أيعلم قبر بالجنينة أننا

أَيَعلَمُ قَبرٌ بِالجُنَينَةِ أَنَّنا

أَقَمنا بِهِ نَنعى النَدى وَالمَعالِيا

حَطَطنا فَحَيَّينا مَساعيهِ أَنَّها

عِظامُ المَساعي لا العِظامَ البَوالِيا

مَرَرنا بِهِ فَاِستَشرَفَتنا رُسومُهُ

كَما اِستَشرَفَ الرَوضُ الظِباءَ الجَوازِيا

وَما لاحَ ذاكَ التُربُ حَتّى تَحَلَّبَت

مِنَ الدَمعِ أَوشالٌ مَلَأنَ المَآقِيا

نَزَلنا إِلَيهِ عَن ظُهورِ جِيادِنا

نُكَفكِفُ بِالأَيدي الدُموعَ الجَوارِيا

وَلَمّا تَجاهَشنا البُكاءَ وَلَم نُطِق

عَنِ الوَجدِ إِقلاعاً عَذَرنا البَواكِيا

أَقولُ لِرَكبٍ رائِحينَ تَعَرَّجوا

أُريكُم بِهِ فَرعاً مِنَ المَجدِ ذاوِيا

أَلِمّوا عَليهِ عاقِرينَ فَإِنَّنا

إِذا لَم نَجِد عَقراً عَقَرنا القَوافِيا

وَحُطّوا بِهِ رَحلَ المَكارِمِ وَالعُلى

وَكُبّوا الجِفانَ عِندَهُ وَالمقارِيا

وَلَو أَنصَفوا شَقّوا عَلَيهِ ضَمائِراً

وَجَزّوا رِقاباً بِالظُبى لا نَواصِيا

وَقَفنا فَأَرخَصنا الدُموعَ وَرُبَّما

تَكونُ عَلى سَومِ الغَرامِ غَوالِيا

أَلا أَيُّها القَبرُ الَّذي ضَمَّ لَحدُهُ

قَضيباً عَلى هامِ النَوائِبِ ماضِيا

هَلِ اِبنُ هِلالٍ مِنذُ أَودى كَعَهدِنا

هِلالاً عَلى ضَوءِ المَطالِعِ باقِيا

وَتِلكَ البَنانُ المورِقاتُ مِنَ النَدى

نَواضِبُ ماءٍ أَو بَواقٍ كَما هِيا

فَإِن يَبلَ مِن ذاكَ اللِسانِ مَضاؤُهُ

فَإِنَّ بِهِ عُضواً مِنَ المَجدِ باقِيا

يُجيبُ الدَواعي جائِداً وَمُدافِعاً

هُناكَ مُرِمٌّ لا يُجيبُ الدَواعِيا

وَما كُنتُ آبى طولَ لَبثٍ بِقَبرِهِ

لَوَ اَنّي إِذا اِستَعدَيتُهُ كانَ عادِيا

تَرى الكَلِمَ الغُرّاتِ مِن بَعدِ مَوتِهِ

نَوافِرَ عَمَّن رامَهُنَّ نَوائِيا

هُوَ الخاضِبُ الأَقلامَ نالَ بِها عُلىً

تَقاصَرَ عَنها الخاضِبونَ العَوالِيا

مُعيدُ ضِرابٍ بِالِسانِ لَوَ أَنَّهُ

بِيَومِ وَغىً فَلَّ الجُرازَ اليَمانِيا

مَريرُ القُوى نالَ المَعالِيَ واثِباً

إِذا غَيرُهُ نالَ المَعالِيَ حابِيا

مَضى لَم يُمانِع عَنهُ قَلبٌ مُشَيَّعٌ

إِذا هَمَّ لَم يَرجِع عَنِ الهَمِّ نابِيا

وَلا مُسنِدوهُ بِالأَكُفِّ عَنِ الحَشى

عَلى جَزَعٍ وَالمُفرِشوهُ التَراقِيا

وَلا رَدَّ في صَدرِ المَنونِ بِراحَةٍ

يَرُدُّ بِها سُمرَ القَنا وَالمَواضِيا

خَلا بَعدَكَ الوادي الَّذي كُنتَ أُنسَهُ

وَأَصبَحَ تَعروهُ النَوائِبُ وادِيا

أَراحَت عَلَينا ثَلَّةُ الوَجدِ تَرتَعي

ضَمائِرَنا أَيّامَها وَاللَيالِيا

وَلولاكَ كانَ الصَبرُ مِنكَ سَجِيَّةً

تُراثاً وَرِثناهُ الجُدودَ الأَوالِيا

رَضيتُ بِحُكمِ الدَهرِ فيكَ ضَرورَةً

وَمَن ذا الَّذي يَغدو بِما ساءَ راضِيا

وَطاوَعتُ مَن رامَ اِنتِزاعَكَ مِن يَدي

وَلَو أَجِدُ الأَعوانَ أَصبَحتُ عاصِيا

وَطَأمَنتُ كيما يَعبُرَ الخَطبُ جانِبي

فَأَلقى عَلى ظَهري وَجَرَّ زِمامِيا

مَلَأتَ بِمَحياكَ البِلادَ فَضائِلاً

وَيَملَأُ مَثواكَ البِلادَ مَناعِيا

كَما صَمَّ عالي ذِكرِكَ الخَلقَ كُلَّهُ

كَذاكَ أَقَمتَ العالَمينَ نَواعِيا

رَثَيتُكَ كَي أَسلوكَ فَاِزدَدتُ لَوعَةً

لِأَنَّ المَراثي لا تَسُدُّ المَرازِيا

وَأَعلَمُ أَن لَيسَ البُكاءُ بِنافِعٍ

عَلَيكَ وَلَكِنّي أُمَنّي الأَمانِيا