هل أذكرتك العهد بعد تناسي

هَلْ أذْكَرَتْكَ العَهْدَ بَعدَ تَنَاسِي

دِمنٌ تَقَادَمَ عَهدُهَا بِالناسِ

إنْ كَنْتَ تَجْحَدُ مَا لَقِيتَ فَإنَّني

رَهْنُ الأسَى أوْ كُلِّ قَلبٍ قَاسِي

وَلَئِنْ نَسِيتَ الظَّاعِنِينَ وَقَدْ مَضَوْا

يَومَ النَّوَى فَرَقاً فَلَسْتُ بِناسِي

هَذي المَنَازِلُ أقفَرَتْ مِنْ بَعدِهِمْ

وَلَطَالَمَا مُلِئَتْ مِنَ الإينَاسِ

كَانُوا الضّيَاءَ لَهَا وَلَمَّا أدلَجُوا

طَلَعَ الظَّلامُ لغَيْبَةِ النِّبرَاسِ

يَجِدُ الجَمَادُ عَلَى العَشِيرِ كَآبَةً

غُلِبَ المَشُوقُ فَكَيْفَ بِالحَسّاَسِ

مَنْ مُخْبِرِي عَنْ سَيرِهِمْ أوسَوْمِهِمْ

فِي أيّ نَاحِيَةٍ وَأيّ مَواَسِ

وَمَتَى يَكُونُ إيَابُهُمْ وَأظُنُّهُمْ

لاَ يَرجِعُونَ لآخِرِ الأحْرَاسِ

وَأوَدُّ لَوْ سَمِعُوا حَدِيثاً دَارَ فِي

خَلَدِي بَخُلْتُ بِهِ عَنِ الجُلاَّسِ

مَا لِي أغَالِطُ بِالسُّلُوّ وَقَلَّمَا

وَقَفَ العَلِيلُ لِصَكَّةِ المِقْيَاسِ

وَالهَمُّ يَغْلِبُ مَنْ يُحَاوِلُ سَتْرَهُ

حَتَّى يُغَيِّبَهُ عَنْ الإحْسَاسِ

وَمَنِ اٍسْتَمَالَ إلَى اللَّيَالِي آمِناً

ضَرَبَتْ لَهُ الأخمَاسَ لِلأسْدَاسِ

وَالحَيُّ عُرْضَةُ كُلّ سَهْمٍ صَائِبِ

وَمَصَائِبُ الدُّنيَا عَلَى أجْنَاسِ

وأنَا الذِي عَايَنْتُ مِنْ أوجَاعِهَا

فَطَعِمْتُ مِنهَا لَدغَةَ الدَّسَّاسِ

وَالشَّيءُ يُخْبِرُ عَنْ حَقيقَةِ أمرِهِ

مَن ذاقَهُ نَصاً بِغَيْرِ قِياسِ

وَهْيَ الدَّواَهِي مُرَّةٌ وَأمْرُّهَا

مَوتُ الشَّقِيقِ الطَّيِّبِ الأنفَاسِ

ذَهَبَ الأمِيرُ مُحَمَّدٌ وكَأنَّهُ

لَمْ يَعْلُ فَوقَ مَرَاتِبٍ وَكَرَاسِي

أو أنَّهُ لَم يَسْمُ فِي طَلَبِ العُلَى

حَتَّى ألاَنَ الصَّعْبَ بَعْدَ شِمَاسِ

مِنْ أينَ أدرَكَهُ الحِمَامُ وَدُونَهُ

حَرَمُ السِّلاحِ وَحَوْمَةُ الحُرَّاسِ

أتَغَافَلَ البَوَّابُ أمْ سَبِقَتْ لَهُ

قَبلَ الهُجُومِ يَدٌ مَعَ العَسَّاسِ

جَهِلَ الزَّمَانُ وَلَو دَرَى بِمَقَامِهِ

مَا سَاقَهُ قَسْراً إلَى الأرمَاسِ

صَعْبٌ عَلَى الأيَّامِ أن يُرأى لَهَا

جَبَلٌ مِنَ الحِلمِ المُقَدَّسِ رَاسِي

قَدْ كَانَ طَلاَّعَ الثَّنَايَا خَيِّراً

عَوناً على الأزَمَاتِ خَيرَ مُواسِي

حَرِداً عَلَى الوَاشِينَ لَيسَ يَهُزُّهُ

