قد أكد في إيجابه

طاعة أهل الأمر في كتابه

فكيف جاز عندكم في شأنهم

ما قد أبحتموه من عصيانهم

والله في الكتاب قد قرنها

بطاعة الرسول إذ بيّنها

فقولكم إذا اعتبرتم وصفه

يغني عن الرد وردي كلفة

وكيف جاز للذي قدمتم

أن ينصب الثاني كما ذكرتم

ولم يسر بسيرة النبي

من بعده في رد ذاك الشيء

إليكم وكيف جاز لعمر

أن يجعل الراي معا إلى نفر

ويجعل الأمر على ما دبروا

في رجل منهم إذا تخيروا

دون جميع الناس هل قد والفا

فعل النبي فيكم أو خالفا

فإن يكن فعل النبي فرضا

كان الذي قد فعلاه نقضا

ويدخل الرد على المعتزلة

عليهم في نقض باقي المسألة

ثم نقول للذي الإشارة

من النبي عنده إمارة

قد قلت فيما قلت إن الغارا

من الإشارات التي أشارا

بها النبي في الذي قد عرفا

نحو أبي بكر لكي يستخلفا

فأيّما عندك أولى في النظر

من الإشارات إذا نصّ الخبر

من كان قد أقامه في موضعه

مضطجعا من بعده في مضجعه

موطّنا في ذاك لما فعلا

بنفسه من دونه أن يقتلا

أم من بكى حزنا على ما قد فعل

في الغار لما إن رآه قد وجل

حتى نهى قل لي فهل تراه

قد كان في الحال التي نهاه

عنها الرسول في محل العاصي

أو في محلات ذوي الإخلاص

فإن تكن رأيته مطيعا

وأنه قد أحسن الصنيعا

فكيف ألزمت النبي الآتي

بالحق أن ينهى عن الطاعات

وإن عصى نبيه فالغار

شين له وسبة وعار

فإن زعمت أنه سماه

صاحبه الله إذا ارتضاه

فاقرا إذا ما لم تحط في الوصف

بحالة الصاحب ما في الكهف

من قول عبد مؤمن في صحبته

لكافر كان طغى في جنّته

فقد سمعت الله قد سماه

صاحبه ولم يكن والاه

وأنزل الله على أمينه

لزما ابتلي بالحزن من قرينه

في الغار فيما ذكر السكينة

فخصّه بالفضل فيها دونه

ولم يعمه كما قد عما

بها الذين في حنين سما

وأيد الله النبيّ إذ جرى

ذاك عليه بجنود لا ترى

فهل له في الغار من وسيلة

تجعلها النصبه دليله

وذكركم قعوده ببدر

مع النبي والسيوف تفري

ثم رأيتم هذه فضيلة

لنقص آرائكم العليلة

كأنكم لم تقرأوا القرآنا

والله في تنزيله أنبأنا

بأنه لا يستوي من قعدا

غير أولي الضرر فيما عددا

وكل من قد جاهد انتصابا

بماله ونفسه احتسابا

وكان فيما قلتم لدينه

يجلسه النبي عن يمينه

فلو تكن إشارة لم يجلس

غير أبي بكر بذاك المجلس

وكان إن جاء وعنده أحد

في ذلك المجلس قام وقعد

بل كان مجلس النب إن قصد

حيث انتهى المجلس بالمرء قعد

ولم يقم منه ولكن يفح

فيه إذا قيل لهم تفسحوا

فإن تكن غشارة كانت له

كان الذي جلس فيه مثله

فقد رئي فيه من القعود

من سائر الحضور والوفود

ما لو أردت عدهم لم يحصوا

فكيف جاز عندكم أن يقصوا

عن فضل هذا ورأى من رأيه

إن أجلس البعض على ردائه

تالفا فكان بالإشارة

هذا أحق منه بالإمارة

ثم ادعيتم والكذوب أظلم

بأنه أول من قد اسلم

فعندما رويتم الرواية

في السبق للوصيّ في الحكاية

بأنه أسلم قبل يكبر

وذاك في الاثار عنه أشهر

زعمتم بأنه قد اسلما

طفلا وذاك قبل أن يحتملا

وليس يخلو ذاك في تحصيلكم

لو صح قول الحق في معقولكم

من أنه علمه الإسلاما

أو كان قد ألهمه إلهاما

وأي هذا كان كان فيه

فضل يكل القول أن يحصيه

إن كان قد ألهمه إلهاما

فالله قد أكرمه إكراما

وإن يكن نبيه دعاه

لم يدعه إلا وقد رآه

لذاك أهلا وهو بعد ذين

في ذاك أيضا بين حالتين

من بين أن يكون قد كان احتلم

أو كان قد دعاه من قبل ولم

يدع صبيا قبله ففضله

أجل في ذلك وهو أهله

إذ كان قد خص على الأحوال

بذاك دون سائر الأطفال

وقد رووا عن النبي واتفق

أكثرهم بأنه كان سبق

جميعهم طرا إلى الإسلام

فكيف قال ذاك في الأقوام

قائلهم بفضله إذا قاما

ولم يكن إسلامه إسلاما

وقد أساء عندكم بل قد كفر

إذ كان قد أقام فيكم عمر

على الذين أسلموا من قبله

فكيف قد سلمتم لفعله

ثم ادعيتم بالمباهتات

بأنه قدم للصلاة

وأنها إشارة قوية

عند جميعكم على الكلية

ثم نقضتم بعد إذ جهلتم

للغي والضلال ما أصلتم

بقولكم تجزي صلاة المر

مع كل فاجر وكل بر

فأنتم بذاك لا محالة

لم توجبوا له بها عدالة

وإن يكن ذاك من الدلائل

فإن عرموا غزوة السلاسل

صلى به وكان تحت رايته

يطيعه ذ كان في ولايته

فهو أحق منه في وجه النظر

عندكم إذ صحّ ذاك في الأثر

وكان لما قام بالإمامة

عندكم يؤمه أسامة

وهو عليه حاكم أمير

لواؤه من فوقه منشور

فكيف حتى صار في مقامه

عندكم أحق من إمامه

وأنتم جعلتم الإمامة

لنصبه بزعمكم علامة

وإنما أقول هذا في الخبر

عنكم وذاك باطل قد انكسر

من جهة الحجة وهو يفسد

من قبل النقل على ما عددوا

وذاك أن الأمر في صلاته

لم يأت غذ أتى على جهاته

عن النبي أنه عن جهته

إلا بما رويتم عن ابنته

وهي من التهمة فيما نقلت

بحيث لا يثبت لما كملت

عداوة الوصي قالوا فيها

مع جرها الأمر إلى أبيها

وقد رويتم عن أبيها في فدك

بأنه رد عليا وترك

قبوله لأنه لزوجته

يجر فيما قال في شهادته

فكيف جاز ذاك في قضيّته

ولم يجز ذلك في بنيّته

وهي مع الجر إليه أيضا

قد أجمعت عداوة وبغضا

وأنتم في القول قد أبطلتم

شهادة العدو فيما قلتم

وقد أعانها على مقالها

ذلك قوم حالهم كحالها

واختلفوا في ذاك من أقوالهم

لما أراد الله من إبطالهم

فكان فيما زعمت حميرا

لا جوزيت عن الوصي خيرا

إن النبي عند رأي العين

كان ثقيلا ليلة الإثنين

حتى إذا نادى به بلال

للفجر قال لهم يقال

له أبو بكر بهم يصلي

حتى إذا أمكن أن يولي

أحس بالخفة قالوا فاعتمد

على يدي إثنين منهم فوجد

صاحبه قام بهم فكبّرا

فعندما أحسّه تأخرا

وجلس النبي في محرابه

أمام من شهد من أصحابه

ثم أقامه على البصيرة

بقربه يسمعهم تكبيره

ومات ذاك اليوم عن مقام

عليه منا أفضل السلام

وقد حكي عن أنس بن مالك

خلاف هذا القول في المسالك

أن أبا بكر بذاك اليوم

صلى بهم ولم يكن في القوم

نبيهم وقال في ذاك الخبر

فيما روى هذا الحديث ابن عمر

بأنه صلى بهم أياما

فاختلف القول وما استقاما

وأنتم ترون فيما قد عرف

من قولكم وصح ترك ما اختلف

وكلكم مجتمع ومعتقد

أن عليا لم يكن فيمنشهد

صلاته فمن أحق عندكم

بالفضل والتقديم من قد أمكم

أم الذي صلى به الرسول

من دونه في بيته فقولوا

ولم يكن ذلك بل توالى

أن حميرا أمرت بلالا

عن غير أمره فلما سمعه

قام مع الوصي حتى نزعه

وهو من الغمة قالوا أسفا

يقول يا صويحبات يوسفا

وقام في مكانه فصلى

بهم على الجملة ثم ولى

ولم يسر عن قومه مسيرا

حتى أقام فيهم أميرا

يقيم فيهم واجب الصلاة

لوقتها المعلوم حين يأتي

فهؤلاء في سبيل ما عرف

أحق ممن شك فيه واختلف

وقد أقام عمر صهيبا

فلم يروا ذلك عليه عيبا

ولا استحق عندكم تقديما

إذ صصلاة كان قد أقيما

ثم زعمتم أنه الصديق

دون جميع الناس والمحقوق

بذاك لو قد جاز ذاك واتفق

من كان في الإسلام فيكم قد سبق

والله قد أوجب في التنزيل

لكل من آمن بالرسول

ذلك مع تسمية الشهادة

من غير ما قيل لهم زيادة

فكيف جاز عندكم أن يدّعي

ذلك دون المؤمنين مدعي

ثم زعمتم لاعتقاد الغي

بأنه خليفة النبيِّ

وقولكم في ذلك قد عرفا

بأنه لم يك كان استخلفا

فهذه حماقة لا تستتر

باطلها فيما ادعيتم مشتهر

وقللتم عن النبي في الأثر

بأنه قال عتيق وعمر

لا شك سيدا كهول الجنة

وذاك غير ثابت لأنه

خلاف ما قال الذي قد أرسله

لنه رفع فيما أنزله

درج من آمن ثم جاهدا

على الذي قد كان عنه قاعدا

وأنزلوا في الدرجات العالية

بقدر ما قد أسلفوا في الخالية

ولم يكن لمن ذكرتم في الخبر

حين رويتم في الجهاد من أثر

هل قتلا في الله ممن كفرا

من أحد أو جرحا أو اسرا

أو وقفا في موقف شديد

أو بذلا للحرب من مجهود

بل قال خير أهلها ومن سكن

فيها من الناس الحسين والحسن

وقال خير منهما أبوهما

فاستوجب الفضل به عليهما

فإن يكن ما قلتموه حقا

فإنما كان قد استحقا

منزلة السبطين ثم جعلا

فوقهما الوصي لما فضلا

وقلتم قال النبي فيهما

ليقتدي الغابر بعدي بهما

فلو يكن قال كما قد قلتم

لم يجب الفضل الذي أوجبتم

وقد رويتم أنه من اقتدى

بواحد من الصحابة اهتدى

فالفضل في هذا على ما علما

أعظم مما قلتموه فيهما

لن هذا معه الهداية

لو صح فيه القول والرواية

وسوف أحكي بعد ذا فساده

لأنكم أوجبتم اعتقاده

مع أن ما قلتمون مجمل

يحتمل التأويل وهو يحمل

عليه أن يغني الذي تغلبا

أن يركب الأمر الذي قد ركبا

فيحسن السيرة في الرعية

لأنه علم بالكلية

ما قد يكون بعده في أمته

فقاله إن قال في وصيته

وقد رويتم عن عليّ خبرا

يشبه هذا أنه قد ذكرا

طريقة الثاني فقال إن قصد

لقصدنا بما علمتم فلقد

أحسن فيكم حين قام السيرة

وكنت قد أوصيت عن بصيرة

بالصفح إن قصدت يوما ظلما

وبجهاد من به قد عما

ثم رويتم والظنون جمة

أن عليا قال خير الأمة

بعد نبيها والظنون جمة

أن عليا قال خير الأمة

وليس في ذلك لو قد قيلا

من قوله ما يوجب التفضيلا

عليه إذ لو قال فينا قائل

ما فيكم يا قوم من يعادل

في الفضل هذا لم يكن بما وصف

أفضل منه عند كل من عرف

ذاك وفيما قد رووا وكتبوا

إن رسول الله قال جندب

أصدق من تقله الغبراء

قولا ومن تظله الخضراء

فهل ترونه على هذا الخبر

أصدق منه بالذي كان ذكر

وقد يقول قائل إن ثلبا

الكلب خير من فلان حسبا

ولم يرد بذاك فضل الكلب

لكنه أراد فيما ينبي

ذم الذي كان أراد ذمة

فقد يكون حين ذم الأمة

في تركها ما أوجب الله له

قال الذي قد قلتم إن قاله

وقلتم قال النبي المرضي

هما وزيراي من أهل الأرض

فليس في ذلك لو كان ثبت

على الذي ذكرتم ما يلتفت

إليه أو يوجب في الإمارة

حقا لأن حالة الوزارة

أكثر ما توجب في المناظرة

الرأي والتدبير والمشاورة

وكان قد أمر أن يشاورا

من كان منهم لديه حاضرا

وقد روى عنه لنا من علمه

بأنه كان يشاور الأمة

وإنما احتجا على الأنصار

فيما روى الناس من الأخبار

في قولهم وقولهم نكير

يكون منا معكم أمير

بقولهم لهم فأنتم وزرا

ومن قريش قد تكون الأمرا

فكان هذا الاسم لما اعتقدا

وصار للأنصار عنها مبعدا

وهو بلا شك إذا كان اعتقد

لمن ذكرنا مبعد فيمن بعد

هذا الذي قصدت من إخباركم

وهو عيون القول في اختياركم

وكل ما قد قلتمون فيهما

فهكذا يفسد إن تفهّما

ثم نقول للذي كان زعم

أن رسول الله قد مضى ولم

يقم لمن خلفه إماما

يقيم فيهم بعده الأحكاما

وأنهم تشاوروا إذ فقدا

فلم يروا تركهم كذا سدى

فنصبوه بعده ضرورة

حجتكم في ذلكم مكسورة

لأنه لا بد من أمرين

والحق في وجه من الوجهين

وليس بعد الحق في المقال

غلا اتباع الغي والضلال

في أن يكون الحق فيما فعلا

أو في الذي قد فعلوا فقل ولا

ترجع عن الحق فإن الصدقا

قولك فيه إن قصدت الحقا

بأنهم في فعلهم ضلال

وغير ذا إن قلته محال

وقولكم إن النبي قد دعا

وسأل الله بأن لا يجمعا

من بعده على الضلال أمته

فسمع الله لذاك دعوته

فقد قصدتم وهي لما تجتمع

على الضلال في الذي كان صنع

وقد ذكرت قبل هذا في الخبر

إنكار من شهدهم ممن حضر

فضلا عن الذين لما يحضروا

من سائر الأمة لما أمروا

وقولكم عن الرسول أنه

شبّههم لكم على ما سنة

بالأنجم الزهر وقال المقتدي

في الأمر بالواحد منهم مهتدي

ثم هم بعد على ما وصفوا

تفرقوا من بعده واختلفوا

فما ترون في امرئ يوم الجمل

أو يوم صفين أتى وقد نزل

بينهم البلاء عند المشهد

بمن يكون كان منهم يقتدي

وهل له إذا اقتدى بطائفة

أن يقتل الطائفة المخالفة

ثم إذا بدا له في الإقتدا

عاد إلى التي بها كان بدا

هذا له على الحديث جائز

إذا هم في حربهم تحاجزوا

فقد أبحتم للعباد قتلهم

لما أردتم أن تبينوا فضلهم

واتضح الحديث للدليل

بأنه ليس عن الرسول

لأنه لم يك كان يأمر

بما يرى في غبه التغايُر

فإن زعمتم أنه صح الخبر

فغيرهم أراد فيما قد ذكر

ثم نقول للذي لا يدري

بزعمه في ذاك وجه الأمر

وأنه سلم للجماعة

فكل من قد قدمت أطاعه

قولك فيما قلت يستحيل

إذ لم يكن يأتي له دليل

لأنهم لم يجمعوا لما قضى

وقد ذكرت أمرهم فيما مضى

فإن زعمت أنت أن الكثرة

قد عقدوا بعد النبي الإمرة

فالله قد بين في التنزيل

من وحيه فضائل القليل

وأنه ذم الكثير فيه

فانظر إذا جهلت ذا إليه

والناس قد تطابقوا واجتمعوا

على اختلافهم كما قد تسمع

بأنه ليس لقوم كثرة

في عدد الرمل تعدوا جهرة

عن واجب الحق على المحق

بجمعهم من حجة في الحق

فإن ترى خلافهم في الأمر

فقد زعمت أن أهل الكفر

لكثرة العدد في المحلة

أثبت منك حجة في القلة

وأن لا تقول ذاك فافهم

إن كنت ممن يقتدي لتعلم

أن ليس في جماعة من حجة

إن عدلوا عن واضح المحجة

وإنما الحجة بالبرهان

والحق في الدليل والبيان

لما توفى الله جل عبده

إليه واختار له ما عنده

محمدا صلى عليه ربه

تنازع الإمرة قالوا صحبه

وهو مسجّى بينهم طريح

لم يكتنفه عنهم الضريح

وأهل بيته ومن توالى

إليهم لفقده ثكالى

قد شغلتهم مفجعات فقده

عن الذي قد أبرموا من بعده

وكان قد أقام فيمن خلفا

وصيه عليهم مستخلفا

وأخذ العهد على الجماعة

منهم على السمع له والطاعة

في غير مشهد على ما سمي

وقد روى ما كان يوم خم

جماعة الناس وسوف آتي

بما حكوه بعد في صفاتي

وكان لما أن رأى حمامه

قاربه دعا لهم أسامة

ثم دعا الذين كان يحذر

منهم أبو بكر ومنهم عمر

فقال قد جعلت هذا واليا

عليكم فاستمعوا مقاليا

وقد بعثته فلا تخلفوا

عن بعثه وقال فيما وصفوا

فلعن الله جميع من لبث

عن بعثه ممن إليه قد بعث

فعندما سار بهم وبرزوا

جاءتهم وفاته فانحجزوا

عن بعثهم قيل وعن أميرهم

وانصرفوا إلى خلال دورهم

واهتبلوا الفرصة لما أبصروا

شغل الوصيّ بالنبيّ يكثر

وحزنه عليه واهتمامه

بما دهاه منه واغتمامه

فقصدوا جماعة الأنصار

وهم مع الكثرة أهل الدار

فاجتمع الجميع في سقيفة

عند بني ساعدة معروفة

فجاءهم عتيق لاحتياله

باللين واللطف من مقاله

فقال أنتم ثم قص فضلهم

وذكر الناس جميعا فعلهم

حتى إذا أرضاهم بلفظه

عاد إلى مراده من حظه

فقال وجه الأمر أن ستخلوا

