سمج الزمان وأوحش البلد

سَمُجَ الزَّمانُ وأوحش البلدُ

فكأنّما هو ما به أَحدُ

والنّاسُ في ضيق المصُيبة ما

وسِعتهم نَزْوى ولا سَمَدُ

فقَدوا العزيزةَ من بني حسن

فتبّلدوا بمصابِ من فقدوا

وعليهم الأحزانُ ظاهرة

والوَجْدُ والحسرات والكمَدُ

وعيونهم بالدمع جاريةٌ

فكأَنها العُوّارُ والرَّمَدُ

وتقطّعت من مشفِقٍ حيلٌ

وتصدّعت من مُحرقِ كَبدُ

ما جفَّ جفن من أَقاربها

والأجنبيين ولا خلا جَلَدُ

بصبَابة عَبراتُها دِررٌ

وكآبةٍ زفراتُها تَقِدُ

وبكا إِذا جرت الصّبا سَحراً

وإذا تغنى الطائرُ الغَرِدُ

فمن الرّجال غطارفٌ نجبٌ

ومن النساء كواعبٌ خردُ

فُجعوا بسيدة الأَنام نَدًى

وتُقى وفيها الحلمُ والرّشدُ

ويمينُها بالفضل جارية

للجار والقربى ومن يَفِدُ

والجودُ عادتُها وشيمَتُها

والبرُّ والحَسنات والرّفدُ

زالت عن الضُّعفاءِ رحمتُها

فَرأوا وذاقوا غير ما عَهدوا

ويَح اليتامى والأراملِ ما

أبقى لهم سَبَد ولا لبدُ

ذهبَ الرّجاءُ وغاب بشرهُم

وعلاهُم البأساءُ والثكدُ

عَدموا العزيزةَ ثم لو طلَبوا

مثلا لها في الأرض ما وجدوا

بقيت فضائلها وسيرتُها

من غاب إلاّ الرّوح والجسدُ

لهفي تلك المحاسن في

بطن الصّعيد يضمها اللّحدُ

من تحتها للترب مفترش

ومن الجنادل فوقها نضدُ

هذا سبيلُ بني الزّمان وقد

يبلى الورى وصروفه جُدُد

والدَّهر في حِدثانه عِبَرٌ

تمضي السنونَ وتنفَدُ الُمدَدُ

ولكل حي ينقضي أَجلٌ

ولكلِّ أَمر ينتهي أَمدُ

أين الجبابرةُ الذين طَغوا

في ملكهم وبعزهم مَرَدُوا

لهم القصورُ الشُّمّ شامخةً

والخيلُ والأنصارُ والعَدَدُ

من كلِّ من في خدّه صَعرٌ

لعُتو وبأنفه صَيَدُ

بطَشوا وعاثوا في البلاد وهم

سامُوا الرّجال الخسفَ واضطَهدوا

حتى إذا بلغَ المدى بهمُ

ورَدوا جمام حياضه ورَدُوا

هلكت ثمودُ وعادٌ انقرِضت

وأَباد قوم تبّع الأَبدُ

وكذلك لقمانُ الذي فنيت

عنه النّسور وخانه لُبَدُ

ثم الأَكاسرة الأولى كثرت

لهم الكنوز فما بها خلدوا

كل امرءٍ لاقى منيّته

ما لامرئ عن وردها حَيَدُ

لكن شجانَا فقدُ سادتنا

فانهدّ منّا الصّبْرُ والجَلدُ

أودت من الكرماء سيدَةٌ

وكانت يلاذُ بها ويُعتَمَدُ

وهي العزيزة في عشيرتها

لم يخذْلوا عنها ولا بعُدُوا

وهم الأَعزة كلهم نُجبٌ

صبرُ شدادٌ في الوغى نُجُدُ

رَكبوا متونَ الخيل عاديةً

عادتُها الغاراتُ والطّردُ

والبيضُ والسّمرُ اللّذان لهم

منصوبةٌ والبيض والزّرَدُ

وبنوا زياد الأَكرمون لها

أهل ومن مضر لها عددُ

أبو سعيد النّافعيّ أبٌ

ومحمّد بنُ معمّر وَلدُ

السّيد الحامي الذّمار كما

يحنو على أشباله الأُّسدُ

وهو المبرَزّ في سماحته

يهب اللّهى ويفي بما يَعِدُ

وذَراه للوفادِ منتجعَ

وحماه للخَواف مُستندُ

ونراه بين النّاس وهو بما

فيه من الأَخلاق مُنفَردُ

وبمجدِه وبجوده اعترفوا

وله بكل فضيلة شَهدوا

وإذا هُم قصدوا لعائدَةِ

وجَدوا النجاح لما به قصدوا

لمحمد بن معمر قدمٌ

تَعلو العُلى وعلى المُلوك يَدُ

أبقى أبو عمَر له حسباً

فلصونهِ يسعى ويجتهدُ

في كل يوم يستفيد عُلىً

ولجَدّهِ في مَجدِه صَعَدُ

أبداً له يوم يزيدُ على

أمس ويعدو بالمزيد غَدُ

صبراً أبا عبد الإله عَلى

مكروه ما تلقى وما تجدُ

إنْ تبكِ أو تجزْعْ لسّيدة

فقدت فلا عجبٌ ولا فَنَدُ

أو تصطبرْ فالصّبرُ مكرمةٌ

وعبادةٌ اللهِ تعتمدُ

لو شاءَ ربُّكَ لم يُصبك أَذى

وشجاً عداك الهَمُّ والشَّهَدُ

واسلم أَبا عبد الإله وعِشْ

عيشاً به السّرآءُ والرَّغدُ

واعْذُرْ حسودَك في عَداوتهِ

لولا الفضيلةُ لم يكن حَسَدُ

حَسدوك إذ وَجدوك افضَلهم

لا انكروا شرَفاً ولا جحَدوا

مَنْ منكرٌ شرفَ العتيك ومَن

مُخفٍ فضائل ما به حُمِدوا

عيدانُ وعلى مجدٍ ما بها خورٌ

وقناةُ عزّ ما بها أَوَدُ

وعلى دعائمها سوابقهم

ولها العواسل والظّبا عَمَدُ

غَمرتهم أَيدي بني عمرٍ

كلٌ لكلٍ منهم عَضُدُ

وعلى عزيزتك السّلامُ لها

منه على طول المدى مَدَدث

وسَقى الغمائمُ ترابها وعفى

عنها المليك الواحدُ الصّمدُ

وبقيت تحبوُ الناس سألوا

براً وتصلحهم إذا فسدوا

وإليكم مثلَ العَروسِ فَقد

زُفَّت إليك أَوابدٌ شُرُدُ