ألا ناشدا ذاك الجناب الممنعا

أَلا ناشِداً ذاكَ الجَنابَ المُمَنَّعا

وَجُرداً يُناقِلنَ الوَشيجَ المُزَعزَعا

وَمَن يَملَأُ الأَيّامَ بَأساً وَنائِلاً

وَتُثنى لَهُ الأَعناقُ خَوفاً وَمَطمَعا

أَجُلّي إِلَيهِ ذَلِكَ الخَطبُ مُقدِماً

وَقَد كانَ لا يَلقاهُ إِلّا مُرَوَّعا

وَجازَ أَضاميمَ البِلادِ مُغَيرَةً

وَحَيَّ نِزارٍ حاسِرينَ وَدُرَّعا

وَسُمرُ عُقَيلٍ تَحمِلُ المَوتَ أَحمَراً

وَبيضُ عُقَيلٍ تَقطُرُ السَمَّ مُنقَعا

وَلَم تَخشَ مِن حَدِّ الصَوارِمِ مَضرَباً

وَلَم تَلقَ مِن أَيدي القَبائِلِ مَدفَعا

رَأى وَرَقَ البيضِ الخِفافِ هَشائِماً

وَشَوكَ العَوالي ناسِلاً أَو مُنَزَّعا

هُوَ القَدَرُ الأَقوى الَّذي يَقصِفُ القَنا

وَيَلوي مِنَ الجَبّارِ جيداً وَأَخدَعا

وَيَستَهزِمُ الجُردَ الجِيادَ تَخالُها

بِحافِلَةِ الأَبطالِ سِرباً مُذَعذَعا

تَرى الظُفُرَ الماضي الشَباةِ قُلامَةً

إِذا غالَبَ الأَقدارَ وَالباعَ إِصبَعا

أَتاني وَغولُ الأَرضِ بَيني وَبَينَهُ

فَيا لَكَ رُزءاً ما أَمَضَّ وَأَوجَعا

جَوانِبُ أَنباءٍ وَدَدتُ بِأَنَّني

صَمَمتُ لَها ما أَورَقَ العودُ مَسمَعا

تَصامَمتُ حَتّى أُبلِغَ النَفسَ عُذرَةً

وَما أَنطَقَ الناعونَ إِلّا لِأَسمَعا

بِأَنَّ أَبا حَسّانَ كُبَّت جِفانُهُ

وَأُخمِدَ نيرانُ القِرى يَومَ وَدَّعا

أَعَزُّ عَلى عَيني مِنَ العينِ مَوضِعاً

وَأَلطَفُ في قَلبي مِنَ القَلبِ مَوقِعا

أَكُنُّ غَليلي بِالضُلوعِ وَلَم أَجِد

لِقَلبي وَراءَ الهَمِّ مُذ غابَ مَطلَعا

وَفارَقَني مِثلَ النَعيمِ مُفارِقاً

وَوَدَّعَني مِثلَ الشَبابِ مُوَدِّعا

عَلا الوَجدُ بي حَتّى كَأَن لَم أَرَ الرَدى

يَخُطُّ لِجَنبٍ قَبلَ جَنبِكَ مَصرَعا

لَقَد صَغَّرَ الأَرزاءَ زُرؤُكَ قَبلَها

وَهَوَّنَ عِندي النازِلَ المُتَوَقَّعا

فَإِن لَم تَزَل نَفسي عَليكَ فَإِنَّها

سَتُنفِدُ أَنفاساً حِراراً وَأَدمُعا

فَيا لائِمَيَّ اليَومَ لا صَبرَ بَعدَهُ

فَطيرا بِأَعباءِ المَلامَةِ أَو قَعا

بِرُغمِكَ أَجمَمتَ الصَوارِمَ وَالقَنا

وَأَخلَيتَ يَومَ الرَوعِ بيضاً وَأَدرُعا

وَمُنتَجِعٍ أَرضَ العَدوِّ تَخالُهُ

جِبالَ شَرَورى طُلنَ مَيثاً وَأَجرَعا

إِذا وَرَدَت أَنقاعَ ماءٍ وَقيعَةٍ

أَنَشَّت عَلى أُخراهُ بِالماءِ أَجمَعا

إِذا اِنقادَ عُلوِيّاً حَسِبتَ جِيادَهُ

إِكاماً عَليهِنَّ الأَجادِلُ وُقَّعا