عليكم خليفة فوصفوا

سعدا فقال لا تكون الإمرة

إلا لذي القربى وأهل الهجرة

قالوا فمنكم رجل ومنا

شريكه فقال ما سمعنا

بشركة تكون في الإمارة

لكننا نعطيكم الوزارة

وهي لكم من أحسن الأمرين

وقد رضيت أحد الإثنين

يعني أبا عبيدة أو عمرا

وبهما كان على القول اجترا

وإنما حمله فيما ذكر

بعضهم على قيامه عمر

وكان ذاك بينهم أمرا عقد

فقصدا إليه ممن قد شهد

فبايعاه جهرة وقالا

بل أنت خير من نراه حالا

وقام منهم أهل قتلى بدر

وغيرها وأهل حقد الأسر

فبايعوا وهم رؤوس قومهم

فبايع الناس له من يومهم

إلا قليلا منهم قد علموا

ما كان من نبيهم فاتصموا

وقصدوا إمامهم عليا

فقال لستم فاعلين شيئا

قالوا بلى نفعل قال انطلقوا

من فوركم هذا إذا فحلقوا

رؤوسكم كلكم لتعرفوا

من بينهم بذلكم وانصرفوا

إليّ كيما أنصب القتالا

حتى يكون ربنا تعالى

يحكم فيما بيننا بحكمه

ففشلوا لما رأوا من عزمه

ولم يكن يأتيه إلا سبعة

واستحسن الباقون أخذ البيعة

وكنت قد سميتم فقالا

لست أرى عليكم قتالا

لأنكم في قلة قليلة

ليس لكم بجمعهم من حيلة

فجلسوا إليه حتى ينظروا

ماذا يرى في أمرهم ويأمر

فجاءهم عمر في جماعة

إذ لم يروا لمن أقام طاعة

حتى أتوا باب البتول فاطمة

وهي لهم قالية مصارمة

فوقفت عن دونه تعذلهم

فكسر الباب لهم أولهم

فاقتحموا حجابها فعوّلت

فضربوا بينهم فأسقطت

فسمع القول بذاك فابتدر

إليهم الزبير قالوا فعثر

فبدر السيف إليهم فكسر

وأطبقوا على الزبير فاسر

فخرج الوصي في باقهم

إذ لم يروا دفاعهم ينجيهم

فاكتنفوهم ومضوا في ضيق

حتى أتوا بهم إلى عتيق

أكرم بآساد وليث غاب

سارت بهم نوابح الكلاب

إلى ابن آوى بل إلى خنزير

أعزز عليّ ذاك م مسير

يا حسرة من ذاك في فؤادي

كالنار يذكي حرها اعتقادي

وقتلهم فاطمة الزهراء

أضرم حر النار في أحشائي

لأن في المشهور عند الناس

بأنها ماتت من النفاس

وأمرت أن يدفنوها ليلا

وأن يعمى قبرها لكي لا

يحضرها منهم سوى ابن عمها

ورهطه ثم مضت بغمّها

صلى عليها ربها من ماضيه

وهي عن الأمة غير راضية

فبايعوا كرها لها تقيّة

والله قد رخص للبرية

لأنه الرؤوف بالعباد

في الكفر للكره بلا اعتقاد

وقد أتى فيما روي عن شيعته

بأنه عاتبهم في بيعته

وهذه رواية الجماعة

فقال لم لم توجبوا لي الطاعة

قالوا لأنك انفردت بالنظر

بغير رأي من جميع من حضر

فقال قد خلعت إذ أبيتم

نفسي فبايعوا إذا من شئتم

فسلموا إذ قال ذا وبابعوا

ثم دعا الناس له فسارعوا

قالوا سمعنا عنك قولا قلته

قال نعم بيعتكم لي فلته

فلا تعودوا أبدا لمثلها

فأنتم في سعة من حملها

فقد أقلتكم فقالوا ما نرى

رأيك في ذاك ولا الذي ترى

ونحن فيما قلت لا نقيلكا

في أمرنا فكيف نستقيلكا

قالوا فشد ذاك ما كان سبق

واجتمع الأمر لذاك واتفق

وهذه حجة من لعمري

لم يدر عندي أنه لا يدري

فسوف أحكي نقضها فيعلم

فسادها من نقضها من يفهم

وقد روى في ذاك فيما ثبتا

بأنه قال له لما أتى

بايع فقال إن أنا لم أفعل

قال إذا آمرهم أن تقتل

فاشهد الله على استضعافه

وبايع الغاصب في خلافه

خوفا من القتل وبايع النفر

له على الكره لخوف من حضر

فإن يكونوا استضعفوا الأمينا

فقبله ما استضعفت هارونا

أمة موسى إذ أرادوا قتله

فقد أرادت قتل ذاك قبله

وسلكوا سبيلها في الفعل

في الأوصياء مثل حذو النعل

بالنّعل والقذّة إذ تمثلوا

كمثل ما قال النبي المرسل

حتى إذا ما انقطعت أيامه

وجاءه فيما يرى حمامه

صيرها من غير شورى لعمر

فسمع الناس بذلك الخبر

فأقبلوا إليه أجمعونا

يبكون من ذاك ويحزنونا

وجعلوا فيه يناشدونه

بالله والقربى ويسألونه

ألا يوليهم غليظا فظا

على العباد فاستشاط غيظا

فقال بالله تهددوني

يا أيها الغلمة أقعدوني

فأقعدوه ثم قال آها

نعم أقول إن لقيت الله

وليتهم يا رب خير أهلكا

وخير من بلوته في أمركا

فردها إليه للإنصاف

بغير شورى بل على الخلاف

قاتله الله لقد كافاه

بفعله فيه وقد جازاه

وقد أحله الوفا بالوعد

فيما رأى وحفظ عقد العهد

محلة المغرق في الخسران

نعوذ بالله من الخذلان

فقام لما إن مضى بعقده

له مقامه لهم من بعده

بغير رأي منهم ولا رضى

له بعقد ذلك الذي مضى

حتى إذا أيقن أن وقته

قد انقضى جعلها في ستة

فمنهم الوصي وهو الخير

ومنهم طلحة والزبير

وقيل سعد وابن عوف كانا

منهم وكان منهم عثمانا

أمر أن يعتقلوا في بيت

يغلقه عليهم في الوقت

خمسون من جماعة الأنصار

ويجلسون حوله في الدار

مع ابنه ثلاثة من دهرهم

لينظروا في شأنهم وأمرهم

فيمن يلي منهم إذا ما اعتزلوا

فإن أبوا أن يعزموا فليقتلوا

وصير الصلاة تلك المدة

إلى صهيب بن سنان وحده

وقال للقوم إن اختلفتم

فيمن يلي منكم إذا اجتمعتم

فالقول ما يقوله ابن عوف

فاجتمعوا من بعده للخوف

فاختار عثمان ابن عوف للخبر

وأخرج الباقين ممن قد حضر

وكان فيما قد مضى مواخي

له على الشدة والتراخي

تصاحبا على الغنى والكثرة

فصيّر الأمر إليه أثرة

وكان قد عاقدة في وعده

أن يجعل الأمر له من بعده

فلم يسر سيرة صاحبيه

غذ صار قالوا أمرها إليه

بل أظهر الأثرة للعشيرة

وأقطع القطائع الكثيرة

وردّ قالوا ابن أبي العاص الحكم

وكان قد أخرج عن حد الحرم

مدينة النبي إذ نفاه

فردّه عثمان واجتباه

ولم يكن من قبله إذ ولى

رد طريدا للنبي أجلى

وسير ابن عبد قيس عامرا

نحو الشآم فاستقل سائرا

حتى إذا سيره وأنفذه

نفى أبا ذر لوجه الربذة

وأقطع الفدك والعوالي

وخمس إفريقية في حال

مروان واختص أخاه الحارثا

بسوق مهروز فصارا وارثا

محمد صلاة ربي الباعث

عليه منا دون كل وارث

إذ أفردا من بعده بماله

من دون بنته ودون آله

وأظهر الأثرة والحمية

وأطعم الدنيا بني أمية

وإنما تجاوز الناس لمن

سبقه من قبله إذ لم يكن

يفعل هذا من حوى الرياسة

بل أحسنا في ذلك السياسة

إذ علما أنهما لو فعلا

كمثل ما فعله لقتلا

وعظمت أفعاله واشتهرت

في الناس في ذلك لما كثرت

فاجتمعوا إذ انكروا ما قد فعل

ليعزلوه فأبى أن يعتزل

ولجّ في العصيان والتمادي

في الغي والعيث وفي الفساد

فحاصروه مدة فلم يزل

محتصرا في داره حتى قتل

قد أجمعوا واتفقوا فيما خلا

كمثل ما ذكرت عنهم أولا

بأنه لا بدّ من إمامة

في حالة الخوف وفي السلامة

وانها لازمة موجوبة

عليهم فيما رووا مكتوبة

وهي من الدين على ما حدوا

ولي منها للعباد بد

والدين مجموع على التفرع

في الفرض والسنة والتطوع

وهي على إجماعهم قالوا معا

ليست تكون عندهم تطوعا

فنبتدي الحجة فيما أصلوا

من ذاك من قولهم وحملوا

بأن نقول ما ترون في رجل

أحال فرضا عن سبيل ما جعل

نحو امرئ قال الصلاة أربع

في اليوم واللية ماذا يصنع

به إذا أنكر فرض الخامسة

أو زاد في الخمس صلاة سادسة

أو غير الصلاة عن أوقاته

أو حوّل الفروض عن جهاتها

أو زاد في الزكاة أو كان نقص

من فرضها الموجوب بعد أن خلص

أو بدل الجهاد أو أحالا

فروضه أو غير القتالا

أو حال عن فرض من الفرائض

مكذّبا به على التناقض

معتقدا بأن ذاك دينا

فمن مقال القوم أجمعينا

بأنه في حالة الكفار

إن مات عن ذاك على الاصرار

وذلك اعتقادهم في السنة

إذا أحالها امرؤ كأنه

قال صلاة العيد بعد الظهر

أو قبل أن يبدو طلوع الفجر

أو قبل يوم العيد أو من بعده

أو حد في الآذان غير حده

أو حول الميقات عن جهاته

أو أخّر الإحرام عن ميقاته

أو بدل المناسك المستنة

بغيرها مخالفا للسنة

معتقدا بأنه المقال

وكل ما خالفه ضلال

ومات في ذاك بلا انتزاع

مات على الشرك على الاجماع

لأن من قد خالف الرسولا

خالف فيما أجمعوا التنزيلا

فأثبت الذي رأى الإمارة

كانت من النبي بالإشارة

كفر أبي بكر بنصبه عمر

وكفره لما أتى عن الخبر

بأنه صيرها لستة

لما رأى أن الحمام غته

وأثبت الذين قالوا في الخبر

بأنه أمرهم لما أمر

بأن يولوا بعده إذا قضى

على الخيار منهم من يرتضى

كفرهما إذ خالفا وابتدعا

من بعده خلاف ما قد صنعا

وأوجب الذين قالوا لم يشر

بها ولا أوصى بهم فيما ذكر

ذاك عليهما لما تعاقدوا

عليه والمقال فيه واحد

فهم على الإجماع في اتصافهم

قد أوجبوا الكفر على أسلافهم

فلا يلمنا لائم والاهم

من بعد ذا إن نحن كفرناهم

يقال للقوم الذين اختاروا

على علي غيره إذ جاروا

أليس للفضل قصدتم إذ زعم

قائلكم فمن مقالهم نعم

لا تصلح الإمرة للمفضول

قيل لهم فالفضل في المعقول

بما يكون عندكم فقالوا

الفضل قد توجبه خلال

أولها السبق إلى الإيمان

والعلم بالسنة والقرآن

وبالحلال فيه والحرام

والعلم وبالقضاء والأحكام

والذب في الجهاد بالإنفاق

والنفس في السعة والإملاق

والزهد والورع ثم استشهدوا

لكل ما قالوا على ما عددوا

بذكر آيات من الكتاب

تشهد في ذاك على الإيجاب

قلنا لهم فمن حوى ما قلتم

واجتمع الفضل الذي عددتم

فيه يفوق عندكم من قد حوى

بعضا وخلى البعض أم هما سوى

فلم يروا تسوية الأحوال

بل فضلوا الكامل بالكمال

وذاك من أمرهم صواب

إذ كل حالة لها ثواب

لو كان للدين معا فرضان

فقام بالواحد دون الثاني

من العباد قائم ملازم

وقام بالإثنين منهم قائم

كان الذي أتاهما للشاهد

أفضل ممن قد أتى بواحد

لأن من قد جاء بالفرضين

كلاهما يستوجب الأجرين

ومن أتى بواحد يستاثر

بواحد وقد عصى في الآخر

بتركه قلنا لهم في الرفق

فعددوا جميع أهل السبق

قالوا علي قيل وابن حارثة

وابن أبي قحافة في الثالثة

ثم ابن عفان عداه الخير

وطلحة الناكث والزبير

وسعد وابن عوف والمقداد

وعمر من بعد ما قد كادوا

أن يظهروا بجمعهم وجندب

وحسبوا عمار فيمن حسبوا

ومنهم فيما رووا سعيد

وابن الأرت فيهم معدود

وذكروا صهيب مع بلال

في حالة السبق مع الرجال

قلنا فمن كان من الصحاب

أعلمهم بالعلم والكتاب

قالوا علي وابن كعب مهم

ثم ابن مسعود وعدوا فيهم

عثمان وابن ثابت وجابرا

والشعري ذكروه آخرا

قلنا فأهل الفقه من هم قالوا

ذاك علي معه الرجال

كعمر وكابن مسعود روي

وكمعاذ قيل فيما قد حكي

ومنهم سلمان فيما اثروا

وحدثوا عنهم ومنهم جابر

قلنا فمن يعرف بالقضاء

قالوا علي أول الملاء

ثم أبو بكر وبعده عمر

ثم معاذ في القضاء قد ذكر

ثم ابن مسعود على ما خبروا

والشعري في القضاء ذكروا

قلنا فمن يعرف بالجهاد

قالوا علي قاتل الأنداد

وعمه حمزة ثم جعفر

وذكروا عبيدة إذ ذكروا

وذكروا طلحة والزبيرا

ثم سماكا ثم أثنوا خيرا

على البرا وذكروا ابن مسلمة

محمدا بالصبر عند الملحمة

وابن أبي وقاص في الأخبار

وابن عبادة من الأنصار

قلنا فمن يعرف بالإنفاق

في حالة اليسر وفي الإملاق

قيل علي وأبو بكر ذكر

في ذاك فيما ذكروا ثم عمر

ثم ابن عوف ذكروه إذ برع

قلنا فمن يعد في حال الورع

قيل علي وأبو بكر معه

وعمر وابنه قد تبعه

وكابن مسعود وكابن الأسود

مقداد وابن ياسر فيمن بدي

بذكره وجندب ووصفوا

سلمان أيضاف في الذي قد عرفوا

قلنا وأهل الزهد قالوا قد ذكر

رواتنا به عليا وعمر

ولابن مظعون به عثمانا

معالم وذكروا سلمانا

وذكروا المقداد أيضا فيه

وجندبا واجتمعوا عليه

فلم نجدهم في الذي قد وصفوا

أخلوا عليا في الذي قد عرفوا

من حالة منها ولم يستكمل

جميعها سواه فيما قد حصل

مع حالة القراية المعروفة

والصهر والتربية الموصوفة

وأنه في كل ما ذكرنا

أشهر في الحال التي وصفنا

فكيف قد جاز بأن يختاروا

عليه إن كان لهم خيار

ما أوضح الهدى لهم وأنوره

وأبين الحق لمن تدبره

قد مر فيما مر باب مشبع

حكيت فيه قولهم وما ادعوا

على نبيهم من الإشارة

نحو عتيق منه بالإمارة

حكيت دعواهم على كمالها

وجئت بالحجة في إبطالها

ثم أردت ذكر ما قد احتووا

عليه مما عرفوا وما رووا

وما أتاهم عن النبي

من الإشارات إلى علي

من ذاك أنه على ما سمعا

أول من كان إلى الدين دعا

وأول الناس له بسرّه

باح وأفضى بجميع أمره

وكان في القديم قد رياه

سأل في احتضانه أباه

وكان عنده بحالة الولد

لم يك في مقامه له أحد

حتى إذا أرسل فيهم وانتجب

دعا بني أبيه عبد المطلب

من بعد أن هيا لهم طعاما

برجل شاة ودعا الأقواما

فأكلوا حتى انتهوا للوسق

ثم سقاهم لبنا في فرق

فشربوا منه على ما قد حكوا

في علل ونهل حتى ارتووا

وكان فيمن قد أتاه تسعة

كل امرئ يأكل منهم جذعة

ويشرب الفرق فقالوا ساحر

فقال من منكم يكون الناصر

أجعله ما عشت لي وزيرا

وبعد موتي فيكم أميرا

فكذبوا مقاله وقالوا

جميع ما تقوله ضلال

قال علي أنا يا خير الورى

أنصر في الله على ما قد ترى

وكان من أحدثهم حداثة

وأظهر القوم معا رثاثة

فقال أنت سيد الجماعة

والمستحق بعد موتي الطاعة

فانصرفوا يهزون من مقاله

ويعجبون منه في أحواله

وأقبلوا بالمزح في ناديهم

على أبي طالب وهو فيهم

كل يقول لم تؤدّ شيئا

إن لم تطع من بعد ذا عليا

حتى إذا ما هم بالفرار

من كيدهم وسار نحو الغار

وأذن الله له بالهجرة

أقامه مقامه للأثرة

خليفة في أهله وولده

وكل من خلفه في بلده

حتى إذا فرّ به قراره

وأمنت من بعد خوف داره

جاء بهم إليه في تلطف

يخفيهم مخافة ويختفي

حتى إذا ما كان يوم بدر

قدمه في الحرب رأس الأمر

فقتل الله به أشرافهم

وانهزموا وأمكنوا أكتافهم

ولم يزل له على كفايته

صاحب أمر حربه ورايته

ويقتل الأقران والأقاربا

ويهزم الجيوش والكتائبا

مقدما في كل ما يليه

لم يك من مقدم عليه

وكل أصحاب النبي أمرا

عليهم النبي منهم أمرا

خلا علي قيل في البرايا

في حالة البعوث والسرايا

فإنه لم يك كان أمرا

عليه منهم قط قالوا بشرا

وأنه قال على الإجماع

للناس بعد حجة الوداع

وقد دعاهم بغدير خم

فاجتمعوا إليه كي يسمّي

لهم وليّ أمرهم من بعده

فحمد الله بحق حمده

وقال إني أزمع الذهابا

فليبلغ الشاهد من قد غابا

أن عليا حل مني فافهموا

محل هارون على ما يعلم

من صاحب التوراة موسى فاسمعوا

ما قلته وما أقول وعوا

ثم دعاه بينهم إليه

وقال وهو رافع يديه

يا رب وال اليوم من والاه

وعاد يا ذا العرش من عاداه

وقال فيما جاء في الأخبار

