أناشد دهري أن يعود كما بدا

أُناشِدُ دَهْري أن يَعودَ كما بَدا

فَقد غارَ بي في الحادثاتِ وأنجدَا

توعَّدَني من بَعْدِ ما وَعَدَ الغِنى

فأنجزَ إبعاداً وأخلَفَ مَوعِدا

وكنتُ أرى الأيامَ ظِلاً مُمَدَّداً

ومُهْتَصَراً غَضّاً وعَيشاً مُمَهَّدا

فَصِرْنَ لرَيْبِ الدَّهْرِ سَهْماً مُسَدَّداً

وأسمرَ خَطّيّاً وعَضْباً مُجَرَّدا

سَقاها وما السُّقْيا بكفِّ صَنيعِها

خَليعِ الحَيا إن جَرَّ بُرْدَيْهِ غَرَّدا

فزارَ من الدَّيْرَيْنِ إلْفاً ومَألَفاً

وجادَ على النَّهرين عَهْداً ومَعْهَدا

مَراقدُ من بُسْطِ الرِّياضِ إذا اكتفى

بِهنَّ صريعُ الرَّاحِ لم يَنْبُ مَرْقَدا

وليلٍ كأنَّ التُّرْبَ تحتَ رِواقِه

مُنَدّىً بماءِ الوَردِ ما باشرَ النَّدى

تُعانِقُنا فيه الرِّياحُ مَريضةً

كأَنَّا لَقِيناها مع الصُّبحِ عُوَّدا

أرَتْنا اللَّيالي قَصْدَها دونَ جَوْرِها

وشأنُ اللّيالي أن تجورَ وتَقْصِدا

ومن عَجَبٍ أنَّ الغَبِيِّينِ أبرَقا

مُغِيرَيْنِ في أقطارِ شِعْري وأرعَدا

فَقَد نَقلاه عن بياضِ مَناسبي

إلى نَسَبِ في الخالديَّةِ أسودَا

وإنَّ عَلِيّاً بائعَ الملحِ بالنَّوى

تجرَّدَ لي بالسَّبِّ فيمَن تجرَّدا

وعندي له لو كان كُفءَ قوارضي

قوارضُ يَنُثْرنَ الدِّلاصَ المُسَرَّدا

ومغموسةٌ في الشَّرْيِ والأَرْيِ هذه

ليَرْدَى بها باغٍ وتلكَ لتُرتدَى

إذا رامَ عِلْجُ الخالديَّةِ نيلَها

أخذْنَ بأعنانِ النُّجومِ وأخلَدا

لكَ الويلُ إن أطلقْتُ بيضَ سيوفَها

وأطلقْتُها خُزْرَ النَّواظرِ شُرَّدا

ولستَ لجِدِّ القَوْلِ أهلاً فإنما

أُطيرُ سِهامَ الهَزْلِ مثنىً ومَوْحِدا

نَصَبْتَ لِفتيانِ البَطالَةِ قُبَّةً

ليَدخُلَها الفِتيانُ كَهْلاً وأمرَدا

وكان طريقُ القَصْفِ وعراً عليهِمُ

فسهَّلْتَه حتى رَأَوه مُعبَّدا

وكم لِذَّةٍ لا منَّ فيها ولا أذىً

هَدَيْتَ لها خِدْنَ الضَّلالةِ فَاهْتَدَى

قصدتَهمُ وزناً فساوَيْتَ بينَهُم

ولم تأخذِ السَّيفَ الشَّديدَ لتَقْصِدا

وجئتهمُ قبلَ ارتدادِ جُفونِهم

بمائدة تُكسَى الشَّرائحَ والمِدَى

ومبيضَّةٍ مما قراه محمدٌ

أبوك لكي تَبيضَّ عِرْضاً ومَحتِدا

نَثَرْتَ عليها البَقْلَ غَضّاً كأنما

نَثَرْتَ على حُرِّ اللُّجَيْنِ الزَّبَرْجَدا

ومصبوغَةٍ بالزَّعفرانِ عريضةٍ

كأنَّ على أَعْضائِها منه مِجْسَدا

تَرَقَّبَها الصَّيَّادُ يَوْماً فقادَها

كما قُدْتَ بالرِّفقِ الجَوادَ المُقيَّدا

ولم يَدْرِ إذ أنجى لها بِردائِه

أكانَ رِدَاً ما ارتدَّ منه أم رَدى

تُريك وقد عُلَّت بياضاً بصُفرَةٍ

مِثالاً من الكافورِ أُلبِسَ عَسْجَدا

يَحُفُّ بها منهم كهولٌ وفتيةٌ

كأنهمُ عِقْدٌ يَحُفُّ مُقلَّدا

فلا نَظَرُ الدَّاعي إلى الزَّادِ كَفَّهم

ولا خَجَلةُ المدعوِّ ردَّتْ لهم يَدا

ومِلْتَ بهم من غيرِ فَضلٍ عليهمُ

إلى الوَرْدِ غضّاً والشَّرابِ مُورَّدا

فيا لَكَ يوماً ما أخفَّ مؤونَةً

وأعذبَ في تلك النُّفوسِ وأرغدا

مُناهدةٌ إن باتَ مثلُكَ طيَّها

تَنفَّسَ مجروحَ الحشا أو تنهَّدا

فلا عَدِمَ الفِتيانُ منكَ قرارةً

أَيسلُّهُم سَعْداً عليَّ مُسْعِدا

مُعِدّاً لهم في كلِّ يومٍ مُجَدَّدٍ

من الرَّاحِ والرَّيحانِ عيشاً مُجدَّدا

إذا وصَلوا أضحى الخِوانُ مُدَبَّجاً

وإن وصَلوا أمسى الخِوانُ مُجرَّدا

وإن شرَعوا في لَذَّةٍ كنتَ بيعَةً

وإن طَمِعُوا في مَرفِقٍ كنتَ مَسجِدا

لك القُبَّةُ العَلياءُ أوضحْتَ فَتقَها

وأطلعْتَ منها للفُتوَّةِ فَرْقَدا

يُصادِفُ فيها الزَّوْرُ جَدْياً مُبرَّزاً

وباطيةً ملأى وظبياً مُغرِّدا

وقد فَضُلَت بيضُ القِبابِ لأنني

نصبْتُ عليها بالقصائدِ مِطرَدا