ألا حيها رب العلى من غوارب

أَلا حَيِّها رَبَّ العُلى مِن غَوارِبِ

تَعَرَّقُني بَينَ العُلى وَالمَطالِبِ

وَما لي وَلِلآمالِ مِن دونِها القَنا

تُهَزُّ وَسَوراتُ النَوى وَالنَوائِبِ

سَئِمتُ زَماناً تَنتَحيني صُروفُهُ

وُثوبَ الأَفاعي أَو دَبيبَ العَقارِبِ

مَقامُ الفَتى عَجزٌ عَلى ما يُضيمُهُ

وَذُلُّ الجَريءِ القَلبِ إِحدى العَجائِبِ

سَأَركَبُها بَزلاءَ إِمّا لِمادِحٍ

يُعَدَّدُ أَفعالي وَإِمّا لِنادِبِ

إِذا قَلَّ عَزمُ المَرءِ قَلَّ اِنتِصارُهُ

وَأَقلَعَ عَنهُ الضَيمُ دامي المَخالِبِ

وَضاقَت إِلى ما يَشتَهي طُرقُ نَفسِهِ

وَنالَ قَليلاً مَع كَثيرِ المَعائِبِ

وَما بَلَغَ المَرمى البَعيدَ سِوى اِمرىءٍ

يَروحُ وَيَغدو عِرضَةً لِلجَواذِبِ

وَما جَرَّ ذُلّاً مِثلُ نَفسٍ جَزوعَةٍ

وَلا عاقَ عَزماً مِثلُ خَوفِ العَواقِبِ

أَلا لَيتَ شِعري هَل تُسالِمُني النَوى

وَتَخبو هُمومي مِن قِراعِ المَصائِبِ

إِلى كَم أَذودُ العَينَ أَن يَستَفِزَّها

وَميضُ الأَماني وَالظُنونِ الكَواذِبِ

حُسِدتُ عَلى أَنّي قَنِعتُ فَكَيفَ بي

إِذا ما رَمى عَزمي مَجالَ الكَواكِبِ

وَما زالَ لِلإِنسانِ حاسِدُ نِعمَةٍ

عَلى ظاهِرٍ مِنها قَليلٍ وَغائِبِ

وَأَبقَت لِيَ الأَيّامُ حَزماً وَفِطنَةً

وَوَقَّرنَ جَأشي بِالأُمورِ الغَرائِبِ

تَوَزَّعَ لَحمي في عَواجِمَ جَمَّةٍ

وَبانَ عَلى جَنبَيَّ وَسمُ التَجارِبِ

وَأَرضٍ بِها بِعتُ الصَبابَةَ وَالصِبا

وَناهَضَ قَلبي الهَمَّ مِن كُلِّ جانِبِ

وَزَورٍ مِنَ الأَضغانِ نَحوي كَأَنَّما

يُلاقيهِمُ شَخصي لِقاءَ المُحارِبِ

أُناسيهِمُ بَغضاءَهُم غَيرَ غافِلٍ

وَأَسأَلُهُم مَعروفَهُم غَيرَ راغِبِ

وَإِنّي لَأَطويهِم عَلى عُظمِ دائِهِم

وَأَقعُدُ مِنهُم بَينَ دامٍ وَجالِبِ

أَلا رُبَّ مَجدٍ قَد ضَرَحتُ قَذاتَهُ

وَكانَ عَلى الأَيّامِ جَمَّ الشَوائِبِ

وَسِرٍّ كَتَمتُ الناسَ حَتّى كَتَمتُهُ

ضُلوعي وَلَم أُطلِع عَلَيهِ مَآرِبي

وَأَغيَدَ مَحسودٍ عَلى نورِ وَجهِهِ

هَجَرتُ سِوى لَحظِ البَعيدِ المُجانِبِ

وَغَيداءَ قيدَت لِلعِناقِ مَلَكتُها

فَنَزَّهتُ عَنها بَعدَ وَجدٍ تَرائِبي

وَما عِفَّةُ الإِنسانِ إِلّا غَباوَةٌ

إِذا لَم يُكافِح داءَ وَجدٍ مُغالِبِ

وَعَزمٍ كَأَطرافِ الأَسِنَّةِ في الحَشا

طَعَنتُ بِهِ كَيدَ العَدوِّ المُوارِبِ

وَضَيمٍ كَما مَضَّ الجِراحَ نَجَوتُهُ

إِلى المَنظَرِ الأَعلى نَجاءَ الرَكائِبِ

وَخُطَّةِ خَسفٍ فِتُّها غَيرَ لاحِقٍ

بِيَ العارُ إِلّا ما نَفَضتُ ذَوائِبي

عَلى هِمَّةٍ أَيدي المَنونِ سِياطُها

تَسوقُ بِها الآمالَ سَوقَ النَجائِبِ

إِلى قائِمٍ بِالمَجدِ يَحمي فُروجَهُ

وَيَطعَنُ عَنهُ بِالقَنا وَالرَغائِبِ

مُقيمٌ بِطيبِ الذِكرِ في كُلِّ بَلدَةٍ

وَقَد عُوِّدَ الأَكوارُ جَبَّ الغَوارِبِ

فَتىً صَحِبَ البَأسُ النَدى في بَنانِهِ

بِفَيضِ العَطايا وَالدِماءِ السَوارِبِ

لَأَمجَدِ فَرعٍ في عِرانينِ هاشِمٍ

وَأَنجَبِ عودٍ مِن لُؤَيَّ بنِ غالِبِ