عنه له أنت قسيم النار

لها من العباد كل من ترك

أمرك والمطيع منهم فهو لك

وقال أنت بعد وقت موتي

أول مظلوم من أهل بيتي

وأنت بعدي تقتل الأفراقا

الناكثين البيعة المراقا

والقاسطين بعدهم إخوانهم

تقتلهم وسترى مكانهم

والمارقين عنك بالكلية

وفيهم يكون ذو الثديّة

وقال يوما وحميرا قائمة

سوف تقاتلين هذا ظالمة

وتسمعين قبل أن تنقلبي

من حربه عوى كلاب الحوءب

وقال أقضاكم علي والقضا

في غابر الدهر وفيما قد مضى

قطب الإمارة الذي تدور

عليه في مدارها الأمور

وهو جماع الفقه والعلوم

وموضع الحاجة للخصوم

وكان إن سأله أعطاه

حتى إذا لم يسأل ابتداه

وقال فيما جاء في الحكاية

في يوم خيبر سأعطي راية

غدا فتى يحبه الجليل

الله ذو العزّة والرسول

فاحتفل الناس إليه إذ غدا

وكان إذ ذاك علي أرمدا

وأقبلوا في جمعهم عليه

يستشرفون كلهم إليه

كل يودّ أنه يعطاها

لو أن نفسا بلغت مناها

حتى إذا لم يره النبيّ

ناداه بين الناس يا عليّ

فبلّغ الدعاء من لديه

فجاءه مغمّضا عييه

فتفل النبي قالوا ودعى

فزالت العلة عنهما معا

ثم دعا بالراية المؤيدة

فجعلت في يده وقوّدة

فاقتلع الباب من الجلمود

واقتحم الحصن على اليهود

وفتح الله على يديه

وصار أمرهم معا إليه

وكان في ذلك من عجائبه

ما قد يطول القول في مذاهبه

واختصّه لنفسه من دونهم

أخا غداة كان آخى بينهم

وكان قد أخره حتى اشتكى

فقال ي من بينهم أخّرتكا

فأنت في حادث كل أمر

سيفي ودرعي وأخي وصهري

أنت وصي والإمام بعدي

تقضي ديوني وتفي بوعدي

وأنت في الموقف يوم العرض

تسقي بكاسي أمتي من حوضي

وأنت يا عليّ من أرومتي

خلقت من محض تراب طينتي

ولم نزل قدما على الأيام

ننقل في الأصلاب والأرحام

حتى إذا الماء استنمّ وانتصب

نصابه في صلب عبد المطلب

قسمه الخالق بالسويّة

فصار منه النصف بالكلية

في صلب عبد الله وهو مائي

وصار منه النصف بالتسواء

إلى أبي طالب كنت أنت له

وذاك قول الله لا شريك له

في الماء إذ يقول فيما تقرا

خلق منه نسبا وصهرا

وقد روى رواتنا فيما ذكر

بأنه جمعهم لما احتضر

وأخذ العهد له علانية

عليهم فيما رووه ثانية

فأيما أثبت إن حصّلتم

من الإشارات التي قد قلتم

أم هذه وهذه تصريح

دلائل الحق بها تلوح

مع ما أبان الله من فضائله

وجاء في الكتاب من دلائله

إذ ذكر الرسول منبي عنه

فقال يتلوه شهيد منه

وكان قد قال النبي إني

أخبركم أن عليا مني

وذاك إذ وجّه نحو مكة

قالوا عتيقا وأراد تركه

لينبذ العهد معا إليهم

وليقر من براءة عليهم

فجاءه عن ربه جبريل

من بعد أن قد نفّذ الرسول

بأنه ليس يؤدي عنكا

غير علي وهو فاعلم منكا

فوجه النبي بالصديق

فأخذ الكتاب من عتيق

وسار حتى بلغ الرسالة

جميع أهل الكفر والضلالة

وأنهم قد فاخروه فافتخر

بالسبق والجهاد فيما قد ذكر

فافتخروا بالبيت والسقاية

فأنزل الرحمان فيه آية

وكان قد أخرج من زكاته

في حالة الركوع من صلاته

فأنزل الله ولي النعمة

في ذاك أنه ولي الأمة

وأنه أتي على ما قد روي

نبينا يوما يطير قد شوي

فسأل الله النبي وابتهل

إليه أن يجلب إليه عن عجل

أحب خلقه إليه في دعة

بسرعة ليأكل الطير معه

فقرع الباب علي فابتدر

إليه قالوا أنس فيما ذكر

فقال قد أسرى به في نومه

يرجو مجيء أحد من قومه

ثم دعى النبي أيضا فرجع

فردّه وعاد قالوا فدفع

في وجهه الباب فجاء فدخل

فأخبر النبي بالذي فعل

فأنكر النبي ذاك فاعتذر

إليه قالوا أنس فيما بدر

منه وقال إذ سمت الدعوة

رجوت فيها للهوى والشهوة

بأن أرى قارع باب الدار

لذاك من قومي من الأنصار

ولو ذهبت أن أعدّ ما له

في الفضل أو أحكي لكم أفعاله

لكان في ذاك إذا تصنّفا

أضعاف ما أردت أن أؤلّفا

وإنما قصدت في أخباري

عن كل شيء قصد الإقصار

لأجعل الكتاب في التسهيل

غير مملّ قاريا للطول

لما أتى عن النبي ما ذكر

للناس في يوم الغدير واشتهر

ذاك لهم وصححوا إسناده

تعللوا ليوجبوا فساده

فاعرضوا جهلا على النبي

فيما دعى فيه إلى الوصي

فقال بعض القوم قد يسمي

على لغات العرب ابن العم

مولى فكان مخبرا عن حكمه

بأنه ابن العم لابن عمه

قلنا فهل في ذاك في المقال

عند جميع الناس من إشكال

إن بني العم على المقاربة

كذاك يدعون على المناسبة

حتى ينادي فيهم ويجمعوا

ليسمعوا القول الذي لم يسمعوا

كأنكم للدفع والمكايدة

جعلتم مقاله لا فائدة

فيه لأن كل من كان منع

قد كان ذا علم بما قد سمعه

وقال قوم كان من أسامة

إليه قول وحكوا كلامه

بأنه قد قال يوما قولا

إن عليا ليس لي بمولى

فبلغ القول إلى النبي

فقال ما قد قال في علي

قلنا فإن ما ادعيتم قد فسد

لأنّ من أعتق من قد انفرد

بعتقه فهو لوجه الحق

مولاه من بين جميع الخلق

فإن زعتم أنه كان كنى

في قوله ولم يكن كان عنى

بأنه مولاه في حياته

لكنه بعد انقضا وفاته

يكون مولاه فأنتم كذبة

لأن من خلفه من عصبة

فهم مواليه على الكلية

ليس لواحد على القضية

من بينهم فيما حكي أن ينفرد

في حالة الولا به دون أحد

ولو أراد ذلكم ما خصا

به عليا دونهم إذ نصا

وكان قد يقول فيما قد ذكر

لو كان ما ادعيتم وجه الخبر

من كنت مولاه فأهل بيتي

وعترتي من بعد حين موتي

هم مواليه ولكن قالا

ما لم يدع لقائل مقالا

أليس مولاي الذي قد أمسي

في ملكه أحق بي من نفسي

ذلكم الله وأنني بكم

أحق بالجملة من أنفسكم

وأنني مولاكم فأولى

بكم من الأنفس قالوا اهلا

لذاك أنت فابتدا المقالا

فقال فيه لهم أقوالا

تدُلّ عنه أنه الإمام

من بعده عليهما السلام

إذ خصّ بموجبات فضله

منفردا دون جميع أهله

وأكد الحجة في ولايته

وحذّر العباد من عداوته

وأمر الناس معا بنصرته

من دون أهل بيته وعترته

ثم نهاهم بعد عن خذلانه

تأكدا في أمره وشأنه

بمثل ما توكد الإمامة

لما أقامه لهم مقامه

وقال قوم كان هذا لسبب

وزعموا بأنه كان ارتكب

ذنبا فقال الناس في الإعلان

أخرجه ذاك من الإيمان

فكان ما قال النبي فيه

يبطل ما تأوّلوا عليه

وهذه من أضعف الدعاوي

مع أنها في الضعف بالتساوي

وقوله فيه الذي قد قام به

ليس به من شبهة فيشتبه

لكنهم بما ادعوا من لبس

كمن تعاطى ستر ضوء الشمس

وليس في ظاهر ما رووه

ما يوجب القول الذي ادعوه

لو كان ما قالوه حقا لاكتفى

بأن يقول فيه لما وقفا

إن عليا ثابت الولاية

والدين إذ هذا له كفاية

ولم يكن يوجب بالحقائق

له على جماعة الخلائق

ما كان قد أوجبه عليهم

لنفسه وهو مقيم فيهم

والناس قد كانت لهم ذنوب

ومنهم البعيد والقريب

ولم يكن قام النبي بأحد

مقامه فيه فهل كان فسد

إسلامهم وهم قيام عنده

إذ قال ذاك في علي وحده

وقال قوم هذه الحكاية

كمثل قول الله في الولاية

للمؤمنين أنهم في الفرض

الأولياء بعضهم لبعض

قالوا نعم قلنا فليس يعدو

قول النبي في الذي يحد

من أن يكون مثل ما قد قلتم

سواه بالناس كما ذكرتم

فكان فيما قال في ولايته

كواحد منهم على حكايته

ولم يكن فضله إذ خصه

من دونهم بفضله ونصه

فكان فيما تزعمون قائلا

تكلفا منه مقالا باطلا

والله قد براه في المعروف

من قوله الحق من التكليف

أو إن تكونوا فيه قد أقررتم

بالحق فيما قاله فقلتم

إن ولاية النبي المرضي

خلاف ما لبعضكم من بعض

فقد أبانه بقول منجمل

بمثل ما كان له مما ولي

وليس في الواجب أن يستثنى

بقوله شيء بغير معنى

وكل فضل للنبي وحده

بجملة القول يصير بعدهُ

بمجمل القول إلى عليّ

بظاهر الحكم من النبي

ما أبين الحق وما أقلّه

جعلنا الله جميعا أهلهُ

التكمل الراحة بالأئمّة

ويعبد الله وتنجو الأمة

رووا عن الأول فيما قد نسب

رواتهم إليه أنه خطب

فقال في غير مقام البغتة

في مهل يا قوم كانت فلتة

بيعتكم إياي وفي شرّها

ربي وقال إذ أبان أمرها

من بعده الثاني كما قد قالا

وزاد ما يزيدها إبطالا

فقال من عادلها في فعله

فأنتم في سعة من قتله

فأوجب القتل عليهم معا

وهو الذي في عقدها كان سعى

وقد رووا أن أبا بكر ذكر

في خطبة قام بها فيمن حضر

فقال فيما قال قد وليتكم

ولست إذ وليتكم بخيركم

وفيكم والله خير مني

فليبلغ الشاهد منكم عني

وإن شيطانا ليعتريني

بالمس حينا منه بعد حين

فإن غضبت فهو في جواري

مثلث بالأشعار والأبشار

فنكّبوا إذا امتلأت غضبا

عنّيَ لا تلقون مني تعبا

ونصبا وإن رأيتموني

زللت في أمر فقوموني

فهل يكون مثل هذا في النظر

يصلح أن يرعى جمالا أو بقر

فضلا بأن يرعى من الإسلام

مقاطع القضاء والأحكام

وأن يكون موضع الرسول

تبا لنقص الرأي والعقول

وكان من أول شيء قد حكم

به من الجور الذي فيه ظلم

بأن أزال فدكا من فاطمة

بنت رسول الله وهي حاكة

عليه كانت وهو في يديها

غلّته يؤتى بها إليها

وكيلها عليه والنبي

أقطعها ذلك وهو حيّ

إذ أمر الله على ما أنبا

بدفعه حقوق أهل القربى

وقال إن كان كما زعمت

مالك فاحضري لما ادّعيت

بيّنة فأحضرت عليا

فقال لو كنا ادعينا شيئا

وكان ذاك الشيء في يدي أحد

ما كنت تقضي بيننا إذا جحد

فقال تأتي فيه بالشهود

قال اسمعوا يا معشر القعود

يلزمنا بيان ما ادعينا

وما ادعاه المدعي علينا

ولم يسونا على القياس

في حكمه حين قضى بالناس

فانتزع الأملاك من أيدينا

بغير شاهد له علينا

ونحن فيما يدعيه ندفعه

فلم يجب ما قال وهو يسمعه

وقال لا بد من الشهود

مؤكدا في غير ما تأكيد

فأحضرت شهودها وردهم

ولو أصاب شبهة لحدهم

لكنهم قد ثبتوا وفيمن

أتاه فيهم قيل أم أيمن

وقد روي عن النبي أنه

قال بأنها من أهل الجنة

فلم يجد لردها من داء

إلا بأنها من النساء

قالت له فاطمة البتول

فقد زعمت في الذي تقول

بأنه مال أبي فإرثي

منه فجاءها لغير لبث

بابنته ذات الدخول عائشة

فشهدت لديه وهي طائشة

إن النبي قال لست أورث

وما تركت فيكم لا يلبث

حتى يكون بعد موتي صدقة

فردّ أم أيمن الموفقة

لأنها امرأة ثم قبل

ابنته تبا له فيما عمل

وقد أتت عثمان بعد تسأله

فعلا بها كان أبوها يفعله

من صلة كان لها يجريها

ثم أبي عثمان أن يعطيها

قالت إذا لم تعطني بشيء

قمت بميراثي من النبي

قال لهخا ألست كنت الشاهدة

على سبيل الظلم والمكايدة

بأنه قد قال ما خلفت

صدقة بعدي وقد علمت

أنك فيما كنت قد شهدت

والله في ذلك قد كذبت

وردها من بعد هذا خائبة

فلم تزل عليه قالوا عاتبة

وسوف أحكي شأنها وشأنه

من بعد هذا فترى بيانه

وذكروا أن أبا بكر أمر

خالد فيما قد رووه واشتهر

بأن يصلي الفرض إن تقدما

خلف علي فإذا ما سلما

ضربه بالسيف من ورائه

ثم بدا بعد له من رأيه

من بعد ما قام بهم وأحرما

فقال قالوا قبل أن يسلما

يسمعهم لا يفعلن خالد

ما كنت قد أمرته وشاهدوا

بأنه أضاف ضيفا يوما

فافتقدوا قلادة لأسما

فوجدوا الضيف عليها قد جمع

وكان مقطوع اليمين فقطع

يسراه والقول الذي قد اتفق

عليه قول الناس أن من سرق

من بعد ما قطعت يفمناه

فإنهم لن يقطعوا يسراه

بعد ذاك قيل من يديه

لكنها تقطع من رجليه

والضيف لا يقطع قالوا فظلم

في الحكم في الوجهين فيه إذ حكم

وقال في جمع من الملاء

اقول في الجد لكم برأي

فإجدث الرأي لمن تسبّبا

بقوله وصير الجد أبا

وفعله يقصر عنه وصفي

وفي الذي حكيته ما يكفي

ثم اقتفى من بعده منهاجه

صاحبه فأكثر اعوجاجه

وكان من أحداثه الجليلة

ما قد أعدوه له فضيلة

أن سن جمع الناس في الصلاة

في ليل شهر الصوم حين يأتي

وكان قد صلى النبي وحده

فيه فهموا أن يصلوا بعده

فدخل الحجرة فيما سمعوا

لما رآهم للصلاة اجتمعوا

وراءه وكان من رأي عمر

إحداث ما كرهه لما عبر

فصار في بدعته كأنه

عندهم على سبيل السنة

فإن أتى شهر الصيام اجتمعوا

وصلوا الليل على ما ابتدعوا

حتى إذا ما قطعوا الصياما

تفرقوا وتركوا القياما

وبدلوا تهجد الليل وسن

كأن سنة القيام لم تكن

وسنة الصلاة كانت تجري

عن النبي ليل كل شهر

بغير ما نقص ولا ازدياد

ولا اجتماع بل على انفراد

كمثل ما يكون كل نافلة

في الليل والنهار بالمشاكلة

فلم يروا جهالة وقسوة

صلى عليه الله فيه أسوة

وكان من إحداثه فيما فعل

إسقاطه حي على خير العمل

من الأذان وهي فيه قبله

واعتل في إسقاطها بعلة

قال إذا ما قيل للجهال

إن الصلاة أفضل الأعمال

تخلفوا عن الجهاد طرا

وهجروا غزو العدو هجرا

فقبلوا ذلك من مقاله

ونقصوا الأذن عن كماله

كأنه عند الذي قد اقتدى

بجهله وغيذه قد اهتدى

لفعل ما لم يهتد النبي

وآفة الدين الهوى والغيّ

وإنما يذكر في الكتاب

كما حكى الله ذوي الألباب

وليس للجهال من نهاية

ولا لهم في الشبهات غاية

والدين كله عليهم يشتكل

فلو تتبّعت هواهم لبطل

إذا طرحت عنهم ما يشتبه

منه وكله إذا تطرح به

وإنما الواجب أن يعلموا

ما جهلوا منه وأن يفهموا

ليس على أن تسقط الفرائض

وسنة الله لهم إن عارضوا

ولم يكونوا عارضوا بما ذكر

ففتح القول لهم بما اشتهر

عنه وصار ذاك في الإعلان

أشهر في الناس من الأذان

فكان لللجهل هو المعارض

لسنة النبي وهو الناقض

فحسبه من خزية وعار

خلّده الله بها في النار

وعدد الجهال من إحسانه

أن نقل المقام من مكانه

فصار من ذاك الطريق رحبا

ولم يروا ذاك عليه ذنبا

ولا رأوا عليه لما نقله

عن موضع كان النبي جعله

في حده وهو مصلى الناس

جعله الله لهم من بأس

وزاد في مد النبي المجري

لنا به فرض زكاة الفطر

وقدر ما تجري على الجهات

فيه لنا فرائض الزكاة

فنقص الفرض وزاد فيه

وأدخل الأمة في التشبيه

إذ زاد في المد وزاد أيضا

في مسجد النبي قالوا أرضا

وقال لو أدركت فيكم سالما

وليته الأمر فكان الحاكما

ولم يجد في الناس للخلافة

أهلا سوى مولى أبي حذيفة

وهو يقول عن نبي الأمة

فيما روي لا تصلح الأئمة

لا من الأبرار من قريش

فحاد عن مقاله للطيش

وفضل العرب في الأموال

إذ فرض العطا على الموالي

والمؤمنون أسوة قد سوى

دماؤهم على الذي قد يروى

قيل رسول الله لم يفضل

بعضا على بعض وكان يعدل

وقال لو وليتكم عليا

لم أبق في النصح لنفسي شيئا

ولم تكن علي فيه حجة

ولأقامكم على المحجة

