لا اللهو شاب ولا عهد الصبا درسا

لا اللّهو شابَ ولا عهدُ الصّبا دَرسا

ففيم يُضْمر قلبي لوعةً وأسى

ما عَرَّسَ الهَمُّ في قلبٍ يزفّ لهُ

في كلِّ يومٍ لأَبكار المُنى عُرسَا

ولن يُصيبَ سروراً غير مجتلَبٍ

باللّهو من لم ينعّم جسمُه بِئسا

فاغْنَمْ زمانك إنَّ العيشَ أرْغدُه

ما كان من غفلات الدّهر مخْتَلسَا

يسْلو الحزين إذا ما نشْوَةٌ حدثت

حتى إذا ما صحا من سكرة نكسَا

يا حبّذا بهجة الرّيعان جاعلةٌ

من الأنيس لغزلان الفلا أنسا

ودرَّ درُّ نديم هبٌ يحسب أن

قد ضاع من عمره في الليل ما نغسا

واللّيل قد مُزّقت منه جلاببُه

واستشعر الأفقُ عند السُّحرة الغلسَا

ترشفَ التربُ من طَلَّ النَّدى بللاً

واستنشق الرّوض من ريح الصّبا نَفَسا

وأعينُ الزَّهر والنُّوار شاخصةٌ

فيهن لؤلؤ دمعِ العَين قد قَرَسا

وذو ذوائبَ تجني من عوارضهِ

عَلا ومن شفتيه الظَّلم واللَّعَسا

يسعى بصفراء في الإبريق تحسبهُ

من لونها في دَم الجريال قد غُمَسا

إذا النّديم من السّاقي تناولها

أهدى إلى فمه من كفه قبَسا

ما ينصف الكاس مرتاحاً ليشربها

حتّى إذا ضحكت في وجهه عَبَسا

يا حبذا الرَّاح تنفي حقدَ شاربها

برقة القلب إن بعض القلب قَسَا

وربما أحدثت في نفسه طرباً

وربما أورثته سَلوة وأسَى

كأنَّ فيها سَجايا من بني عمرٍ

غُرُّ طواهِرُ لما تعرف الدُّنَسَا

أنظر إلى القمرين الزَّاهرين إذا

ذهلٌ ويعربُ ما بين الملا جَلَسَا

كلاهما سيدٌ صَلتُ الجبين له

وجهُ كريمٌ بيُمن الله قدْ غَرَسا

سهلُ الخليقة في ناديّه جَذَلٌ

يوم الكريهة يُلفى بأسلاشَهِسَا

ماضي الجنان غُداة الرَّوع تبصره

لشاً يغادر ليثَ الغاب مُفْترسَا

أنطقتُمُ الشّعْر قدماً يا بني عُمَرٍ

يُثْني عليكم ولولا جودكم خَرسَا

جادت غمائمُ جَدواكم فما تركت

في مطْلَب وسؤال موضعاً لَبسَا

وأنتم كرماً أظهرتم عَلماً

للْمَجد والجود لولا سعيكم طُمسَا

يُرجَى حباكم ويخشى من صواعقكم

يوماً إذا عارض من أفقكم حَبسَا

يهديكم للمعالي نورُ فضلكم

وفي الحضيض لئام تخبط الدَّلسَا

تسعى الجوارح في مرسوم أمركم

كأن في كل عضوٍ حُبّكم غُرَسا

يا أيّها السيّدان الماجدان لقَد

أولتُماني براً واسعاً سَلِسا

قد عاد عُود يساري من نوالكم

ريَّان غَضًّا ولولا ذاكما يبسا

ألبستماهُ بميسُور الغنى ورقاً

فظلّ يهتَزُ في مخضَرّ ما لبسَا