أراجعة لي عيشة الزمن النضر

أراجعة لي عيشة الزمن النضر

وعيش تقضى في كنانة والنظر

ليالي ريعان الشبيبة مقبل

وغصن الصبا يهتز في ورق خضر

رعى الله أيام الصبابة والصبا

وعصرهما أكرم بذلك من عصر

وعالية الأنساب عالية الهوى

ينيف بها فرع الذؤابة من فهر

سريت إليها والدجنة أضلع

حنتها يد الظلماء مني على سر

عثرت بأطراف الفنا حول خدرها

وكم خادر عن جانبي ذلك الخدر

وأيدني قلب وعزم كأنما

يقدان من حد المهند والصخر

وعلمني تاج الخلافة في السرى

ركوب الطريق السهل في المسلك الوعر

وعرفني معنى الشجاعة والندى

بخوض غمار الموت والنائل الغمر

جزيل الندى والبأس تمسي بنانه

مقسمة بين الصواعق والقطر

يسرك أن تلقى به الألف وحده

إذا غلبت غلب الرجال على الصبر

سما قدره عن كل خلق وشيمة

فما الزهر إلا من خلائقه الزهر

كأن العلى من قبل ورد عقيمة

فليس لها يا ورد غيرك من بكر

كريم له من آل رزيك إمرة

نما فرعها من دوحة المجد والفخر

يعدون ذخراً لكل ملمة

وأكرم به عند الملمات من ذخر

حسامهم الريان من علق الطلى

ورمحهم الظامي إلى علق الصدر

نشا من ربوع الملك في حجراتها

وربي من دست الوزارة في حجر

فجاء حقيق العزم بالمجد والعلى

وجاء خليق العزم بالنهي والأمر

ونمت عليه زاكيات أصوله

كما نم بالإصباح معترض الفجر

وساد من الأملاك كل مسود

وقاد جيوش المسلمين إلى الكفر

وطول باع الأسر والقتل في العدى

وفك بنعماه الرقاب من الأسر

ومن عجب أن المنايا تطيعه

إذا شاء في زيد وإن شاء في عمر

وتبدي له العصيان في مهجة ابنه

لقد بالغت في شيمة اللؤم والغدر

تولت ضرغام بن بدر وإنه

لأمنع في الإمكان من بيضة العقر

مضى الأكرم المأمون حين تطلعت

إليه عيون الوفد والعسكر المجر

ولاحت لهم في مخائل سؤدد

يخبرهم عن صدقها كرم النجر

فلله من غصن نضير وكوكب

منير وبدر غاب في غرة الشهر

وجوهرة من أنفس الدر لم تجد

لها صدفاً بعد التشظي سوى القبر

لئن نقص المقدار قدر حياته

لقد مات موفور الجلالة والقدر

ومن طال شرح المادحين لفضله

فما ضره أن مات مختصر العمر

كأن الليالي استشعرت سوء فعلها

وإن ضاق عن تقصيرها سعة العذر

فعوضه بابن ثلاثة أخوة

وقد يستفاد الربح من موضع الخسر

أتت بهم الأيام جبراً لكسرها

فيا لك من كسر ويا لك من جبر

سروا من بلاد الشام نحوك نجعة

كما انتجع الأسباط يوسف في مصر

قضية حال تقتضي نيل رتبة

يلم بها حكم العيافة والزجر

وما أنت إلا الكف تسطو على العدى

وهم قوة فيها كأنملك العشر

وقد أيد الرحمن موسى كليمه

بهارون لما قال أشركه في أمري

وقد عمر الإنعام والبأس ذكرهم

بأندية خضر وألوية حمر

وساروا إلى غايات كل فضيلة

بسيرتك الحسنى وأفعالك الغر

وهزوا أنابيب القنا حول ضيغم

يرشحهم للكر في ساعة الفر

مهيب السطى أضحت نوائب دهره

خواضع لا تسطو بناب ولا ظفر

إذا نزلت ثغر المخافة خيله

أزالت شعار الخوف عن ذلك الثغر

وإن خفقت راياته خفقت لها

قلوب أعاديه من الخوف والذعر

وكم غارة مسودة النقع أسفرت

وقائعه فيها عن العز والنصر

ومعترك ضنك المجال تكفلت

له البيض فيها بالغناء عن السمر

فتى حاز إحساناً وحسناً ونجدة

ثلاث خلال الغيث والليث والبدر

وضمنت شعري في مناقب مجده

ثلاث خلال الخمر والسحر والشعر

دعاني إلى مدحي لورد خلائق

زرعن له حب المحبة في صدري

وسابق إحسان مطلت بشكره

ولم أقض فيه واجب الحمد والشكر

ومن نثر الإحسان والبشر لم يفت

مناقبه مستحسن النظم والنثر

وما أدعي مدحاً يقوم بشكره

علي ولكني مدحت به شعري

ولازال شهر الله أسعد قادم

عليه بأعمال المثوبة والبر

توقره عند القدوم تواضعاً

وتوقره عند الرحيل من الأجر