قال له قوم من الصحابة

فوله قال به دعابة

فترك المقيم للعباد

على سبيل الحق والرشاد

وصير الأمر لمن لا يعلم

أيهلك الأمر به أم يسلم

ولم يجد عليه من جناح

إلا الذي قال من المزاح

وذلك بالإجماع ليس يجرح

إن كان في حق على ماي صلح

وقد روي أن النبي لم يزل

يمزح والحجة فيما قد فعل

مازح فيما قد رووه خلقا

ولم يكن يقول إلا حقا

وقال يوما لابن عباس وقد

خلا به لا يسمعن منك أحد

قولي ما قد دام روحي في البدن

لولا اثنتان في علي لم يكن

يصلح منا أحد للإمرة

وهو مقيم بيننا بالحضرة

حداثة من سنه ولو نصب

لأطعم الناس لآل المطلب

فقال قد قدم يوم بدر

إلى صناديد رؤوس الكفر

قدمه الرسول وهو يومئذ

أصغر سنا منه قيل حينئذ

وما ظننت أنه سيجعله

فذاك ظن منك قد لا يفعله

فلم يحر لقوله جوابا

والحق من رمى به أصابا

وكان فيما قد رووا من جهله

وقد أعدوه له من فضله

بأنه خطبهم فقالا

لا أوتينّ بامرئ تغالي

في المهر إلا نلته عقوبة

وحد فيه عدة محسوبة

فانتدبت من النساء قائلة

إليه بالحجة وهي طائلة

قالت أتنهى بالذي تنهى به

عما أباح الله في كتابه

لقد منعتنا إذا من حقنا

ما كان قد أوجبه الله لنا

لقد نهى وقدم الأعذارا

من كان أعطى زوجه قنطارا

في ذاك أن يأخذ منها شيئا

وصير المال لها هنيئا

فقال كل الناس منك يا عمر

أعلم بالحق وأعلى في النظر

فقال للقوم أتسمعوني

أجهل ثم لا تقوّموني

حتى ترد امرآة كلامي

وأنتم كلكم أمامي

وقد قضى في امرأة تزوجت

ثم بنى الزوج بها فولدت

لستة مضت من الشهور

من يوم مسها على التقدير

أن يرجموها فأتى الوصي

فقال قد برأها العلي

لأنه قد حد في الرضاع

حولين في الكتاب بالإجماع

وحد في الحمل مع الفصال

عد ثلاثين على الكمال

وكان قد قضى برجم حامل

في محفل أيضا من المحافل

فردّه الوصيّ عن قضائه

وعن فساد منا رأى من رأيه

وقال ما جاز لكم من قتلها

فلم يجز مع ذاك قتل حملها

فقال فيما وصفوه في الخبر

لولا علي لهلكت يا عمر

وجاءه الكتاب من أبي الصعق

يذكر في شعر بأنه سرق

عماله وأكلوا أعمالهم

وقال لو قاسمتهم أموالهم

فقاسم العمال ما كان ظهر

من دون ما كان أسرّ واستتر

فإن يكونوا سرقوا كما كتب

فتركه الشطر لهم ليس يجب

وإن يكن بغاهم المؤدي

فأخذه الشطر لهم تعدي

وقيل إن ابنه وزوجة

والهرمزان معهم في الهيجة

مات مع ابنة له وزوجة

والهرمزان معهم في الهيجة

فقتل الخائن فيه أربعة

ولم يمت وكان في الدار معه

فأخبروا بما صنعه عمر

فما نهى عن فعل ولا أمر

ثم أتوا من بعده عثمانا

فأعلموه أمره فاسأنى

وقال بالأمس قتلتم والده

واليوم تقتلونه مشاهدة

فأهدر الدم وألغى الحدا

ولم يقد منه وقد تعدى

وكانت الحجة لما اعتلا

أعظم من إهماله ما خلا

وجاء أيضا بالدواهي والنكر

وقد ذكرت بعضها فيما غبر

لما ذكرت ما روي في قتله

وصفت في ذلك بعض فعله

وكان أيضا منه فيما خالفا

بأنه قد حرق المصاحفا

وصاحباه قبله قد جمعا

ذاك فأنكر الذي قد صنعا

وقصر الصلاة قالوا بمنى

مبتدعا ورأى ذاك حسنا

وكان قد خطبهم في عيد

فنفروا قبل انقضا التحميد

ملالة لقوله فيما حفظ

وقد يمل وعظ من لا يتعظ

والقول إن كان من اللسان

لم يعد قالا منتهى الآذان

حتى إذا كان من القلب وصل

إلى قلوب السامعين واتصل

فخاف أن تكون تلك سبة

فجعل الصلاة بعد الخطبة

كي يثبتوا بموضع الصلاة

إلى انقضا الخطبة فيما يأتي

فكان في تغييره للسنة

أعظم جرما قيل فيما ظنه

وقد ذكرت في الكتاب أولا

إيجابهم كفر الذي قد حولا

فريضة أو سنة عن حالها

أو نقص الفروض عن كمالها

وقد وصفت عن عيق في الفدك

ما كان منه ثم أنه ترك

غلته تقسم بين الناس

ثم بنى الثاني على الأساس

حتى إذا ما نصبوا عثمانا

أقطعها بأسرها مروانا

وأقطع الثلث سليمان على

ما ذكروا حتى إذا ما احتملا

عبد المليك أمرها أقطع ما

كان به في يديه فأطعما

تصفا سليمان ونصفا آخرا

عبد العزيز ثم لما استاثرا

بها سليمان أضاف ما قدر

عليه منها إذ ولى إلى عمر

وكان في يديه حتى استخلفا

فرده في أهله إذ عرفا

ظلم الذي أزاله وما صنع

وكان قد أظهر نسكا وورع

وهو إذا عد بنو أمية

أحسنهم كان إلى الرعية

وكان في التمثيل والبيان

كالرجل الأعور في العميان

رد على الناس الذي كان انتزع

منهم على الظلم وما كان اقتطع

وكلهم شكروه وما ترك

حتى إذا رد العوالي والفدك

قام عليه قومه فأنكروا

ذاك ولامه له فأكثروا

وأعظموا إنكاره على السلف

وحذروه غب ذاك فانصرف

فكان يغتل لكل عام

ستة آلاف على التمام

منها ويعطي مثلها من ماله

ويرسل المال على كماله

فيفرق الزائد منه والثمن

في ولد الحسين طرا والحسن

لعلمه بأنها مقتطعة

من أمهم مغصوبة منتزعة

وقد أعد ذلك بعض الشيعة

فضلا له ولم يروا تضييعه

واجب حق الله في الإمامة

وهي لعمري أعظم الظلامة

وإنما يشبهه فيما فعل

لص اصاب مال قوم فجعل

يعطيهم الشيء اليسير منه

فانتشر الفضل لذاك عنه

حتى إذا ما مات عادت دولة

بينهم مباحة مأكولة

حتى إذا صارت إلى المفتون

أعني الذي لقب بالمأمون

أراد أن يجعلها لأهلها

ثم بدا بعد له في أكلها

فلم يطب نفسا لهم مما ملك

إلا بردّه العوالي والفدك

من بعد أن جمع من قد سمّي

بالفقه في زمانه والعلم

فاجتمعوا من بعد أن تشاوروا

في أمرها وقايسوا وناظروا

فأجبوها قيل في المحاكمة

من بعد أن تناظروا لفاطمة

وحكموا بأنها مظلومة

وأبطلوا الحكومة القديمة

فصح في الحكم على يديه

ظلم أبي بكر وصاحبيه

وجورهم على اتفاق الأمة

في ذاك والله ولي النعمة

وقد رووا عن النبي قولا

بأن كل من ولي فولى

أحدهم يعلم فيمن ملكه

أفضل منه فيهم فتركه

واستعمل الأدنى فذاك خائن

لله في عباده المبائن

ولم يكونوا استعملوا عليا

ولم يكن كان تولى شيئا

في كل ما تغلب الثلاثة

حتى انقضت سنوهم الملتاثة

وفضله في الناس ما لا ينكر

ولا به عنهم خفا فينشر

فهم بتركهم له قد خانوا

كما رووا وإن يكونوا كانوا

دعوة للأعمال في أيامهم

فلم يجب فذاك لاجترامهم

لأه لو كان يرضى أمرهم

أعانهم فيه على ما سرهم

وكان منهم في اختلاف الحكم

والجور في أيامهم والظلم

ما قد يطول ذكره لوق دذ كر

وذاك في الأخبار عنهم مشتهر

وإنما قصدت للتخفيف

فجئت بالمشهور والمعروف

لما انقضى عثمان واستراحوا

منه تداعى الناس ثم راحوا

إلى علي بعده جميعا

قد جمعوا الشريف والوضيعا

كلهم عليه قد تجمعونا

وأبصروا العيب الذي قد صنعوا

إذ قدموا عليه فيما قد مضى

فمال عنهم وتولى معرضا

لعلمه بأنهم لن يقبلوا

من أمره الحق كما لم يفعلوا

وأنه من ذاك لا يرضيهم

في أخذه منهم وما يعطيهم

إلا الخروج عن طريق عدله

كمثل ما قد عودوا من قبله

حتى إذا ما أطبقوا عليه

واعترفوا بما جنوا إليه

عاتبهم في فعلهم فأعتبوا

وسألوا التوبة فيما ارتكبوا

وبذلوا أنفسهم في طاعته

لكل ما يريد من إمارته

فقبل الأمر على ما أظهروا

وأشهد الله على ما أضمروا

فأظهروا السمع له والطاعة

وبايعوه بيعة الجماعة

فلم يجد لدفعها مراما

إذ أظهروا طاعه فقاما

والحق في محمله ثقيل

وأهله إن ذكروا قليل

فانتصب الأمر على نصابه

ورد نصل السيف في قرابه

واعتدل الدين على منهاجه

وثقّفت جوانب اعوجاجه

إذ قام بالأمر ولي الناس

وإذ بنى الباني على الأساس

لما أراد الله رشد الخلق

وسلموا الحق لأهل الحق

وبايعوا الوصيّ طائعينا

وأقبلوا عليه راغبينا

وقام بالأمر قيام مثله

في عدله ودينه وفضله

رد الذي أعطى من القطائع

ظلما لذي القربى وللصنائع

وعزل العمال بالخيانة

واستعمل الراعين للأمانة

حتى إذا أصلح ما قد أفسدوا

وجمع المال الذي قد بددوا

أمر من يقسم بالسوية

ذلك فيهم قيل بالكلية

فجاءهم طلحة والزبير

وليس في أهل النفاق خير

كلاهما مع ابنه لعلمه

بأنه يأخذ فوق سهمه

وصار فيما دفعوا إليهما

كمثل ما صار إلى إبينهما

فأنكرا ذاك وقالا عدنا

نأخذ ما يأخذ من ولدنا

قالوا بذاك أمر الإمام

قالا فقوموا نحوه فقاموا

ليعلموا ذلك من مقاله

وكان في إصلاح بعض ماله

في ضيعة قد قام في تشميره

يعمل فيها قيل مع أجيره

فسلّما عليه ثم قالا

إعدل بنا نلتمس الظلالا

قال نعم ومال نحو الظل

قالا له جئنا ونحن ندلي

بقربنا وبالعنا والهجرة

نبغي الذي كان لنا من أثرة

فلم نر الأثرة بل سوينا

مع سائر الناس ومع بنينا

وكان من قبلك فيما تعلم

يوثرنا بالقسم حين يقسم

قال أحق من جعلنا قدوة

من جعل الرحمان فينا أسوة

نبينا ولم يكن في قسمته

يوثر بل عدل بين أمته

فمن تعدّى فعله من كانا

جار على أمته وخانا

وما ذكرتماه مما جئتما

به من القربى وما أدليتما

به من الذب عن الإسلام

وسابق الهجرة في الأنام

فهل لذي سابقة بحال

من الذي عددتما كما لي

قالا معاذ الله قال فاعلما

بأنني لست أرى أن أسهما

فوق الذي يسهمه أجيري

هذا من القليل والكثير

قالا له فأذن لنا أن نعتمر

قال اذهبا فأنتما ممن ذكر

أمرهما لي قبل في الزمان

وليس للعمرة تذهبان

ثم تلا في النكث والثواب

على الوفا ما جاء في الكتاب

فخرجا نحو طريق مكة

وفارقاه واستحلا تركه

ونكثا بيعته وكانا

فيمن على عثمان قد أعانا

فأنكرا ذلك لما قاما

وأظهرا في دمه قياما

وكان فيمن سره ما لحقه

أيضا حميرا ومضت منطلقة

للحج لما إن رأته حصرا

شماتة به لما كان جرى

بينهما فيما مضى مما سلف

ذكرى لها ثم أتتها بسرف

خلافة الوصيّ لما عرفت

ذلك للبغض له فانصرفت

وكان قد شاوره الرسول

إذ رميت وقال ما تقول

قال النبي عالم خبير

وفي النساء غيرها كثير

فاعتقدت بغضته لما ذكر

واتضح القول بذاك واشتهر

أعني الذي قال علي فيها

مع ميلها عليه مع أبيها

وخاف أيضاً منه قوم كانوا

مع من مضى من قبله قد خانوا

فهربوا فمنهم ابن منية

وكان ذا مال كثير القنية

وكان عاملا لهم على اليمن

وخان فيمن خان منهم وافتتن

وكان صهرا للزبير زوجته

بنت الزبير فانتهت حميته

إن سار قالوا مع أبيها وانقلب

وكان أيضا صهره أبو لهب

وهو الذي أتى حميرا بالجمل

وكان قد جهز قالوا وحمل

تسعين فارسا على الكمال

في حربها من جندها الضلال

ومنهم ابن عامر للأثرة

ولاه عثمان يقال البصرة

وكان فيمن خص من رجاله

وهو على ما ذكروا ابن خاله

فخاف فيما خافه قبل الطلب

وساءه أمر علّ فهرب

ومنهم فيما روي مروان

وقد ذكرت ما أتى عثمان

إليه من إقطاعه في الحيف

مع رده أيضا أباه المنفي

فاجتمع القوم معا بمكة

واشتركوا في الرأي أيّ شركة

فلم يروا رأيا على ما دبروا

إلا بأن يجتمعوا فأظهروا

بأنهم قد خرجوا ليطلبوا

بدم عثمان معا واحتسبوا

في ذاك ثم استعملوا ضرب الحيل

فنصبوا أمّهم على جمل

وقصدوا بها لأهل البصرة

فيا لها مصيبة وحسرة

لكشف حرمة النبي المصطفى

وهتكم من ستره ما انكشفا

لم يحفوا نبيهم في حرمته

ولا رعوا ذمامه في زوجته

والله قد أمر أن تقرا

في بيتها فأبرزوها جهرا

وأشمتوا بهتكها الأعادي

وما على النساء من جهاد

فإن يكونوا زعموا فيما ادعوا

بأن ذاك واجب فيما سعوا

فيه ففيم حجبوا نساءهم

وخلفوا أزواجهم وراءهم

وأغلقوا الديار والقصورا

وأرخوا الحجال والستوار

من دونهم واستعانوا بالرصد

واستحفظوا الأهل وأوصوا بالولد

وخرجوا بحرمة النبي

للسفر الناي بلا ولي

حتى إذا ما نبحت بالحوءب

تذكرت في ذاك ما قال النبي

فصرخت بالويل والعويل

وبالبكاء الدائم الطويل

وأمرت بردها فامتنعوا

فأظهرت خلافهم فاجتمعوا

وحلفوا بالله كاذبينا

ما هم على الحوءب نازلينا

فقبلت أيمانهم إذ لم تجد

في ذاك من نصيحة عند أحد

ثم مضوا حتى إذا ما نزلوا

بساحة البصرة قالوا قتلوا

خمسين مسلما من الرجال

كانوا بها لحفظ بيت المال

وسائر الأعمال ثم انتهبوا

أموال بيت المال لما غلبوا

ثم استمالوا أهلها فمالوا

وأخذوا عاملها فقالوا

نقتله ثم رأوا تصفيده

وحبسه فأوثقوا حديده

وأمروا عائشة الشقيّة

فعادت السيرة جاهليّة

إذ صار أمر الناس للنساء

وعادت الإمرة للأهواء

قد فرض الله على العباد

قتال أهل البغي في البلاد

في المحكم المنزل من كتابه

وكان من أول من بدا به

وصيّ من جاء به وبشّره

صلّى عليه الله فيما أخبره

مما يكون في الذي قد حدثا

بأنه يقتل من قد نكثا

والقاسطين بعدهم ومن مرق

فعندما أتاه ذلك انطلق

نحوهم فيمن أراد الآخرة

من عصبة الأنصار والمهاجرة

والقوم بالبصرة قد تجمعوا

ونكثوا بيعتهم وامتنعوا

حتى أتى الكوفة فاستنجدهم

وسار والأخبار عنه عندهم

فخرجوا لما رأوا جموعه

قد أقبلت وأخرجوا المخدوعة

للحرب في هودجها على الجمل

وقد أحاط حولها كل بطل

حتى إذا توافقوا واجتمعوا واحتجّ

ناشدهم بربّهم ليرجعوا

واحتج فيما صنعوا عليهم

وقدم العذر معا إليهم

فانصرف الزبير عن قتاله

ولم يتب إليه من فعاله

لكنّه مضى على حميّته

للسبب المقدور من منيته

فمرّ في وادي السباع فقتل

واحتال مروان لطلحة الحيل

حتى أصاب غرّة فقتله

لحقده عليه فيما فعله

في أمر عثمان قديما فهما

بالبغي كانا جلبا حتفهما

وهيّجا الحرب وألقحاها

فصرعها في مبتدا صرعاها

وحافر البئر لمن يهويها

قد ربما زلّ فيهوي فيها

ثم تداعي القوم للطعان

وبرز الأقران للأقران

وجالت الخيول بالأبطال

وكلح الرجال في القتال

واحتمت الحرب لمن صلاها

وطحنت عليهم رحاها

واشتعلت وراية النبي

بين يدي وصيّه علي

يحفها سبطا النبي المؤتمن

في موكبيهما الحسين والحسن

وحوله أخائر الصحابة

ومن حوى الفضل مع القرابة

مع أهل بدر الغرر الأخيار

من المهاجرين والأنصار

أولي النهى والفضل والأحلام

والسابقين أول الإسلام

قد أتعبتهم شدة العبادة

فطلبوا الراحة بالشهادة

فواجهوا الحرب وباشروها

يبغون إحدى الحسنيين فيها

وصبروا للطعن والجلاد

لطلب الراحة في المعاد

وانصرفوا عنهم وولوا الدبر

منهزمين عنهم وهم صبر

فقام في أصحابه ينادي

لا تتبعوا مولي الأعادي

وكل من أثخنتم جراحا

ومن رمى إليكم السلاحا

فنكبوا عنه وما قد أجلبوا

به عليكم فحلال طيب