مَطَوتَ بِهِ حَتّى اِستَراثَ جِماحُهُ

وَجَعجَعَ بِالبَيداءِ حَسرى وَظُلَّعا

مِنَ القَومِ طاروا في الفَلا كُلَّ طَيرَةٍ

وَمَدّوا إِلى الأَحسابِ بوعاً وَأَذرُعا

إِذا لَبِسوا الرَيطَ اليَماني وَأَقبَلوا

يَجُرّونَ مِنها الشَرعَبِيِّ المُضَلَّعا

حَسِبتَ أَسودَ الغابِ رُحنَ عَشِيَةً

تَخالُ بِهِنَّ البابِليَّ المُشَعشَعا

صِفاحُ خُدودٍ كَالذَوابِلِ طَلقَةٍ

يُبادونَ بِالظَلماءِ لَحماً مُبَضَّعا

وَأَبيَضَ مِن عَليا مَعَدٍّ سَما بِهِ

إِلى السورَةِ العَليا أَبٌ غَيرُ أَضرَعا

كَأَنَّكَ تَلقى وَجهَهُ البَدرَ طالِعاً

إِذا اِبتَدَرَ القَومُ الرِواقَ المُرَفَّعا

فَإِن أُلهِبَت فيهِ الحَفيظَةُ خِلتَهُ

وَراءَ اللِثامِ الأَرقَمَ المُتَطَلِّعا

يَقومُ اِهتِزازَ الرُمحِ خَبَّت كُعوبُهُ

وَيَقعُدُ إِقعاءَ اِبنِ عَيلٍ تَسَمُّعا

ضَمومٌ عَلى الهَمِّ الَّذي باتَ ضَيفَهُ

جَموحٌ عَلى الأَمرِ الَّذي كانَ أَزمَعا

صَليبٌ عَلى قَرعِ الخُطوبِ كَأَنَّما

يُرادينِ طوداً مِن عَمايَةَ أَفرَعا

وَكَم مِثلَهُ يَستَفرِغُ الدَمعَ رُزؤُهُ

وَيوهي صَفاةَ القَلبِ حَتّى تَصَدَّعا

إِذا أَحجَمَ الأَقوامُ دونَ ثَنِيَةٍ

تُجيزُ إِلى بَحبوحَةِ المَجدِ أَطلَعا

تَراهُ الثِفالَ العودَ في حُجَراتِهِ

وَفي كَبَّةِ الرَوعِ الغُلامَ السَرَعرَعا

فَيا بانِياً لِلعِزِّ ثُلَّمَ مابَنى

وَيا راعِياً لِلمَجدِ أُهمِلَ ما رَعى

فَقَدتُكَ فَقدَ الناظِرينِ تُخُرِّما

جَميعاً عَنِ العَينَينِ وَاِختُلِجا مَعا

تَهافَتَ ثَوبُ المَجدِ بَعدَكَ عَن بِلىً

كَأَنَّكَ لَم تَرقَع مِنَ الأَرضِ مَرقَعا

لَئِن بُزَّ هَذا الحَيُّ مِنكَ عِمادَهُ

فَغَيرُ عَجيبٍ أَن يَعِزَّ وَيَمنُعا

فَقَد تَسمَعُ الأُذُنانِ أَوعِبَّ صَلمُها

وَيُدرِكُ أَنفٌ فَغَمَّةَ الطيبِ أَجدَعا

وَإِن يَمضِ نَصلٌ مِن عُقَيلٍ نَجِد لَهُ

مَناصِلَ في أَيدي الصِياقِلِ قُطَّعا

فَما غيضَ ذاكَ الماءُ حَتّى عَلا

الرُبى وَلا اِجتُثَّ ذاكَ الأَصلُ حَتّى تَفَرَّعا

وَإِن يَختَلِسنا ذَلِكَ العَضبَ حادِثٌ

فَمِن بَعدِ ما أَبقى الغِمادَ المُرَصَّعا

مُجاوِرُ قَومٍ أُنزِلوا دارَ غُربَةٍ

إِذا ظَعَنوا لا يُظعِنونَ المُشَيَّعا

وَلا يَستَجِدّونَ اللِباسَ مِنَ البِلى

وَلا يَعمُرونَ المَنزِلَ المُتَضَعضِعا

بَطيؤونَ عَن داعي اللِقاءِ تَخالُهُم

إِذا ما دَعوا يَوماً مُرِمَّينَ هُجَّعا

حَفائِرٌ أَلقى الجودُ أَفلاذَ كِبدِهِ