لِلمُوبِقَاتِ مَكَايِدُ الوَسْواسِ

يَبكِي لَهُ الأدَبُ القَرِيضُ وَأهلُهُ

وَعَوَامِلُ الأقلام وَالقِرطَاسِ

وَالسَّيْفُ مُلتَفِتٌ إلَى إيضَائِهِ

وَالخَيْلُ تَائِقَةٌ إلَى الأحْلاَسِ

كَادَتْ عُرَى الإسلاَمِ تُنقَصِ بَعدَهُ

لَولاَ مُقِيمُ الدَّينِ بِالقِسطَاسِ

خَيرُ الخَلائِقِ صِنْوُهُ وَقَسِيمُهُ

وَقْتَ الرَّخَاءِ وَضِيقِِ حَرّ البَاسِ

مَا أخلَقَ المُلْكَ العَلِيَّ عِمَادُهُ

بِعَلِيٍّ الشَّهْمِ النَّزِيهِ البَاسِ

نَاهٍ عَنِ اتيَانِ المَنَاكِرِ آمرٌ

بِالعُرْفِ لاَ سَاهٍ ولاَ نَعَّاس

المُلْكُ يَعْلَمُ أنَّهُ بِعِنَايَةٍ

يُمْسِي وَيَصبِحُ فِي أعَزّ لِبَاسِ

يَا مَنْ يَعْزُّ عَلَى المَعَالي أنْ يُرَى

قَلِقاً منَ الزَّمَنِ المُسِيءِ الجَاسِي

مَا مَاتَ مَنْ كُنتَ الخَلِيفَةَ بَعدَهُ

مُحيِي الحَيَا بِالأرْبُعِ الأدْرَاسِ

إنَّ المَنَايَا لاَ تَرِقٌّ لِجَازِعٍ

فَتَرُدُّ فَائِتَهُ عَقِيبَ اليَاسِ

فَهْيَ الَّتِي مَرَدَتْ عَلَى حُكَامِهَا

مِنْ كُلِّ ذِي قَلَمٍ وَذِي قِرطاسِ

فَجَعَتْ مُتَمِّماً الأسِيفَ بِمَالِكٍ

وَنَعَتْ بِصَخْرٍ مَرَّةً لِخُنَاسِ

وَأذاقَتْ النُّعمَانَ سُمَأ نَاقِعاً

وَسَقَتْ كُلَيباً مِنْ يَدَيْ جِسَّاسِ

وَتَتَابَعَتْ فِي تُبَّعٍ وَسَطَتْ عَلَى

سَيفِ ابنِ ذِي يَزَنٍ وَذِي نُوَّاسِ

وَشَجَتْ أمَيَّةَ في بَنيِهِ وَعَبَّسَتْ

لأولِي النَّباهَة مِنْ بَنِي العَباسِ

وَلآلِ أغلَبَ مَا رَعَتْ وَتَرَصَّدَتْ

لِبَنِي عُبَيدٍ سَاعَةَ الإبْلاَسِ

وَقَضَتْ عَلَى لَمْتُونَة وَتَقَلَّبَتْ

بِقَبِيلِ عَبدِ المُؤمِنِ الهِرمَاسِ

وَلَقَى بَنو زَيَّانَ مِنْ أوصَابِهَا

وَبَنُو مَرِينٍ شِدَّةَ فِي بَأسِ

وَهَوَتْ بِأملاكِ الطَّوائِفِ بَعْدَمَا

سَقَطَ الخَلاَئِفُ في فضَا البُرْناس

وَرَمَتْ بَنِي حَفْصٍ بِكُلّ رَزِيَّةٍ

ذَهَبَتْ بِهِمْ فِي دَامِرِ الأمْلاَس

وَهَلُمَّ جَرَا لَمْ يَصُنْ مِنْ بَكْتِهَا

حِصْنُ السُّيُوفِ وَلاَ حِمَى الأتْرَاسِ

وَلأنْتَ أفْضَلُ مُذْعِنٍ لِمَقَالَةٍ

جَاءَتْ بِهَا تَعزِيَّةُ الأكْيَاسِ

اصبِر نَكُنْ بِكَ صَابِرِينَ فَإنَّمَا

صَبْرُ الرَّعِيةِ عِنْدَ صَبْرِ الرَّاسِ

خَيْرٌ مِنَ العْبَّاسِ أجْرُكَ بَعدَهُ

وَاللهُ خَيْرٌ مِنْكَ لِلْعَبَّاسِ