لكم وما كان من الأثاث

والمال في الدار فللوراث

به إلى البصرة في استتار

حتى أناخه بباب دار

لزوجة النبي قد أخلاها

فنزلت فيها فما رآها

إلا نساء معها يخدمنها

في حجرة في الدار قد اسكنها

وأسروا مروان فيمن قد اسر

وابن الزبير مع جميع من ذكر

من الذين عقدوا الأمر الأول

بعد الذين قتلوا فيمن قتل

فمن بالعفو عليهم وصفح

فيما حكي عنه وصح واتضح

وفتح البصرة بعد ففلها

فحل فيها وعفا عن أهلها

وأخمد الحرب وأطفى نارها

حتى إذا ما وضعت أوزارها

رد التي قد خرجت عليه

من بيتها مستورة إليه

مع نسوة جعلهن حولها

يسترتها ويستمعن قولها

حتى إذا ادخلنها حجابها

وغلقت من دونهن بابها

دعت له وأكثرت من شكره

واعترفت بمنه وستره

حتى إذا ما انقضت الدواهي

ولى على البصرة عبد الله

أعني ابن عباس وجاء الكوفة

فحلها مدته المعروفة

لما أتى قيل علي فنزل

بساحة الكوفة بالناس عزل

عن الشآم ابن ابي سفيانا

فأظهر الخلاف والعصيانا

وجاءه الخائن ايضا عمرو

وفيه غل ودها ومكر

فأقطع اللعين عمروا مصرا

ليحكم الختل له والمكرا

فبدر القيام فيما أظهرا

بدم عثمان وأن يستنفرا

أهل الشام باحتيال مبرم

فضرجا قيل قميصا بدم

ونشراه فوق رمح عالي

وأعلنا النداء في الجهال

هذا دم الخليفة المظلوم

فاجتمعوا لموعد معلوم

فثار في طغامه عليه

ودسّ رسوله إليه

يسأله دخوله في طاعه

وأن يخليه على عمالته

فلم يجبه قيل في سؤاله

واستنهض الناس إلى قتاله

وقال لست جاعلا لي أبدا

أهل الضلال والمعاصي عضدا

وأنهض الجيوش والعساكرا

إليه فاستقبله مبادرا

بمن أطاعه من الشآم

من سائر الجهال والطغام

وسار بالقوم فحل بالنهر

من قبل أن يأتي علي فعبر

وجاء بالناس علي فنزل

من دونهم إذ عبروا فلم يصل

قيل إلى الماء وحال دونه

أهل الشام منه يمنعونه

فقال في ذلك لابن هند

فلج في المنع وفي التعدي

فقام في أصحابه ثم حمل

فهزموا أهل الشام ونزل

مع جملة الناس وراء الوادي

وقال للصائح قم فنادي

أهل الشام من أراد الماء

من جمعكم فليأته إن شاء

وعرسوا إن شئتم بالعدوة

فنحن في الماء وأنتم اسوة

فوردوا إذ سمعوا المنادي

ونزل الجمعان خلف الوادي

كلاهما في خيله والرجل

في عدد مثل الحصى والرمل

ثم التقوا فاقتتلوا قالا

أفنى الحماة واحتوى الأبطالا

واشتد وقع القتل واستحرا

واحتد في الطائفتين طرا

فباد من عساكر الشام

كل كمي بطل محامي

واستشهد الصحابة الأخيار

من العراق منهم عمار

قال له فيما روى الرواة

نبيه تقتلك البغاة

مع عدة من أهل بدر وأحد

لهم بدار الخلد أيضا قد شهد

قد صبروا للموت حتى استشهدوا

من بعد أن أودوا بمن قد قصدوا

وانحنت السيوف في إيمانهم

وحطموا الرماح من طعانهم

فحين تمت لهم الإرادة

طابت لهم هنالك الشهادة

فعندما رأى عليّ ما وصل

إليه أمر الناس عبّا وحمل

وأظهر القوة والعزيمة

فأمكن القوم من الهزيمة

وأمعنوا بين يديه في الهرب

لفئة لهم فجد في الطلب

وراء عمرو فانبرى إليه

حتى إذا أمكن في يديه

وعاين الموت انكفا من سرجه

وكشف الثوب له عن فرجه

فغض عينيه وخلى عنه

وخلص الفاسق ذاك منه

ثم انتهى قيل إلى معاوية

فقال قد حلت علينا الداهية

فارفع بأطراف القنا مصاحفك

وادع إلى الحكم بها من خالفك

فإنهم سوف يكفوا فتصل

إلى الخلاص والتعافي بالحبل

فيرفع القوم من النواحي

مصاحفا لهم على الرماح

وأقبلوا يدعونهم يا قومنا

هذا كتاب الله فيما بيننا

نقضي بما يوجبه ونعترف

لمن له الحق به وننصرف

فانصرفوا لتنظروا في الحال

فانصرف القوم عن القتال

قال علي إنها مكيدة

قالوا له وأكثروا تفنيده

تأمرنا بقتل من دعانا

للحكم ثم نصبوا القرآنا

للفصل فيما بيننا قال لقد

أنساكم الشيطان ما قد انعقد

لكم من الحق فإن شككتم

في باطل القوم فقد هلكتم

بقتلكم إياهم فقاتلوا

ولا تخلوهم ولا تخاذلوا

فأنتم على كتاب الخالق

وسنّة الهادي النبي الصادق

فلم يطيعوا أمره بل عدلوا

عن قوله فانصرفوا ونزلوا

مكانهم وقد مضى الأخيار

فغلب الجهال والأشرار

وأمكن الشيطان ما أراده

منهم فبث فيهم أجناده

فزين الخلاف والعصيانا

لهم معا فاتبعوا الشيطانا

إلا قليلا فاستراح حزبه

وزال عنه همه وكربه

ثم تداعى القوم للتحكيم

فاجتمعوا لموعد معلوم

واتفقوا على الذي قد أبرما

أن يخرجوا من كل قوم حكما

لينظرا في اختلاف القول

واجعلوا الموعد رأس الحول

ثم أتى القوم إلى عليّ

فقال لست منكم في شيء

قالوا له لتعبثنّ الحكما

وغلظوا في القول حتى علما

بأنه إن لم يجبهم صار

إلى الذي يخافه فسار

في نفر حتى أتى مع صحبه

أهل الشام وهم بقربه

فقال ماذا أنتم تبغونا

قالوا نريد أن عرفونا

بأي وجه قتل الخليفة

قال لهم أحداثه معروفة

قالوا له فمن يلي الحكومة

يحتج في ذلك في الخصومة

فارض بمن شئت ونحن نرضى

بمن نشاء للخصام أيضا

فيلتقي الخصمان مع من شاءا

ويثبتان قول من قد راءا

في قوله الحق فمن تعدى

حكمهما فقد تعدى الحدا

من بعد أن تناظرا وعلما

وجه الصواب في الذي قد حكما

قال إذا أردتم البيانا

فعلت هذا لكم وكانا

شرطي وشرطكم على الإعلان

أن يحكما بظاهر القرآن

وسنة النبي والمأثور

من حكمه المستعمل المشهور

فمن تعدى ذاك فيما قد حكم

لم يجز الحكم له قالوا نعم

وانصرفوا إلى الشام فانصرف

عنهم إلى الكوفة قالوا فوقف

عنه الذين أنكروا الحكومة

وخاصموا أصحابه خصومة

وجعلوا يدعون في المشاهد

لا حكم إلا للعلي الواحد

ثم مضوا حتى أتوا حرورا

يرون أن ما رآه جورا

فأرسل ابن عمه إليهم

فاحتج فيما صنعوا عليهم

فانصرفت طائفة إليه

عل الذي قد أنكروا عليه

لينظروا الحكم عل المجاز

وفرقة سارت إلى الأهواز

فقال للذين قد توفقوا

وانصرفوا إليه حين انصرفوا

وهم على الرأي الذي قد أبرموا

إن لكم عندي ثلثا فاعلموا

نكف عنكم إذا كففتم

وتأخدون الفيء ما جاهدتم

وكلما أقررتم بالطاعة

لم تمنعوا مساجد الجماعة

ثم أراد عندما افتضوه

في بعثه الحكم إذا أتوه

ان يجعل الحكم إلى ابن عمه

لعلمه بذهنه وعلمه

فقام في أصحابه في ذاك من

مال إلى التحكيم من أهل اليمن

وفيهم العدد من رجاله

فأنكروا ذلك من مقاله

وامتنعوا فيما أتاه عنهم

أن يجعلوا الحاكم إلا منهم

وأحضروا له ابن قيس فحضر

أعني أبا موسى وقالوا لا تذر

للحكم فيما بينهم وبيننا

غير أبي موسى فقدم شيخنا

فخاف من فساد ذات البين

وأن يصير الناس فرقتين

فقال قم فاحكم بحكم الله

واحذر من الشك والاشتباه

واعمل على السنة والككتاب

واقض بفصل الحق والصواب

فإن عدوت ذاك فاعلم علما

بأنني أنقض ذاك الحكما

وأجب القوم إذا ما سألوا

واشرح لهم جميع ما قد جهلوا

وضيعوا من واجبي وطاعتي

وبين الحجة في إمامتي

من ظاهر السنة والقرآن

فإن فيهما لهم برهاني

وحكموا أهل الشام عمروا

فعظم الشيخ دها ومكرا

فظل في أحواله يقدمه

يريد مكرا أنه يعغظمه

حتى إذا استعطفه ببرّه

وما رأى من لين وبشره

قال له برفقه ولينه

أنت الذي يرجى لفضل دينه

لحقن ما بيح من الدماء

وكشف ما حل من البلاء

ولست من جهالة أخبرك

لكنني كما تر أذكرك

يرضون أن يجتمعوا في ناحية

إلى علي أو إلى معاوية

وفي اختلاف أمرهم فساد

وإن تمادى القتل فيهم بادوا

ومن صلاح أمرهم أن يخلعا

ويجمع الناس إلى ذاك معا

لينصبوا من قد رأوا واتفقوا

عليه قال إنني لأشفق

أن لا يكون لهم اتفاق

على امرئ فيعظم الشقاق

قال فثمّ رجل قد اعتزل

يجتمع الناس إليه إن فعل

ليس من الطائفتين ابن عمر

قال له أخاف أن لا يأتمر

قال فنَكني عنه عند ذكره

حتى نرى ماذا يرى في أمره

حتى إذا أبرم ما قد أبرمه

ووقفا في الناس قالوا قدّمه

كمثل ما عوده من قبل

وآفة المرء الهوى والجهل

فقام في الناس خطيبا فوصف

ما حل بالناس وعد ما سلف

وقال بعد ذكر ما تهيا

إني خلعت عنكم عليا

وقد سددت فاعلموا مكانه

برجل ستحمدون شأنه

قد صحب النبي مع أبيه

وكل خير تبتغون فيه

وقام عمرو بعده هنالكا

فحمد الله وقال ذالكا

وقال سري عندكم علانية

أن الذي كنى لكم معاوية

هو الذي في القول أضمرناه

وقد رضيناه وأمرناه

قال أبو موسى معاذ الله

فصار أمر القوم في اشتباه

وصاح أصحاب علي لا لا

واختلفوا واختبلوا اختبالا

وأكثروا الجدال والخصومة

وافترقوا ولم تكن حكومة

لما استبان الناس كيد عمرو

وما أراد من سبيل المكر

وأبصروا رأي علي فيه

وعلمه بما انتهى إليه

أمرهم وأمره تلاوموا

إذ تركوا حربهم وسالموا

وانتهضوا نحو ابن هند إذ نهض

بهم علي نحو ذاك وانقبض

عنه الخوارج الذين انصرفوا

في ذاك ثم أنهم تخلفوا

من بعده فأظهروا الخلافا

وانصرفوا عن أمره انصرافا

وخلعوا طاعته ومرجوا

من بعد أن خرج ثم خرجوا

فقطعوا دجلة ثم ساروا

وكل من مرؤوا به أغاروا

عليه حتى أهلكوا البلادا

وأكثروا الخراب والفسادا

وغنموا أموالهم وقتلوا

فبلغ الوصيّ ما قد فعلوا

فسار فيمن معه إليهم

واحتج فيما فعلوا عليهم

فامتنعوا وقاتلوه فظهر

عليهم فجاء لما أن قدر

عليهم في الناس بالكلية

فاستخرج الأسود ذا الثديّة

من جملة القتلى وكر في مهل

حتى أتى الكوفة قالوا فنزل

فلم يزل قيل بها مقيما

مكتئبا لما به كظيما

لما يرى منهم من التثاقل

عن حربهم والعجز والتخاذل

حتى أصابه بها ابن ملجم

وخضب الشيبة منه بالدم

صلى عليه الله من وصيّ

موفق مسدد مضريّ

في ذكر ما ذكرت عن أهل الجمل

مما روي من أمرهم وما اتصل

عنهم من النكث وسوء السيرة

ما يكتفي به ذوو البصيرة

وذاك قد أكملته إكمالا

ولو أردت ذكره لطالا

وقد دعا لقولهم واحتجا

لما أتوه بعض من قد لجا

إذ ذكروا طلحة والزبيرا

بالنكث فاحتج وأثنى خيرا

قيل له ألم يكونا شايعا

في قتل عثمان معا وبايعا

من بعده الوصي ثم نكثا

فهل تراهما أحسا حدثا

عليه قال لا ولكن تابا

من دم عثمان الذي أصابا

فيما أصاباه وقاما في الطلب

بثاره قيل له فهل يجب

أن يطلب الحقوق في التظالم

أهل الخصوم عند غير الحاكم

وقد اقرأ أنه الإمام

فكيف جاز لهما القيام

ولم يكونا ربعا إليه

من ذاك ما قد أجمعا عليه

بل كيف ينبغي القيام والطلب

لمن جنى ما فيه قام واحتسب

هذا لعمري أعجب العجائب

أن يطلب المطلوب حق الطالب

فإن تقولوا لم يكونا قتلا

وأن يكونا فعلا ما فعالا

فما استحل الناس ما استحلوا

من دم عثمان الذي أطلوا

حتى أحلاه وأهدراه

وأطلقا القتل لمن أتاه

فكيف قاما مثل ما قد زعما

إذ نكثا في حل ما قد أبرما

وعقدا قبل ولو أرادا

كما زعمتم توبة أقادا

هما ومن قد قام من نفوسهم

إن كان أصل الفعل من تأسيسهم

وقد تمالا القوم لما حققوا

في قتله كلهم وأطبقوا

عليه حتى قتلوه جملة

مصممين عند وقت الحملة

بعضهم شد لهم عليه

وبعضهم منع من يليه

فكلهم في القتل كانوا أسوة

إذ بعضهم كان لبعض قوّة

ولم أقل هذا على الإنكار

لقتله بل لادعا الأشرار

حجة من قام لهم بزعمه

بثار من كان سعى في دمه

وسترى في قتله احتجاجا

من بعد هذا يوضح المنهاجا

وقد روي أن الزبير فرا

يوم التقوا كما رويتم طرا

فإن يكن كان على الضلال

فقولكم فيه من المحال

وكلهم ضلوا كما قد ضلا

وإن يكن على هدى فولا

فقد أتى كبيرة مشتهرة

مات عليها حين ولى دبره

فاختر له في أي منزيه

تنزله يا من دعا إليه

وقد رووا رواية قد تذكر

أن عليا قال يوما بشروا

من قتل الزبير بالنار وقد

أتي براسه إليه فاعتقد

قوم له بذلك الولاية

ليس لهم فهم ولا دراية

لو كان ما توهموا في قوله

أقاد من قاتله بقتله

لكنه تركه بجانب

لأنه قد فر غير تائب

وقال في قاتله ما قالا

لأنه قتله ضلالا

وكان من دعوته وحزبه

ففتك الشقيّ بالقتل به

فشقي القاتل والمقتول

والدم هدر ههنا مطلول

وحكم أهل البغي لما اعتاصوا

أن لي فيما بينهم قصاص

وهم من الضلال بالكلية

ما دامت الحرب على السوية

أكثر ما ينكره من يجهل

من قتل عثمان إذا ما سئلوا

عنه لأنه من الصحابة

فكرهوا لذلك اغتيابه

وكرهوا أن يذكروا أحداثه

وما أتاه في الذي قد عاثه

ولم يروا للجهل ما قد وقعوا

فيه من الأمر الذي قد فزعوا

منه من الإنكار والمعابة

في قولهم ذلك للصحابة

لأنهم كلهم قد أجمعوا

عليه فيما قد رووه ووعوا

عنهم فكان القوم بين قائل

وقائم مكثر وخاذل

فكل من كره أن يظلمه

فالقول في تظليمهم قد لزمه

فصار في أعظم مما أنكره

وذلك بين لمن تدبّره

وهذه مقالة الجماعة

يرون أن ذكره تباعة

وليس يدرون الذي اعتراهم

وقائل الحق قليل ما هم

وقد رووا بأنهم قد قاموا

عليه في أحداثه ولاموا

وعددوا ما أنكروا من فعله

فتاب من ذاك لهم بقوله

فسألوه بعد ذا أن ينتصل

وأن يقيد قوله أو يعتزل

فل يجبهم فاستحلوا قتله

فاحتج في ذلك من قام له

وزعموا بأنه إمام

وأن سفك دمه حرام

فإن يكن قد جار في الأحكام

فالجوز لا يحسن بالإمام

ولم يجز لحال ما قد فعلا

من جوزه في حكمه أن يقتلا

قيل لهم ليس على الجوز قتل

لكنه غذ جار في الحكم عزل

لأنه ليس لخلق طاعة

إذا عصى الله على الجماعة

فلج في الجور ولم يخله

ولم يطب نفسا له بعزله

ولم يقد من نفسه ولا انتصل

ولا رأى ردّ الذي كان وصل

قيل به جماعة الأقارب

في غير ما حق وغير واجب

فحال في ذاك بلا اشتباه

ولا خفا عن حدّ حكم الله

ممتنعا وكل من قد امتنع

وحال من دون الذي قد ابتدع

فجائز قتاله وقتله

ومانع الفروض أيضا مثله

وليست التوبة بالمقال

لكنها قيل بالانتصال

وقد ذكرت قبل ذا أحداثه

وجوره في الحكم والتياثه

وأنه ليس من الإمامة

بحيث إن تعرضوا أحكامه

أخطوا ولو عددتها تكررت

واتسع القول بها وكثرت

وكلها توجب مع تحرمه

بالامتناع دونها سفك دمه

ولو رأى الوصي أن الفعلة

قد اعتدوا أقاد ممن قتله

ولم يكن يتركهم لقتله

وهو مقيم بينهم في أهله

كمثل ما منعهم فيما فشا

من أمره أن يقتلوه عطشا

وأرسل الماء إليه إذ منع

منه وذاك ثابت فيما سمع

لحال من في الدار من عياله

ومن نسائه ومن أطفاله

فلم يرم منع رسوله أحد

وقد أقاموا حول داره الرصد

ليمنعوه الماء والطعاما

وحاصرون بعد ذا أياما

