كذا يهجم القدر الغالب

كَذا يَهجُمُ القَدَرُ الغالِبُ

وَلا يَمنَعُ البابُ وَالحاجِبُ

تَغَلغَلَ يَصدَعُ شَملَ العُلى

كَما ذَعذَعَ الإِبِلَ الخارِبُ

وَقَد كانَ سَدَّ ثَنايا العَدوِّ

فَمِن أَينَ أَوضَعَ ذا الراكِبُ

وَهابَت جَوانِبَهُ النائِباتُ

زَماناً وَقَد يُقدِمُ الهائِبُ

طَواكَ إِلى غَيرِكَ المُعتَفى

وَجاوَزَ أَبوابَكَ الراغِبُ

وَهَل نَحنُ إِلّا مَرامي السِهامِ

يَحفِزُها نابِلٌ دائِبُ

نُسَرُّ إِذا جازَنا طائِشٌ

وَنَجزَعُ إِن مَسَّنا صائِبُ

فَفي يَومِنا قَدَرٌ لابِدٌ

وَعِندَ غَدٍ قَدَرٌ واثِبُ

طَرائِدُ تَطلُبُها النائِباتُ

وَلا بُدَّ أَن يُدرِكَ الطالِبُ

أَرى المَرءَ يَفعَلُ فِعلَ الحَدي

دِ وَهوَ غَداً حَمَأٌ لازِبُ

عَواريُّ مِن سَلَبِ الهالِكينَ

يَمُدُّ يَداً نَحوَها السالِبُ

لَنا بِالرَدى مَوعِدٌ صادِقٌ

وَنَيلِ المُنى واعِدٌ كاذِبُ

نُصَبِّحُ بِالكَأسِ مَجدوحَةً

وَلا عِلمَ لي أَيُّنا الشارِبُ

حَبائِلُ لِلدَهرِ مَبثوثَةٌ

يُرَدُّ إِلى جَذبِها الهارِبُ

وَكَيفَ يُجاوِزُ غاياتِنا

وَقَد بَلَغَ المَورِدَ القارِبُ

لَقَد كانَ رَأيُكَ حَلَّ العِقالِ

إِذا طَلَعَ المُعضِلُ الكارِبُ

وَقَد كانَ عِندَكَ فَرجُ المَضيقِ

إِذا عَضَّ بِالقَتَبِ الغارِبُ

يَفيءُ إِلَيكَ مِنَ القاصِياتِ

مُراحُ المَناقِبِ وَالعازِبُ

فَيَومُ النُهى مُشرِقٌ شامِسٌ

وَيَومُ النَدى ماطِرٌ ساكِبُ

فَأَينَ الفَيالِقُ مَجرورَةً

وَقَد عَضَّلَ اللَقَمُ اللاحِبُ

وَأَينَ القَنا كَبَنانِ الهَلوكِ

بِماءِ الطُلى أَبَداً خاضِبُ

كَأَنَّ السَوابِقَ مِن تَحتِها

دَبىً طائِرٌ أَو قَطاً سارِبُ

لَها قَسطَلٌ كَنَسيجِ السَدوسِ

بِهامِ الرُبى أَبَداً عاصِبُ

وَمَلبونَةٍ في بُيوتِ الغُزِيِّ

يُقَدِّمُ إِغباقَها الحالِبُ

نَزائِعَ لا شَوطُها في المُغارِ

قَريبٌ وَلا غَزوُها خائِبُ

فَسَرجُ وَغىً ما لَهُ واضِعٌ

وَجَيشُ عُلىً ما لَهُ غالِبُ

وَكُنتَ العَميدَ لَها وَالعِمادَ

فَضاعَ الحِمى وَوَهى الجانِبُ

فَماذا يُشيدُ هُتافُ النَعيِّ

فيكَ وَما يَندُبُ النادِبُ

أَمَدَّت عَلَيكَ القُلوبُ العُيونَ

فَلَيسَ يُرى مَدمَعٌ ناضِبُ

أَرى الناسَ بَعدَكَ في حَيرَةٍ

فَذو لُبِّهِم حاضِرٌ غائِبُ

كَما اِختَبَطَ الرَكبُ جِنحَ الظَلامِ

وَقَد غَوَّرَ القَمَرُ الغارِبُ

وَلَمّا سَبَقتَ عُيوبَ الرِجالِ

تَعَلَّلَ مِن بَعدِكَ العائِبُ

وَلَم أَرَ يَوماً كَيَومٍ بِهِ

خَبا مَثقَبٌ وَهَوى ثاقِبُ

تَلومُ الضَواحِكَ فيكَ البُكاةُ

وَيَعجَبُ لِلباسِمِ القاطِبُ

سَقاكَ وَإِن كُنتَ في شاغِلٍ

عَنِ الريِّ داني النَدى صائِبُ

مُرِبّاً إِذا مَخَضَتهُ الجَنوبُ

أَبَسَّت بِهِ شَمأَلٌ لاغِبُ

يَجُرُّ ثَقائِلَ أَردافِهِ

كَما بادَرَ القِرَّةَ الحاطِبُ

كَسَوقِ البَطيءِ بِسَوطِ السريعِ

يَنوءُ وَيُعجِلُهُ الضارِبُ

يُصيبُكَ بِالقَطرِ شَفّانُهُ

كَما قَرَعَ الجَمرَةَ الحاصِبُ

وَلَولا قِوامُ الوَرى أَصبَحَت

يُرِنُّ عَلى صَدعِها الشاعِبُ

وَباتَت وَقَد ضَلَّ عَنها الرُعاءُ

مُحَفَّلَةً ما لَها حالِبُ

وَساقَ العَدوُّ أَضاميمَها

وَما آبَ مِن طَردِها آيِبُ

وَما بَقِيَ الجَبَلُ المُشمَخِرُّ

فَما ضَرَّنا الجَبَلُ الواجِبُ

وَما يُنقِصُ الثَلمُ في المَضرِبَينِ

إِذا اِهتَزَّ في القائِمِ القاضِبُ

بِمِثلِ بَقائِكَ غَيثَ الأَنا

مِ يَرضى عَنِ الزَمَنِ العاتِبُ

لَهانَ عَلَينا ذَهابُ الرَديفِ

ما بَقِيَ الظَهرُ وَالراكِبُ