بِهِنَّ وَخَطَّ المَجدُ فيهِنَّ مَضجَعا

وَحُطَّ بِهِنَّ الرَحلُ تَدمى صِفاحُهُ

كَما أَفرَدَ الحَيُّ الأَجَبَّ المُوَقَّعا

إِجِدُّكَ لا تَلقى لِذا المَجدِ جامِعاً

وَلا لِلمَعالي الغُرُّ بَعدَكَ مَجمَعا

وَكانَ طَريقُ الجودِ عِندَكَ مَأمَناً

فَأَذأَبَ بِالقَومِ اللِئامِ وَأَسبَعا

أَسَيتُ عَلى آلِ المُسَيَّبِ أَنَّهُمُ

بُدورُ المَعالي غارِباتٍ وَطُلَّعا

تَفَرّوا تَفَرّي السَجلِ دُقَّ أَديمُهُ

وَلَمّا يَدَع فيهِ الخَوارِزُ مَرقَعا

مَضوا بَعدَ ما أَبقوا إِلى المَجدِ مَنهِجاً

رُكوباً بِأَعلى غارِبِ الأَرضِ مَهيعا

إِذا وَضَعوا فيهِ أَجازوا إِلى العُلى

وَإِن سارَ فيهِ الناسُ أَرذى وَأَظلَعا

وَلَم يَترُكوا في نَصلِ شَنعاءَ مَضرِباً

وَلَم يَدَعوا في قَوسِ عَلياءَ مَنزَعا

تَغالَتهُمُ أَيدي المَنونِ عَلائِقاً

مِنَ العِزِّ قَد زايَلنَ عاداً وَتُبَّعا

أَخِلّايَ ما أَبقوا لِعَينِيَ قُرَّةً

وَلا زَوَّدوا إِلّا الحَنينَ المُرَجَّعا

وَكانوا عَلى الأَيّامِ مَلهىً وَمَطرَباً

فَقَد أَصبَحوا لِلقَلبِ مَبكىً وَمَجزَعا

كَأَنَّ عُقاراً بَعدَهُم بابِلَيَّةً

تَخالُ بِها في الرَأسِ نَكباءَ زَعزَعا

لَها رَقَصاتٌ في الذَوائِبِ وَالشَوى

تَرُدُّ جَبانَ القَومِ نَدباً مُشَيَّعا

شَرِبتُ بِها شُربَ الظَمِيَّةِ صادَفَت

قَرارَ عُبابيٍّ مِنَ الماءِ مُترَعا

سَقاكُم وَما سَقيُ السَحائِبِ غَمرَةً

مِنَ الجودِ أَمرى مَن نَداكُم وَأَمرَعا

نِشاصُ الثَرَيّا كُلَّما هَبَّ بَرقُهُ

تَذَبذَبَ يُزجي عارِضاً مُتَرَفِّعا

حَدَتهُ مِنَ الغَورَينِ هَوجاءَ كُلَّما

وَنى عَجرَفَت فيهِ فَخَبَّ وَأَوضَعا

تَلُفُّ بِهِ لَفَّ الحُداةِ جَمائِلاً

يُزادُ عَنِ البَيداءِ طَرداً مُدَفَّعا

كَأَنَّ بِقَعقاعِ الرُعودِ عَشِيَةً

عِشاراً يُراغينَ الجُلالَ الجَلَنفَعا

كَأَنَّ اليَمانِيَّ حاكَ في أُخرَياتِهِ

فَأَعرَضَ أَبرادَ الرَبابِ وَأَوسَعا

إِلى أَن تَفَرّى مِن جَلابيبِهِ الصَبا

كَأَنَّ عَلى الجَرباءِ رَيطاً مُقَطَّعا

فَشَقَّ عَلىذاكَ التُرابِ مَزادَهُ

وَخَوّى عَلى تِلكَ القُبورِ وَجَعجَعا

فَبُعداً لِطيبِ العَيشِ بَعدَ فِراقِكُم

فَلا أَسمَعَ الداعي إِلَيهِ وَلا دَعا

وَلا أَسَفاً لَلدَهرِ إِن صَدَّ مُؤيساً

وَلا مَرحَباً بِالدَهرِ إِن عادَ مُطمِعا

وَإِن عَثَرَ الأَحياءُ مِن بَعدِ مَوتِكُم

فَلا دَعدَعاً لِلعاثِرينَ وَلا لَعا