قد مر في المقدم المعلوم

ذكر ابتداء سبب التحكيم

وما أراد القوم في ابتدائهم

به من الخلاص من أعدائهم

وذكر ما قال عليّ فيه

وعلمه بما انطووا عليه

من مكرهم به ونصب الخدعة

ولم يكن لما أتاه بدعة

لأنهم دعوا إلى البيان

والحكم بالسنة والقرآن

وسألوا الإرشاد والدليلا

فلم يجد لردهم سبيلا

والحكم بالحق وبالسداد

فرض من الله على العباد

وقد ذكرت شرطه عليهم

بذاك إذ قدمه إليهم

والله قد حكم فيما قالا

في وحيه المنزل الرجالا

عند جزاء الصيد للحجاج

وفي الشقاق بينما الأزواج

وحكم النبي في اليهود

سعدا بحضرة من الشهود

وليس بين الناس من خلاف

في أن من حكم بائتلاف

في أهل حصن قد رضوا بحكمه

لعلمهم بفضله وعلمه

فإن قضى بالقتل في الرجال

والسبي في النساء والأطفال

أو أن يباعوا أو يكونوا ذمّة

أجاز أهل الحق فيهم حكمه

وإن قضى بأنهم أحرار

وهم على سبيلهم كفار

لمي جز الحكم له لأنه

خالف فيما قد قضاه السنة

وإنما كان علي حكما

على الذي شرطه وأبرما

أن يحكم الحاكم بالكتاب

وسنة النبي بالصواب

وذلك الذي دعا إليه

وقاتل القوم معا عليه

فلم يكن يصلح أن يمتنعا

لما أجابوا للذي كان دعا

لأنهم لو حكموا بالحق

كان إماما لجميع الخلق

وإذ أرادوا الكيد والخديعة

فحكمهم تبطله الشريعة

وكان مما قالت الخوارج

إذ أنكروا التحكيم لما حاججوا

جهالة بأنه قد لزمه

حكم الذي حكمه وقدمه

وإن قضى بالجهل أضاعا

فجهلوا السنة والإجماعا

وقال قوم منهم قد شكا

إذ قبل الحكم وإذ تلكا

ولم يكن شك وقد ذكرنا

فساد هذا في الذي قدمنا

وقال قوم حكم الكفارا

فأنجد الجهل بهم وغارا

وما هم كما حكموا كفار

لكنهم لنا يغوا وجاروا

قاتلهم حتى إذا أجابوا

للحكم رأى أنهم أنابوا

في ظاهر القول فلما أنكروا

عاودهم ولم يكونوا كفروا

بالله كاليهود والنصارى

وكالمجوس إذ غدوا حيارى

لكنهم قد كفروا بالطاعة

لما بغوا وفارقوا الجماعة

وهم على أصل من الإسلام

وحكمهم في أكثر الأحكام

كحكمنا بغير ما التياث

في عقدة النكاح والميراث

وليس تسبى لهم ذرية

ولا نساؤهم على الكلية

ويؤمنون بالصلاة الخمس

ليسوا من افتراضها في لبس

ولا من الحج ولا الجهاد

لأهل دار الشرك والأعادي

وليس فيما بينهم في الحال

وبين أهل العدل والمقال

غير قبول الأمر والأحكام

والسمع والطاعة للإمام

فإذ أجابوه إلى التسليم

للحكم بالكتاب والمعلوم

من سنة النب ثم طالبوا

بيان ما قد جهلوا فالواجب

أن يمنحوا من ذاك ما قد طلبوا

وذاك في الحق لهم قد يجب

وإن يكونوا غير ذاك أضمروا

فإنما الحكم على ما يظهروا

وفرقة لم تك كانت عارفة

توقفت فسميت بالواقفة

لم ينصروا الحق ولا أعانوا

عليه بالباطل بل قد كانوا

معتزلين عنه قد توقفوا

وزعموا بأنهم لم يعرفوا

ذوي الهدى ولا أول الضلالة

والمرء لا يعذر بالجهالة

في مثل هذا بل على الرجال

علم ذوي الحق وذي الضلال

لأنه قد جاء في الكتاب

قتال أهل البغي بالإيجاب

والأمر بالمعروف والتناهي

عن طرق المنكر فرض الله

وليس يدري الحق إلا بالصفة

والبحث عن أسبابه والمعرفة

والعلم لا يدرك إلا بالطلب

ولا ينال الخفض إلا بالتعب

وليس يستوي اللبيب العاقل

والرجل الغفل البليد الجاهل

وقد أتى الوصيّ فيما وصفوا

قوم من الذين قد توقفوا

عن عونه فسألوا العطاء

فقال لم لم تدفعوا الأعداء

قالوا أصيب بيننا عثمان

ولم نكن ندري الذين كانوا

توثبوا عليه هل أصابوا

أم الصواب كان ما أعابوا

عليه قال فالحقيق الواجب

عليكم في ذاك أن تطالبوا

وجه الصواب في الذي شككتم

فيه لتعلموا الذي جهلتم

وقد دخلتم كلكم في بيعته

فما الذي أوقفكم عن نصرته

إن لم يكن قد كان مستحقا

لقتله وإن تعدى الحقا

واستوجب القتل فأنتم ظلمة

لميلكم عن اجتماع الكلمة

فلم يكن عندهم جواب

لما استبان لهم الصواب

وأظهروا في ذلك الندامة

والحق في ظاهره علامة

وكان من اهل الوقوف ابن عمر

فلم يزل في طول ما كان غبر

يقول ما آسى لدهري الغابر

إلا لتضييعي ظما الهواجر

وإنني لم أك في بدي

قاتلت أهل البغي مع علي

وقل ما ينفعه التأسف

إذ ضيع الواجب والتلهف

وكان قد أوصى علي إذ ظعن

بالناس فيما روي لى الحسن

فقام بالأمر على التقدم

من بعده وقتل ابن ملجم

وبايع الناس له بالكوفة

فحل فيهم مدة معروفة

ثم دعا الناس إلى المسير

إلى ابن هند وإلى التشمير

لحربه وقدم ابن سعد

قيسا فسار نحوه في جند

حتى إذا ولى ابن سعد تبعه

بنفسه قيل ومن كان معه

حتى إذا انتهى إلى المدائن

قام عليه كل غاو خائن

من جمع أهل الكوفة الأراذل

ففتك القوم به عن عاجل

وطعنوه قيل في وركيه

وانتزعوا الرداء عن كتفيه

وجذبوا بساطه من تحته

وأظهروا عصيانه في وقته

وخلعوا طاعه وانصرفوا

عن المسير معه ووقفوا

جبنا عن الضراب والطعان

والضيم لا يدفع بالجبان

فبلغ الأمر إلى ابن حرب

وكان من مسيره في كرب

فأرسل الرسل إليه يعلمه

بأنه يحفظه ويكرمه

وينتهي من حفه ما يعرفه

لخوفه من أمره يستعطفه

فحمد الله على الأمان

لما تمادى القوم في العصيان

وصار للأمر الذي قد ينكره

إذ لم يجد من قومه من ينصره

وسلموا إلى ابن هند أمرهم

وسرهم من أمره ما ضرهم

فانفرد الحسن مع أصحابه

وكلهم من أمره لما به

فاجتمعوا بأسرهم إليه

وعرضوا أنفسهم عليه

وهم قليل في كثير الجهل

فلم ير اعتراضهم للقتل

وسار سيرة الوصي الفاضل

أبيه في أصحابه القلائل

وعادت الاعة في استتار

منه له خوفا من الأشرار

فلم يزل وهو لهم إمام

لو أظهر القيام فيهم قاموا

قد نصبوه في استتار رأسا

يدعون في السر إليه الناسا

وكان قد أوصى إلى أخيه

دون بنيه وبني أبيه

أعني الحسين وهو والي عهده

وهو إمام قومه من بعده

عرف ذاك كل من قد تابعه

وكل من شايعه وبايعه

فل يزل وأمره معمّى

حتى إذا انتهى إليه سما

فمات صلى منزل الآيات

عليه في المحيا وفي الممات

وقام بعد الحسن الحسين

فلم تزل لهم عليه عين

ترعى لهم أحواله وتنظره

في كل ما يسره ويجهره

وشردوا شيعته عن بابه

وأظهروا الطلب في أصحابه

ليمنعوه كل ما يريد

وكان قد وليهم يزيد

فأظهر الفسوق والمعاصي

وكان بالحجاز عنه قاصي

ومكره يبلغه ويلحقه

وعينه بما يخافترمقه

ولم يكن هناك من قد يدفعه

عنه إذا هم به أو يمنعه

وكان بالعراق من أتباعه

أكثر ما يرجوه من أشياعه

فسار فيمن معه إليهم

فقطعوا بكربلا عليهم

في عسكر ليس لهم تناهي

أرسله الغاوي عبيد الله

يقدمه في البيض والدلاص

عمرو بن سعد بن أبي وقاص

فجاء مثل السيل حين يأتي

فحال بين القوم والفرات

وإذ رأى الحسين ما قد رابه

ناشدهم بالله والقرابة

وجده وأمه الصديقة

وبعلها أن يذروا طريقه

وجاء في الوعظ وفي التحذير

لهم يقول جامع كثير

فلم يزدهم ذاك إلا حنقا

ومنعوا الماء وسدوا الطرفا

حتى إذا أجهده حر العطش

وقد تغطى بالهجير وافترش

حرارة الرمضاء نادى ويلكم

أرى الكلاب في الفرات حولكم

تلغ في الماء وتمنعونا

وقد لغينا ويلكم فاسقونا

قالوا له لست تنال الماء

حتى تنال كفك السماء

قال فما ترون في الأطفال

وسائر النساء والعيال

بني علي وبنات فاطمة

عيونهم لذاك تهمي ساجمعة

فهل لكم أن تتركوا الماء لهم

فإنكم قد تعلمون فضلهم

فإن تروني عندكم عدوكم

فشفعوا في ولدي نبيكم

فلم يروا جوابه وشدوا

عليه فاستعد واستعدوا

فثبتوا أصحابه تكرما

من بعدأن قد علموا وعلما

بأنهم في عدد الأموات

لما رأوا من كثرة العداة

فلم ينالوا منهم قتيلا

حتى شفى من العدى الغليلا

واستشهدوا كلهم من بعد ما

قد قتلوا أضعافهم تقحما

واستشهد الحسين صلى ربه

عليه لما أن تولى صحبه

مع ستة كانوا أصيبوا فيه

بالقتل أيضا من بني أبيه

وتسعة لعمه العقيل

لهفي لذلك الدم المطلول

وأقبلوا برأسه مع نسوته

ومع بنيه ونساء إخوته

حواسراً يبكينه سبايا

على جمال فوقها الولايا

ووجهوا بهم على البريد

حتى أتوا بهم إلى يزيد

فكيف لم يمت على المان

من كان في شيء من الإيمان

أم كيف لا تهمي العيون بالدم

ولم يذب فؤاد كل مسلم

وقد بكته أفق السماء

فأمطرت قطرا من الدماء

وحزن البدر له فانكسفا

وناحت الجن عليه أسفا

فيا لتسكاب دموع عيني

إذا ذكرت مصرع الحسين

لولا رجائي للإمام الهادي

أن ينقم الثار من الأعادي

فلا يخلي من بني أمية

على جديد الأرض نفسا حية

ولا من الحكام بين الناس

بالظلم والجور بني العباس

لا ذهبت دموع عيني العينا

إذا ذكرت قتلهم حسينا

وما لقي من قبله أبوه

من العدى وما لقي بنوه

وكان قد أوصى الحسين إذ غير

بأمره إلى عليّ فاستتر

في أمره لقرب تلك الكائنة

ولاشتداد غلب الفراعنة

واستترت شيعته بأمره

فرق العدى واحتفظت بسره

وانقطعت عنه وعن قلائه

فحاط في ذاك لأوليائه

نفوسهم ونفسه ولم يرم

مسالما للقوم ثم ما سلم

بل طالبوه أيما مطالبة

وصدقوا فيه الظنون الكاذبة

لفضله وديه وشرفه

في الناس مع قديمه وسلفه

فحذروا منه فشردّوه

لخوفهم منه وطالبوه

وحبسوه فنجا من محبسه

وبقيت قيوده في مجلسه

فعلموا يقين معجزاته

لما رأوا في ذاك من ىياته

مع ما انتهى إليهم وما انتشر

من ذاك عنه واستفاض واشتهر

مما يطول القول في تحصيله

مع انقطاعه ومع خموله

فحاطه الله من الأعادي

وكان يدعى سيد العباد

كانت له لغير معنى السمعة

في اليوم والليلة ألف ركعة

وأثر السجود في مساجده

فكان في ذلك في مشاهده

يدعوه من قد عمر البلادا

ذا الثفنات العابد السجادا

فلم يزل من أمره في ستر

يدفع عنه كل مؤذ مغري

حتى إذا ارتضى له ما عنده

صيره إلى الذي أعدّه

له من الكرامة العظيمة

في داره الدائمة المقيمة

وقام بالأمر الإمام الباقر

محمد صلى عليه القادر

سمي بذاك للذي كان يقر

عنه من العلم الخفي فظهر

أظهر ما رواه عن آبائه

من جملة الفقه على استوائه

وحدث الناس بما كان سمع

من ظاهر الحديث عنهم فاتبع

واحتاج للذي روى كل احد

فأقبلوا غليه من كل بلد

وضرب الناس من الآفاق

إليه في الركب وفي الرفاق

وكان في ذاك لأوليائه

أهنا ذريعة إلى لقائه

ودخلوا في جملة الوفود

وعدد الجماعة العديد

يأتون في غير ما تقيه

وغير ما خوف ولا رزية

وأظهروا بعض الذي كان استتر

وهم على الجمل في حال الحذر

ولم ير الأعداءُ منهم أمرا

يرون في الظاهر فيه نكرا

فلم يزل عندهم معظما

مقربا مبجلا مكرما

قد جلّ في أعينهم مهابة

فأصلح الله له أسبابه

ووجدت شيعته بعض الفرج

وزال عنها كل أسباب الحرج

فكثرت واجتمعت للدعوة

وكان بعضها لبعض قدوة

وكان ذاك من ولي النعمة

حياطة لدينه ورحمة

ولو تمادت شدة البلية

لانقطع الدين على الكلية

والله ذو النعمة والآلاء

يمتحن العباد بالبلاء

فلم يزل صلى عليه ربه

مستترا حتى تقضّى نحبهُ

وفوض الأمر الإمام كله

محمد إلى أبي عبد الله

فقام بالأمر الإمام جعفر

فسار في ذاك على ما خبروا

يسيرة الماضي أبيه فيهم

وكان في حياته يفتيهم

فاحتاج في العلم إليه العلما

فلم يزل مكرما معظما

وزال في أيامه ومدته

ملك بني مروان عن كليته

وقتلوا وانقطعت مدتهم

وانصرموا وفنيت عدتهم

وانتقم الله لأوليائه

من جمعهم على يدي أعدائه

فانقرضوا وصار أمر الناس

تغلبا إلى بني العباس

فملكوا بالقهر والتغلب

فطالبوه أيما تطلب

وقتلوا جماعة من شعيته

ومن بني آبائه وعرته

لخوفهم منه وأشخصوه

مستوثقا منه ليقتلوه

حتى إذا وافى مع الفرانق

من فوره باب أبي الدوانق

وجاءه المخبرون أنه

وقال والله لأقتلنّه

وقال للأعوان أدخلوه

فخرج القوم فاعلموه

بما رأوا منه من الوعيد

والغضب المفرط والتهديد

فحرك الإمام من لسانه

لما رأى ما كان من أعوانه

كأنه يدعو فلما استقبلة

قرّب من مجلسه ووصلة

ثم كساه خلعا وغلفه

بيده مبجلا وصرفه

وقال كنت قد أحب أنسكا

وأشتهي تلذّذي بقربكا

لكننا لا شك قد روعنا

أهلك طرا بالذي صنعنا

فارجع كما جئت ليطمئنوا

وليأمنوا من الذي قد ظنوا

فخرج الإمام فاستقبله

أولئك الذين قد قالوا له

عنه الذي قالوه يسألونه

ما قال في دعائه يرونه

عنه وقالوا قد رأينا آية

تشهد فينا لك بالولاة

فلم يزل في الخوف والتقية

حتى أتاه حادث المنية

فصار للراحة صلى الخالق

عليه ما در بغيث شارق

واشتدت المحنة بعد جعفر

فانصرف الأمر إلى التستر

وكان قد أقام بعض ولده

مقامه لما رأى من جلده

فجعل الأمر له في ستر

فلم يكن قالوا بذاك يدري

لخوفه عليه من أعدائه

إلا ثقات مخض أوليائه

وأهله الذين قد كانوا معه

فقام بالأمر وقاموا أربعة

لما مضى كلهم لصلبه

مستترين بعده بحسبه

قد دخلوا في جملة الرعية

لشدة المحنه والرزية

وكلهم له دعاء تسري

ودعوة في الناس كانت تجري

يعرفهم في كل عصر وزمن

وكل حين وأوان كل من

والأهم وكل أوليائهم

يعلم ما علم من أسمائهم

ولم يكن يمنعني من ذكرهم

إلا احتفاظي بمصون سرهم

وليس لي بأن أقول جهرا

ما كان قد أدي إليّ سرا

وهم على الجملة كانوا استتروا

ولم يكونوا إذ تولوا ظهروا

بل دخلوا في جملة السواد

لخوفهم من سطوة الأعادي

حتى إذا انتهى الكتاب أجله

وصار أمر الله فيمن جعله

بمنّه مفتاح قفل الدين

أيّده بالنصر والتمكين

فقام عبد الله وهو الصادق

مهدينا صلى عليه الخالق

وكان من أعدائه بالقرب

فخافهم فسار نحو الغرب

مهاجراً فلم يزل مستورا

بستر من أيده منصورا

يكلأه الله ويعلي أمره

في كل حال ويعز نصره

فدان أهل الغرب بالطاعات

له وبالمشرق في الجهات

دعوته قد بثها دعاته

وسلمت لأمره جهاته

ولم يذر في الأرض من جزرة

إلا بها دعوته مشهورة

آزره الله بوالي عهده

محمد خير الورى من بعده

فلم يزل حياته وزيرا

له معينا ناصرا ظهيرا

يقيه ما يخافه ويحذره

بنفسه محتسبا وينصره

ويدفع الأعداء عن حمائه

ويقتل المراق من أعدائه

ولم يزل يضرب في حياته

في كل وجه رأى من جهاته

فيه انخراقا فيسد الخرقا

بما رآه ويرم الفتقا

وما رأى فيه فسادا أصلحه

وإن بغى باغ عليه طحطحه

ولم يزل مظفرا مؤيدا

بالعز منصورا على من اعتدى

حتى أداخ كل غاو ناصب

