بما جربت من نكب الدهور

بما جَرَّبْتَ من نُكَبِ الدُّهورِ

وما لابستَ من نُوَبِ الأمورِ

صُدِقْتَ وما غُرِرْتَ بأمر دنياً

فلا تُغْرَرْ فما هيَ بالغَرور

ألم ترَ كيف تُنْذِرُ كلَّ يومٍ

وتغدرُ في الرَّواحِ وفي البكور

كم اختطفَ الردى مَنْ فَوْقَ حصنٍ

كم انتزعَ الردى مَنْ خَلْفَ سور

وكم ممَّنْ غدا فوقَ الحشايا

وباتَ مُغَيَّباً تحتَ الصخور

وكم لك من أخ قد سار أو من

أخ سيسير على سرير

ألستَ إذا اعتزيتَ فلست تُعْزَى

إلى خَلْقٍ سوى أهْلٍ القبور

إلى موتى بني موتة وَهَلْكَى

بني هلكى إلى يومِ النُّشور

ألم تر منهمُ من باعَ ملكاً

بِهُلْكٍ من كبيرٍ أو صغير

ألم يكُ نافذاً أمرُ المنايا

على المأمورِ منهم والأمير

ألم يَسْتَبْدِلُوا حالاً بحالٍ

ألم يَسْتبدلوا دوراً بدور

فما آل النعيمُ إلى نعيمٍ

وما آلَ السرورُ إلى سرور

تأملْ هل رأيتَ الدهرَ أبقى

على بَشَرٍ غنيِّ أو فقير

إلى أيِّ المدائنِ سرتَ يوماً

لقيتَ قبورها مثلَ القصور

لقيتَ الوعظَ قبل الحظِّ منها

نعم ونذيرَها قبلَ البشير

أما أبصرتَ قوماً قطُّ ماتوا

على مرِّ السنين أو الشهور

فأبصرتَ العظامَ بلا جلودٍ

وأبصرتَ الجلودَ بلا شُعُور

بلى أبصرتَهُمْ أيضاً تراباً

تجولُ به القَبولُ مع الدَّبُور

فمن ذا غَرَّتِ الدنيا أما مِنْ

سميعٍ في الأنامِ ولا بصير

ولا دارٌ سوى دارَيْنِ فاخترْ

خُلوداً في النعيمِ أو السَّعير