لَهُم سُرَّةُ المَجدِ التَليدِ وَسِرُّهُ

وَمَحضُ المَعالي فيهِمُ وَالمَناقِبِ

يَبيتونَ أَغمادُ السُيوفِ نُحورُهُم

وَيَغدونَ جُرّارَ الرِماحِ السَوالِبِ

تَرَقّوا عَليها كُلَّ مَجدٍ وَنَكَّسوا

بِأَطرافِها عَن عاقِداتِ السَباسِبِ

وَخَطبٍ عَلى الزَوراءِ أَلقى جِرانَهُ

مَديدِ النَواحي مُدلَهِمِّ الجَوانِبِ

وَأَضرَمَها حَمراءَ يَنزو شَرارُها

إِلى جَنَباتِ الجَوِّ نَزوَ الجَنادِبِ

سَلَلتَ عَلَيهِ الحَزمَ حَتّى جَلَوتَهُ

كَما اِنجابَ غَيمُ العارِضِ المُتَراكِبِ

وَقَد عَلِمَ الأَعداءُ أَنَّكَ تَحتَهُ

غَلَبتَ وَما كانَ القَضاءُ بِغالِبِ

وَأَقشَعتَ عَن بَغدادَ يَوماً دَويُّهُ

إِلى الآنَ باقٍ في الصَبا وَالجَنائِبِ

وَلَولاكَ عُلّي بِالجَماجِمِ سورُها

وَخُندِقَ فيها بِالدِماءِ الذَوائِبِ

وَكَم لَكَ مِن يَومٍ تَرَكتَ بِهِ الظُبى

مَضارِبَها مَشغولَةً بِالضَرائِبِ

سَوابِقُهُ ما بَينَ كابٍ وَناهِضٍ

وَأَقرانُهُ ما بَينَ هاوٍ وَواثِبِ

وَقُدتَ إِلَيهِ الحَيلَ يُسبِبنَ بِالقَنا

وَيَسبُبنَ بوغاءَ المَلا وَالسَباسِبِ

ثِقالاً بِأَعباءِ العَوالي كَأَنَّما

يَطَأنَ الرُبى وَطءَ الإِماءِ الحَواطِبِ

مُعاوِدَةً عَضَّ الشَكيمِ يَمُصُّها

رَشاشَ الجَواني بِالنِبالِ الصَوائِبِ

وَقَد شَمَّرَ التَحجيلُ عَن جَنَباتِها

وَحَجَّلَها خَوضاً نَجيعُ المَقانِبِ

فَقَصَّرتَ فيهِ كُلَّ سَمراءَ لَدنَةٍ

وَأَنحَلتَ فيهِ كُلَّ أَبيَضَ قاضِبِ

وَأَصدَرتَ عَنهُ الجَيشَ مِن بَعدِ هَبوَةٍ

تُوَصِّلُ أَعناقَ القَنا وَالقَواضِبِ

وَأَرعَنَ دَمّاغِ الرُبى في مَجَرِّهِ

يُطَبِّقُ عَرضَ البيدِ ذاتِ المَناكِبِ

سَرَيتَ بِهِ حَتّى تَقَلَّصَ نَقعُهُ

عَنِ الفَجرِ طَلّاعاً جِبالِ الغَياهِبِ

وَفي كُلِّ يَومٍ أَنتَ بِالعَزمِ راكِبٌ

فَراديدَ أَمرٍ لا تَذِلُّ لِراكِبِ

وَلَيسَ عَجيباً إِن تَخَمَّطَ بازِلٌ

سَرَت فيهِ أَعراقُ القُرومِ المَصاعِبِ

تَدارَكتَ أَطنابَ الخِلافَةِ بَعدَما

دَنا الضَيمُ حَتّى مَسَّها بِالرَواجِبِ

وَما زِلتَ تَرمي كُلَّ قَلبٍ مُجاذِبٍ

تُجاذِبُها حَتّى قُلوبَ الأَقارِبِ

هَنيئاً لَكَ العيدُ الجَديدُ فَإِنَّهُ

يَسُلُّ لَكَ الإِقبالَ عَضبَ المَضارِبِ

وَعِزُّكَ باقٍ لا يُزَلزَلُ طَودُهُ

وَكُلُّ المَعالي بَينَ ماضٍ وَآيِبِ

وَما راقَتِ الأَعيادُ إِلّا بِغُرَّةٍ

تَبَلَّجُ عَن نورٍ مِنَ المَجدِ ثاقِبِ

وَكَيفَ يَسُرُّ الفِطرُ مَن عاشَ دَهرَهُ

بِعُنوانِ مَعروفِ الجَناجِنِ شاحِبِ

إِذا ما اِمرُؤٌ لَم يَكسُهُ الشَيبُ عِفَّةً

فَما الشَيبُ إِلّا سُبَّةٌ لِلأَشائِبِ

أَنا القائِلُ المَرموقُ مِن كُلِّ ناظِرٍ

إِذا صَلصَلَت لِلسامِعينَ غَرائِبي

وَما صُنتُ شِعري عَنكَ زُهداً وَإِنَّما

هُوَ الدُرُّ لا يَمري بِغَيرِ الحَوالِبِ

وَلي مِن قَريضي مُنبِهٌ لِضَميرِهِ

وَلَكِنَّني آبى دَنيَّ المَكاسِبِ

وَما كُلُّ شُغلي بِالمَقالِ أَروضُهُ

وَلا أَنا بِالقَوّالِ ضَربَةَ لازِبِ