وافتتح الشرق مع المغارب

واختار رب الناس للإمام

ما عنده في جنة المقام

فمات صلى الله والملائكة

عليه في عترته المباركة

وقام بالأمر على تصعّبه

من بعده من لم يزل يقوم به

ذاك أبو القاسم مهديّ البشر

محمد أفضل كل من غير

ولم يزل قدما له الرياسة

فأحسن السيرة والسياسة

فظل في تدبيره وما انتشر

عنه من الحزم عميقات الفكر

وأعجز العليم والجهولا

وأبهر الأذهان والعقولا

فأيقنت جوامع التفكير

بأنه من حكمة القدير

جل يمده به ويرشده

لكل ما يصلحه ويعضده

فدانت الملوك والجبابرة

له وأذعنت إليه صاغرة

ولم يحد عنه جهول مارق

معاند إلا كفاه الخالق

عنوده بغير ما تكلف

والله كافي كل من لا يكتفي

إلا به فنحن من أيامه

والحمد لله على أنعامه

في أكمل النعمة والسلامة

وأعظم الغبطة والكرامة

قد جمع الدنيا لنا والينا

وأوسع الغنيّ والمسكينا

بجوده ونيله وفضله

ولينه ورفقه وعدله

بلّغه الله مدى آماله

وكل ما يرجوه في أحواله

وأنجز الله له من وعده

ما قد أتى على لسان جده

حتى يريح الأرض من أعدائه

وتشتفي صدور أوليائه

فامدد لنا الأعمار رب كيما

نبلغ يا ذا العرض ذاك اليوما

ولا تمتنا دون أن ترينا

ذلك يا ذا الطول أجمعينا

قد جئت بالحجة والبرهان

فيما مضى بالشرح والبيان

مما ذكرت في انتقال الأمر

في الطاهرين الراشدين الزهر

حتى بلغت القائم المهديا

أعني إمام عصرنا المرضيا

وأنها قد وصلت إليه

عن قائم قد دلنا عليه

وأنه قد قام بعد فترة

لشدة الأمر وبعد سترة

فجاءنا إذ جاء من طريقه

بكل ما دل على تصديقه

صلى عليه وعلى آبائه

والقائم المهدي من أبنائه

من قد هدانا بهما للدين

واختصنا بالعز والتحصين

فنحن إن قال لنا من أنكره

بمثل ما صدقتم ما ذكره

من أنه كما ادعى المهدي

قلنا بما قد صدق النبي

لنه قد جاء بالتنزيل

وجاء هذا بعد بالتأويل

فكان ذاك معجزا للناطق

وكان هذا معجزا للصادق

والله قد أنزل فيه آية

بأن فيه لهم كفاية

وأنه أعجزهم أن يأتوا

بمثله وهذه آيات

وأنه أخبر في تنزيله

بأنه لم يدر من تأويله

شيئا سوى المهيمن العليم

والراسخين بعد في العلوم

وهم أئمة العباد عندهم

تأويله وكل علم وحدهم

ودلنا عليه بالصفات

في وحيه إذ قال يوم يأتي

فجاءنا بمعجز التأويل

له وللتوراة والإنجيل

أقام ذاك كله وأحكمه

لنا بأسره معا وترجمه

ففتح العلم وكان مقفلا

فانتظم الدين لنا واعتدلا

فقلب كل مؤمن مجيب

يسرح في علم من الغيوب

بما أتى به من البواهر

من باطن العلم وشرح الظاهر

وليس من رطب ولا من يابس

في مهمه أو قعر بحر طامس

وليس من ماش ولا من طائر

أو سابح في قعر بحر زاخر

ولا جماد لا ولا نبات

في عامر الأرض ولا الفلاة

ولا مذوق لا ولا مري

ولا موات لا ولا من حي

لا وفيه شاهد يدل

عليه منه في اكتاب أصل

وفي علم وله دليل

تصغي إلى تصديقه العقول

فقد علمنا غير ما اشتباه

بأنه جاء بعلم الله

وثم أيضا شاهد وعلم

كلهم لحكمه مسلم

إنا أخذنا علمه إذ نقلا

عن الرجال رجلا فرجلا

عن كل من سميت من إمام

عن النبي الصادق التهامي

بأنه صاحب هذا العهد

وأنه هو الإمام المهدي

أخبرنا بذاك من دعانا

إليه عمن قد رأى عيانا

بمثل ما ذكرت أن المرسلا

أوصى عليا ثم لما قتلا

أوصى إلى الحسن ثم اوصى

إلى الحسين كلهم قد نصا

وصيه من بعده لقومه

فعلموا منه صحيح علمه

يخبر من شهدهم من غابا

عنهم فمن صدقهم أصابا

والدين كله بمثل هذا

أخذه الناس فمن عدا ذا

فقد عدا الحق وخلّى الظار

من دينه بقوله وكابر

وكان للناس به سمات

تشهد فيه أنها آيات

هاجر من بلاده فلم يزل

يسر في أعدائه حتى دخل

أقصى بلاد من بلاد الغرب

وكل من أبصره في كرب

منه يرى في وجهه مهابة

وربما قد سألوا أصحابه

عنه لما خامرهم من هيبة

ومن جمال وجهه وشيمة

فلم يزل وهو مقيم فيهم

وقد حماه الله من أيدهم

حتى أتاه الله منه بالفرج

والعز النصر والعظيم فخرج

منها على رغم من الحسود

تحفه كتائب الجنوب

في جحفل في محض أوليائه

قد طهر البلاد من أعدائه

فحل في سلطانهم وملكهم

بعد جلائهم وبعد هلكهم

بغير ما تكلف بل حلها

وورث النعمة منهم كلها

بالصنع من خالقه ثم كفر

بعضهم النعمة لما إن بطر

وافتخروا بفعلهم نفاقا

فأعقبوا بفخرهم شقاقا

فخالفوا ونكثوا عليه

وأقبلوا بجمعهم إليه

فانهزموا كلهم والدائرة

عليهم وتلك أيضا باهرة

أراهم الله بها إذ فخروا

عجزهم وأنهم لم يقدروا

إلا به مع قصص كثيرة

فيها له بواهر منيرة

لو كان فيما جاء منها مقصدي

لاحتجب فيه لكتاب مفرد

وسوف أحكيها مع الدلائل

إن شاء ربي في كتاب كامل

وإنما شرطت فيما سلف

أن أبتدي من كل شيء طرفا

ولو بسطت علم كل باب

لاحتجت في ذاك إلى كتاب

وقد روى الناس عن النبي

بأنه قد قال في المهدي

قولا تشعّبت به الرواية

واتصلت بذكره الحكاية

وأنه يقوم بعد حين

وفترة تمضي من السنين

فيملأ الأرض جميعا عدلا

من بعد أن كانوا ملوها جهلا

واتفق الناس على البدي

بأنه لا بد من مهدي

وقد ذكرت بالذي تقدما

من جعل القسم بذاك سلما

وأنه إذ مات من قد نصبوا

ولم يكن منه الذي قد أوجبوا

له كما رووه قالوا لم يمت

وسوف يأتي فيكون ما ثبت

عن النب أنه يكون

فيه وقد تستعمل الظنون

وقد حكيت ذكر كل من حكوا

ذلك عنه بعد ذكر ما رووا

فيه لهم وقد رووا في التب

بأنه من نحو أرض الغرب

يأتي على تغير الأيام

مع جملة البرابر الأغنام

وبشّرت به دعاة دهره

قبل أوانه وقبل عصره

وأخبروا بوقته وصفته

وكل ما دل على معرفته

لم يزل الأخبار فيه تأتي

بوقته والنعت والصفات

في مشرق الأرض وفي مغربها

وسوف آتي بالأسانيد بها

أفرد بعد ذا لها كتابا

لما شهدناه وما قد غابا

عنا وساقه لنا الرواة

وقائلوا الحق لهم سمات

وليس يستقيم في الأشعار

بسط الأسانيد مع الأخبار

وقد ذكرت ههنا منونها

وسوف أحكي بعد ذا عيونها

في جامع يكون في المقدار

كمثل هذا السفر في الأسفار

إن عشت بعد ذا وشاء الله

فسيرى ذلك من يراه

فيعلم المنصف وهو العالم

بأنه هو الإمام القائم

وأنه يقوم من عقبه

من بعده كمثل ما جاؤوا به

في كل عصر وزمان مهدي

مبلغ عن ربه مؤدي

يذعن بالسمع له والطاعة

كل الورى حتى تقوم الساعة

وهم على جماعة العباد

مستخلفون قيل في البلاد

قد مكن الدين على صوابه

لهم كوعد الله في كتابه

والله لا يخلف ما قد وعده

وقد يرى ذاك لمن قد شهده

منا فقد نرى البلاد كلها

بأسرها معا ومن قد حلها

وما بها من بقعة موصوفة

إلا وفيها دعوة معروفة

للقسائم المهدي في زماننا

صاحبها يدعو إلى إمامنا

بلغنا الله إلى ما وعده

وطهّر البلاد ممن جحده

وكل من عصاه أجمعينا

بمنّه وفضله أمينا

جماع أبواب اختلاف الشيعة

فيمن يقيم أود الشريعة

قد جئت فيما قد مضى لمن دعا

بما رأيت أن فيه مقنعا

من حجج الشيعة في الإمام

عليه منا أفضل السلام

بعد النبي أنه علي

وأنه أقامه النبي

ثم ذكرت قولنا بجملته

في نقلها من بعد في ذريته

حتى انتهيت منهم في ذكرنا

إلى إمامنا الذي في عصرنا

وكنت قد شرطت فيما قد سبق

مما مضى ذكر مقالات الفرق

من جملة الشيعة فيما انتحلت

من المقالات التي قد عدلت

فيها عن الحق وذكر الحجة

على الذين فارقوا المحجة

منهم وما قد كان من ضلالهم

بعد علي وانقلاب حالهم

وذكر من قد ضل في حياته

عن طرق الحق وعن جهاته

فالآن أحكي كلما وصفته

وأذكر القول الذي شرطته

وهذه طائفة ضعيفة

ليست من الطوائف المعروفة

عند أولي التمييز بالتشيع

وقولها ضرب من التصنع

أصله لها أبو هريرة

برأيه ولم تتابع غيره

ممن مضى من قبله عليه

فنسبوا أصحابه إليه

وكان من أهل دمشق فوفد

به على المنصور قالوا فوجد

فيه من الشبهة ما قد وجده

فبثّه في الناس ثم اعتقده

أقامه فيهم سبيلا فسلك

والناس ما قيل على دين الملك

وقرّب الذي له قد وضعه

وكل من كان عليه اتبعه

ثم دعاهم بعد للتقية

ولينسبوا إليه عباسية

وقال زورا إن أمر الناس

بعد النبي صار للعباس

لأنه وارثه وعمه

فضل في القول وضل حكمه

لو كانت الإمرة بالميراث

كسائر الأموال والتراث

لحازها بعد النبي من ملك

تراثه من بعده وما ترك

وكان قد يرثه النبوة

على قياس القول بالسوية

وجزيت بميته الإمام

في كل من خلف بالسهام

وقوله هذا إذا أماده

يخرجه مما له إراده

لأنها إذ حازها أخوه

يرثه من بعده بنوه

فلم يكن له بذاك أن يلي

من أمرها شيئا ولا للأول

لأنها بزعمه قد صارت

منه إلى أخيه ثم دارت

إليه أيضا وهي عن أخيه

وكان في الحق بلا تشبيه

لما قضى أخوه إبراهيم

وهو الإمام عنده القديم

أن يرث الأمر على ما عقدوا

إذا أمادوا إبنه محمد

ثم تصير بعده في عقبه

فخرج الجاهل في تغلبه

بقوله ومن فساد قوله

لمن أراد نقضه من أصله

بأن من نحله الإمامة

لم يطلب الأمر ولا أقامه

لنفسه فكيف يدعيها

له ولم يكن يقوم فيها

ولا ادعاها ولو ادعاها

لم يكن بادعائه يعطاها

لو عرض الطليق للإمامة

قامت عليه فيهم القيامة

وليست الإمرة بالدعاوي

ولا بقول كل رجس غاوي

لكنها بالعهد والوصية

والحجة البيتة القوية

وقد ذكرت ذاك فيما قد مضى

وجئت بالحجة فيه وانقضى

ثم غلا المنصور في مقاله

وفارق الأمة في انتحاله

فزعم الخائب فيما نصبا

أن عليا فيه قد توثبا

وكل من قام بأمر الناس

حتى تولاهم بنو العسا

فعندما استفاض ذاك واتصل

قام أبو مسلم لما إن وصل

ما قد فشى من قوله إليه

مفارقا ومنكرا عليه

فعندما بلغ ما قد فعله

أعمل فيه الفكر حتى قتله

وإنما كان دعا قديما

قيل إلى أخيه إبراهيما

وسوف أحكي أمره وشأنه

إذا بلغت بعد ذا مكانه

وهذه الفرقة قد تصدّعت

وانقرضت لضعفها وانقطعت

وأشكر انتحالها للناس

من قد تولى من بني العباس

من بعد عبد الله لما التاثا

أن يجعلوها بينهم ميراثا

وما لهم من ذاك كان بد

لو ثبتوا على الذي قد حدوا

والحق فيه قوة وشدّة

وباطل القول قصير المدّة

وكان ممن شايع المنصورا

إذ أسس الباطل والفجورا

وأظهر البدعة والتعدي

مبتدع يعرف بالراوندي

فلم يزل يطمح في غلوه

لما رأى منه ومن دنوه

منه لما قد كان من إتباعه

إياه في مقالة ابتداعه

وقد ذكرت أمرها في باب

من قبل هذا الباب في الكتاب

فقال فيه إنه الإله

جل الذي ليس لنا سواه

رب بديع الأرض والسماء

فتابع الخائب للشقاء

قوم على مقاله وزعموا

أن أبا مسلم فيما علموا

نبيه فبلغ الشناعة

فخاف أن يضطرب الجماعة

وحاذر اختلافهم ورفضهم

إياه فاستتاب قالوا بعضهم

وقتل البعض وهد الأمرى

إذ خاف مما نحلوه الشرا

وذكر هذا القول في الحكاية

فيه لمن تدبر كفاية

وفرقة تعزى إلى رئيسها

وهو الحصين مبتدأ تاسيسها

قال مقالا شنعا فتابعه

من اقتدى برأيه وشايعه

إن عليا لم يكن إماما

مفترض الطاعة حتى قاما

بسيفه فإن كل من دعا

بطاعة الله وقام مسرعا

من أي بطن من قريش كانا

كان إماما واعتدى وخانا

آل النبي إن تولوا عنه

لأنهم بذاك أولى منه

وافترقوا من بعده فيما ذكر

فرقين في أمر عتيق وعمر

فقال قوم منهم قد ظلما

واعتديا الواجب إذ تقدما

على علي وتبروا منهما

وقال قوم حين خلى عنهما

وطاب نفسا لهما بما وجب

من حقه ولم يقم ولا طلب

فنحن في ذلك لا نقلاهما

بل نتولى كل من والاهما

قال لهم أصحابهم متى ترك

أو طاب نفسا لهما مما ملك

قالوا لهم وعددوا ما عددوا

إذ قال بيعتي عليكم رد

قالوا فأين سلم التباعة

وإنما رد على الجماعة

ولم يتب إلى علي منها

ولا رأى له الخروج عنها

بل مات في ذاك مصرا وأمر

أن يجعلوها بعده إلى عمر

فابتزّه الآخر بعد فقده

مغتما وردها من بعده

شورى فما نراهما قد تابا

إليه من ذاك ولا أنابا

وإنما التوبة في المقال

من الظلامات بالائتصال

ثم أتوا بحجج كثيرة

في مثل هذا لهم مبيرة

ذكرتها فيما مضى ثم اختلف

من قد تبرا منهما فيما وصف

أهل العوم في علي فذكر

بعضهم أن ابا بكر كفر

وكل من تابعه وكفروا

أيضا عليا في الذي قد ذكروا

لما أقر قيل بالولاية

له بما حكوا من الحكاية

ولم يقاتله على اغتصابه

ما هو كان عنده أولى به

فلم يزل قالوا على الضلال

حتى دعا الناس إلى القتال

وقام بالأمر فلما حكما

عاد إلى ضلاله كمثل ما

كان فلما عاد للقيام

عاد إلى إمامة الأنام

قال لهم أصحابهم كفرتم

وجرتم في كل ما قد قلتم

أمرتم بطاعة النبي

في ظاهر الكتاب والولي

في آية فيه فقد سلمتم

إلى النبي كل ما جهلتم

بقولكم فكيف لم تسلموا

إلى الولي كل ما لم تفهموا

غذ هو أولى بالصواب منكم

وعلمه جم يغيب عنكم

فكان في الواجب أن تستفهموا

وليكم عن علم ما لم تعلموا

ثم أتوا بحجج قوية

في طاعة الإمام والتقية

ذكرتها فيما مضى بأسرها

ولو أتيت ههنا بذكرها

تكررت وأصل ما قد أصلوا

كلهم يفسد لو قد يحصلوا

لأنهم قد جعلوا الإمامة

لمن تعدى عندهم مقامه

وأوجبوا الحق لمن تعدى

فقد كفونا بعد هذا الردا

وأغفلوا في قولهم إغفالا

يكفي الذي يبغيهم الجدالا

لأنهم رأوه مستحقا

عندهم وقد تعدى الحقا

بقوله فخالفوا وناقضوا

في قولهم وكفي المعارض

وقالت الطائفة الزيدية

مقالة لم تك بالمرضية

بأن كل قائم يوم من

نسل الحسين بن علي والحسن

بسيفه يدعو إلى التقدم

فهو الإمام دون من لم يقم

منهم ومن كل امرئ في وقته

مستترا قد انزوى في بيته

واتبعوا زيدا على ما رتبوا

من الدعاوى وإليه نسبوا

حتى إذا قتل قاموا بعده

مع الحسين حين قام وحده

واتبعوا يحيى بن زيد إذ بدا

ثم تولوا بعده محمدا

أعني ابن عبد الله من نسل حسن

وكلهم ظل قتيلا مرتهن

فهؤلاء عندهم أئمة

ومن يقوم بعدهم للأمة

وكل من سواهم الرعية

كسائر الأمة بالسوية

وقولهم هذا لمن تتبعه

تمجّه آذانه إن تسمعه

وما رأينا قبل هذا حقا

من قام فيه كان مستحقا

لأخذه بغير ما بيان

ولا دليل لا ولا برهان

أكثر من قيامه وطلبه

لخذه والإنفراد منه به

لو كان هذا كان كل قائم

ومدع يقوم عند حاكم

يقضي له بكل ما ادعاه

بغير تبيان سوى دعواه

وقولهم يفسد عند النظرة

لأنه لو قام منهم عشرة

في زمن أو قام منهم ألف

أو وثبوا كلهم فاصطفوا

بجمعهم في ساعة مقام

يقول كلهم أنا الإمام

لم يكن الواحد فيما مثلوا

أحق من جميع من قد جعلوا

له القيام حجة إذ قاموا

كلهم ولو رأوا والتاموا

أن يهجروا القيام مثل هجر

دهرا طويلا كان كل من ذكر

من كل من يعرف بالزيدية

ميتَته ميتة جاهلية

إذ لم يكن يعرف من وليه

كمثل ما قد قاله نبيه

وكان من جملة من تسمّى

قيل يزيد بعد زيد أعمى

فكان يكنى بأبي الجارود

ولم يكن بالحازم الرشيد

لقبه الإمام لما إن وهى

باسم شيطان يقال أكمها

يدعى على ما ذكروا سرحوبا

قال مقالا شنعا عجيبا

ثم مضى أصحابه عليه

فنسبوا من بعده إليه

وزعموا أن بين البتول

كلهم في العلم كالرسول

شيخهم وطفلهم والكهل

ليثبتوا القول الذي يعتل

به لهم إنهم أئمة

كلهم دون جميع الأمة

من قام منهم كان عدلا مرتضى

وقد نقضت قولهم فيما مضى

لأن منهم في الذي قد نشهده

من ليس يدري علم شيء يقصده

ونقضوا قولهم فزعموا

بأنهم إذا جاء ما لم يعلموا

فجائز لهم على القياس

أن يسألوا عنه جميع الناس

لأنهم وغيرهم في الحكم

مشتركون في الهى والعلم

فبينما هم عندهم كالأنبيا

إذ جعلوهم كسبيل الأدعيا

وهذه حماقة لا تستتر

يغني عن الحجة عنها ما ذكر

وفرقة تعرف بالبتريّة

تفرّقت من فرق الزيديّة

فقال زيد إذ أتاه ما أنا

ذاكره عنهم بترتم أمرنا

فبتر الله لكم أعماركم

ولا أعز في الديار داركم

فم هناك سميت بتربة

وقولها قيل على الأصلية

أصله لها على البدي

الحسن بن صالح بن حي

فقال قد يجوز في المعقول

أن يقتدي الفاضل بالمفضول

وقال في بعض الذي كان ذكر

أن عليا خير كل من غبر

بعد النبي وهو أولى الخلق

بالأمر بعد موته والحق

ثم أجاز لعتيق وعمر

إمامة الأمة جهلا بالنظر

فجوز الغصب لمن قد اغتصب

وأوجب الأمر لكل من غلب

وانتزع الحق من المحق

فرده لغير مستحق

بقوله وذاك للتغاير

يعرفه كل أولي البصائر

واحتجّ في إمامة المفضول

بحجة واهية الدليل

أن رسول الله كان يبتعث

بعض السرايا للعدو إن لبث

ثم تولى الجيش من أعده

وفيهم أفضل منه عنده

وهذه حجة من لا يعقل

ولا يؤم القوم إلا الأفضل

على الحديث الثابت المأثور

عن النبي والوائح المشهور

فكل من قدمه الرسول

كان له التقديم والتفضيل

وهذه حجتنا لمن دري

لأنه لم يك كان أمرا

على علي ما أقام فيهم

لكنهم ولى عليهم منهم

لو جاز للمفضول أن يولى

لكان بالأمر الوضيع أولى

ولم يكن في الاختيار فائدة

ولا له كانت عليهم عائدة

وكان كل الناس في العبارة

يستوجب القيام بالإمارة

ولم يكن يقول منهم خلق

أنا لأمر الناس مستحق

من دون غيري ولكانت فتنة

تعظم فيها للعباد المحنة

ولم تكن للفاضل الفضيلة

ولا بفضله له وسيلة

والله قد فضل في كتابه

وقدم الفاضل في إيجابه

ولم يسو فاضلا في فضله

بمن يكون دونه في فعله

فكيف جاز بعد ذا لجاهل

أن يجعل المفضول فوق الفاضل

وفرقة تعرف بالمغيرة

وكان قد زلّ عن البصيرة

كانت له مقالة معروفة

وكان من رجال أهل الكوفة

وكان قد يقول فيما يعتقد

إن الحسين بن علي قد عهد

إلى محمد أخيه عهده

فهو الإمام والوصي بعده

وأنه أقام عبد الله

فقام إذ مات بلا اشتباه

يعني أبا هاشم وهو ابنه

حتى إذا أتاه قالوا حينه

صيّرها إلى الإمام الأفضل

إلى علي بن الحسين بين علي

حتى إذا ما خاف أسباب الردى

أقام قالوا إبنه محمدا

وكان في زمانه ووقته

فجاءه مستترا في بيته

معترفا بأنه إمامه

حتى إذا قام له مقامه

عرفه ما كان من جهالته

وما أقام فيه من ضلالته

حين دعاه فأجاب واعترف

وسلم الأمر له ثم انصرف

فترك الأمر على الكلية

ثم ادعى بالكوفة النبوة

وأكثر التخليط والرقاعة

وأعظم البدعة والشناعة

فبرئ الإمام منه وكتب

إلى الذين اتبعوه فانقلب

عنه لقوله على المعارضة

أكثرهم فقال أنتم رافضة

لرفضهم إياه ثم شنعا

بأنه وصيه ثم ادعى

من بعده محمدا وفضله

أعني ابن عبد الله ثم قتله

خالد لما إن بغى وصلبه

وأصل قوله لمن تطلبه

يفسد في محمد وما ادعى

فيه وفي تشنيعه ما شنعا

كفاية لمن يريد الردا

عليه إذ جاء به معتدا

لأن من يعتقد الضلالة

لا يثبت الناس له مقاله

وسوف أحكي ما ادعى كيسان

وصحبه الذين قيل كانوا

قد ادعوا محمدا ونقض ما

قد ادعوا بأنه قد أبرما

كيلا يكون ذكره مكررا

إذا أتى من بعد هذا فجرى

وإنما قصدي للإختصار

بغير تكثار ولا تكرار

وكان كيسان على ما خبروا

قد صحب المختار فيما ذكروا

أيام كان عاملا بالكوفة

لابن الزبير المدة الموصوفة

حتى إذا أتته قيل العزلة

خلا به منفردا في عزلة

فدبرا أن يظهرا القياما

وينصبا محمدا إماما

وامتنع المختار مع من كانا

يطيعه ووجهوا كيسانا

يدعو إلى ما دبروه الناسا

فكان من ذلك فيهم رأسا

وأصل ما قد أصلوه حيلة

كانت لهم في قصة طويلة

وافترقوا من بعد هذا فرقا

وسلكوا في القول فيه الطرقا

واختلفوا وكثر الكلام

فقال قوم إنه الإمام

بعد علي والوصي فينا

وأسقطوا الحسن والحسينا

وقال قوم إنه استحقها

بعد الحسين إذ تولى حقها

واختلفوا فيمن أقاموا بعده

وسوف أحكي ذاك عنهم وحده

ثم غلوا فيه فقالوا لم يمت

بل هو في شعب برضى قد ثبت

بين أسود فيه وكلوا به

يأتيه قالوا رزقه من ربه

وهم على جملة ما ادعوه

لا يزعمون أنهم رأوه

فشهدوا بأنهم قد حكموا

في قولهم هذا بما لم يعلموا

مع أنها حماقة وجهل

يدفع عنهم ما ادعوه العقل

وقد حكاه بعضهم للباقر

فقال قد حدثني في الغابر

أبي علي أنه قد عاينه

إذ مات ثم أنه قد دفنه

قال له شبه والله له

كمثل ما شبه عيسى قبله

على اليهود قالك فاليهود

أعداء عيسى وهو المقصود

بكيدهم قد شبه الله لهم

عيسى فهل كان علي يتهم

في عمله أو كان من أعدائه

فقال بل كان م أوليائه

وأفحم الجاهل إذ تكلما

والحق من عارض فيه أفحما

ومن فساد قولهم أن يخلوا

إمامة الأمة لما جهلوا

من لم يقم فيها ولا ادعاها

ولا استحلها ولا رآها

له ولم يزل له مسالمة

معترفا بفضل نسل فاطمة

وكان للحسن في ولايته

كبعض من يكون تحت رايته

وللحسين بعده إعظاما

والحق لو كان له فقاما

من دونه فيه لكان كفرا

في قول من يعد هذا النظرا

وقد ذكرت السبق والفضيلة

بالطهر في مسائل طويلة

أنهما من أعظم الدلائل

لمبتغي الإمرة بالوسائل

والطهر قد خص به التنزيل

أهل الكساء الخمسة فالرسول

أولهم وهو النبي الناطق

وبعده الوصي وهو السابق

صارت له من بعده بسبقه

حتى إذا ما مات با بحقه

أسبقهم منهم وذلك الحسن

حتى إذا ما مات قام قيل من

كان يلبه منهم من عدده

وانقطعت من بعده عن ولده

لأه بالسبق والتطهير

أحق منهم قيل بالمأثور

حتى إذا مات أقام إبنه

مقامه من بعده لأنه

أولى به من جملة الأنام

لقول ذي الفضل وذي الأنعام

إن أولي الأرحام من غير حرج

بعضهم أولى ببعض فخرج

منها جميع إخوة المفقود

ومن لهم من ولد مولود

وهكذا تصير في الأعقاب

بالفضل والسبق وإلى الأصلاب

وانقرض التقديس والتطهير

والحق للناس عليه نور

وفرقة تزى إلى أبي كرب

ممن ذكرت قولها عندي عجب

وكان قالوا رجلا ضريراً

أصل قولا فغدا مشهورا

به وتابعته فيه فرقة

فأصبحت باللعن مستحقّة

وهي التي بعد علي جعلت

محمدا إمامها ثم غلت

فيه بما وصفت من محالها

وقد نقضت الغث من مقالها

وإنما احتجوا على الحكاية

بأنه أعطاه قالوا الراية

فأوجبوا الحجة بالإشارة

وقد ذكرت من رأى الإمارة

بمثل هذا لعتيق وانكسر

بحجتي عليه ما كان ذكر

وهؤلاء قدموا عليا

عليه وهو عندهم بديا

قد أخذ الراية يوم خيبر

من قبله فيما أتى في الخبر

فإن يكن في هذه كفاية

فهو أحق الناس بالولاية

فكيف لاموا الناس في تقديمه

وأطبقوا طرا على تظيلمه

وقد اشار نحوه النبي

بما أشار عندهم علي

إلى ابنه محمد مع عدة

أتاهم الراية عند الشدة

بل كيف كانوا استعملوا الإشارة

وتركوا التصريح بالعبارة

وقد روت جماعة البرية

أن عليا أسند الوصيّة

وجعل الإمرة والإمامة

لحسن لما رأى حمامه

وصيّر القصاص ممن قتله

له أو العفو إذا ما فعله

فولي الأمر بلا مدافعة

وأنفذ القتل بلا منازعة

وكان من قد جعلوا القضية

له كواحد من الرعية

فدفعوا العيان بالتوهم

ونحلوا القيام من لم يقم

وأوجبوا الدعوى لغير مدعي

وليس في الأمة من قد يدعي

مقالهم بل انقضى حتى انقضوا

ولم يكن يتبعهم لما مضوا

متابع يكثر أو يقل

عليه والباطل يضمحل

وفرقة تعزى إلى بيان

وهو الذي يعرف بالتبيان

وكان قد أصل للتعدي

قولا ضعيفا ليس بالمعتد

فاتبعته قيل فيه طائفة

لم تك بالحق الصحيح عارفة

قال كما قال الذين قد بدا

بذكرهم من ادعى محمدا

وقال قد مات وأوصى ولده

يريد عبد الله لما فقده

فقام من بعد أبيه وسلك

منهاجه لما مضى ثم هلك

وسيعودُ بعد ذاك حيا

وكان قد جعله المهديا

ولم يقل بأنه أقاما

ولا رأى من بعده إماما

ثم غلا وذكروا غلوه

فيما رووه وادعى النبوة

وأنه لرأيه الضعيف

وجه عمرو بن أبي عفيف

إلى محمد الإمام المنتجب

ابن علي بن الحسين أن أجب

لدعوتي يابن علي واسلم

تسلم غدا وترتقي في سلم

فليس يدري الناس للجهالة

فيمن يكون الفضل والرسالة

فأطعم الإمام إذ قالوا له

ما قاله قبطاسه رسوله

وقد ذكرت الرد فيما اصله

وقوله يعلم من قد حصله

بأنه كفر إذا ما حصلا

ولم يزل عليه حتى قتلا

وفرقة تعرف بالمختار

وقد ذكرت في الكلام الجاري

أصل مقاله على التمام

وأنه لعلة القيام

أصله وقد ذكرت كسره

فيما مضى وشأنه وأمره

وتابعته فرقة فحكمت

أن ولي الأمر فيما زعمت

محمد وجعلوا الإمامة

في نسله قالوا إلى القيامة

وأنه قد بعث المختارا

في قاتلي الحسين يبغي الثأرا

وكان قد قتلهم تقتيلا

بكل فج زمنا طويلا

وهو على ذلك من مقاله

ورأيه الفاسد وانتحاله

والله يقتص لأوليائه

على يد العدو من أعدائه

وكان ذا رزق ونيرنجات

وذا مخاريق وذا شبهات

وكان لا يعلم بالتصحيح

قالوا له بمذهب صحي

قد كان في الأول خارجيا

وعاد فيما زعموا بتريا

ثم ادعى الشيعة لما إن عزل

ولم يزل مذبذبا حتى قتل

وفرقة تعرف بابن الحارث

خبيثة تعزى إلى خبائث

ذلك عبد الله أخزى خائن

قد كان فيما قيل بالمدائن

كان رئيسا لهم فنسبوا

إليه والقول الذي قد ركبوا

أن أبا هاشم قالوا إذ بكي

عليه أوصى صالح بن مدرك

إذا أتاه حادث المنية

أن يختفظ بالعهد والصوية

حتى إذا بلغ عبد الله

أشده حقا بلا اشتباه

أعطاهما إياه في المكان

وهو يقال صاحب أصبهان

جد أبيه جعفر الطيار

وكان فيما أدت الأخبار

قد ثار بالكوفة ثم اعتقله

قالوا أبو مسلم حتى قتله

في حبسه بالضيق والأنكال

وهم لما ادعوا من المخال

قد زعموا بأنه سوي

في جبل بأصبهان حي

وأنه المهدي ليس يقضي

حتى يلي جميع أهل الأرض

ويدعي بعض من ادعاه

منهم فقال إنه إله

تبارك الله وقالوا من عرف

إمامه سقط عنه ما اقترف

وقال قوم منهم بل قد هلك

ولم يكن أوصى بما كان ترك

وليس قالوا بعده من قائم

وابتعوا كل غويّ ظالم

ثم غلوا في القول واستحلوا

محارم الرحمان حتى ضلوا

واسقطوا الفرائض الموجوبة

مع سنة الصلاة والمكتوبة

وقد نقضت أصل ما قد ادعوا

فيما مضى وكل ما قد انطووا

عليه بعد من فساد حالهم

يشهد للناس على ضلالهم

وفرقة قد ادعت فيما ادعت

أن أبا هاشم لما إن أتت

وفاته صير أمر الناس

من بعده إلى بني العباس

أعطى عليا حين مات عنده

وهو ابن عبد الله قالوا عهده

أعني ابن عباس ليعطي العهدا

قالوا ابنه محمدا فودّى

إليه قالوا عهده ثم فرغ

من كل ما أوصى إليه غذ بلغ

وكان حين مات طفلا فوصل

إليه قيل الأمر بعد واتصل

فهو الإمام عندهم من عرفه

حل من أمره ما اقترفه

واسقطوا الفرض وكل نافلة

وأقنوعوا من امرهم بالعاجلة

فهؤلاء كالذين قبلهم

إذا نظرت فرعهم وأصلهم

وإنما تخالفوا في أمرهم

بعد اجتماع في إمام عصرهم

وبان أيضا منهم فريق

حاد بهم عن الهدى الطريق

وسوف أحكي بعد ذا مقالهم

وأمرهم وأذكر انتحالهم

وفرقة تعزى إلى رزام

كان لهم في سالف الأيام

قيل رئيسا أطبقوا عليه

فنسبوا من بعده إليه

قالت بقول من ذكرت قبلها

مقاله ثم وصفت قولها

وإن من قد أوجبوا قيامه

محمدا لما رأى حمامه

أتاه كالليل إذا ما جنة

أقام إبراهيم قالوا إبنه

وهو الذي كان إليه قد دعى

قالوا أبو مسلم لما إن سعى

ثم ادعوا له من الدلائل

والمعجزات قيل والوسائل

ما يعظم القول به ويكثر

أعني أبا مسلم ثم أنكروا

فرائض الله وعطلوها

ونكبوا عنها واسقطوها

وزعموا بأنهم إذ علموا

إمامهم فإنهم لن يلزموا

فريضة وأسقطوا الفرائضا

فكفوا المحتج والمعارضا

وهذه أصول قول الشيعة

ولو حكيت معها فروعه

لأتسع القول بغير فائدة

وكانت الحجة فيه واحدة

وكل من والى عليا قد دعي

على قديم الدهر بالتشيع

وأكثر القوم على الضلال

وقد حكيت ذاك في المقال

وإنما قدت للإمامة

وذكر كل قائم أقامه

كل فريق منهم وفيهم

قوم أتى فيما روينا عنهم

من انتحال الكفر والضلالة

ما منعت من ذكره الإطالة

وهم على الجملة إن نسبتهم

إلى الذين انتحلوا وجدتهم

ينتحلون ولد العباس

وقبلهم بغير ما أساس

بنوا عليه انتحلوا محمدا

إبن علي عنهم تولدا

جميع ما ذكرته وقد جرى

ذكرهم فيما مضى بما ترى

وكل من أعطى عليا بغضه

فقد ذكرت قوله ونقضه

وهذه خاتمة القصيدة

بحمد من ألهمنا تحميده

قد اختصرت ما أردت فيها

من كل ما أسندته إليها

وكل قول فله جواب

وقل من يقنعه الصواب

ومن أراد أن يلج احتجا

وباهت الحق إذا ما لجا

ومن تكن سبيله اللجاجة

فليس للمرشد فيه حاجة

وإنما ينتفع المسترشد

ويقبل المنصف حين يقصد

وربما دعا الحسود الحسد

لغيره فذم ما قد يحمد

لعجزه ونحن إن الفنا

لا ندعي الكمال فيما قلنا

وإنما أبان ذو المعالي

كتابه المنزل بالكمال

وكل قول دونه معلول

وإنما ينصفك القليل

ومن نحا لعيب ما ألفته

فلينظم القول الذي نظمته

على الذي يختار ثم نفضي

بقولنا إلى حكيم يفضي

في قولنا وما راينا عارضة

سلم في المقال من معارضة

فقبح الله الحسود الزاري

وطهّر الأرض من الأشرار