حديث عادي عن السرطان

(1)

كلما تذكرنا صديقاً راحلاً لاحظنا أنه أصيب به.

أترى؟ لا أحدٌ يموتُ في محيطنا هذه الأيام بغير السرطان، إنه طاعونُ العصر وسيفُه الحاصدُ.

قلتُ هذا للصديق الذي أخبرني عن صديقٍ آخرَ تسللَ إليه السرطانُ وهو يفكرُ بمنظورٍ أهلي للصحراء.

قال إن صديقنَا المشتركَ شعرَ فجأةً بصداعٍ غيرِ عاديٍ فأخذوه إلي المستشفي فوجدوا الورمَ الخبيثَ متمكناً من الدماغ فاستأصلوه، ثم أخضعوه للعلاج الكيماوي الذي حَتَّ شَعْرَ رأسه ورموشَه وحاجبيه حتى صار له وجهُ طفلٍ رضيعٍ معتلٍ، ثم مات صامتاً، محدقاً بمن حوله بذهولٍ غيرِ مصدقٍ أن الأمر كلَه بدأ بصداعٍ زائدٍ عن الحد قليلاً.

صَمَتَ ثم قال: أتدري أن أخي الأكبرَ ماتَ بالسرطان في الأربعين من العمر؟

فأخبرتُه أن أمي أيضاً، باغتها السرطانُ مرتين، الأولي في حدود الخمسين فأمهلها عشرَ سنين ثم صارعته في الثانية سبعةَ أشهرٍ من دون أملٍ يذكرُ، والمشكلةُ أنني قرأتُ لا أدري أين أن الإنسانَ يموتُ كما يموتُ أهلهُ.

تهيأ لي أنه تَحَسَّسَ رأسهَ فقلتٌ له بما أنك تجاوزت الأربعين فمن الجائزِ أن لا تنطبقَ عليك القاعدةَ، أما أنا فالاحتمالُ ما يزال يُدوّزنُ أوتاره الرهيبة أمامي.

سألني كيف أحبُ أن أموت. فقلتُ له: بالقلب، وأنا نائمٌ علي سريري وفي الصباح يجدونني ميتاً.

فوافقني الرأيَ قائلاً إن السكتةَ القلبيةَ هي، علي ما يبدو، الطريقُ الأقصرُ والأقلُ ألماً للموت، فليست لدي شجاعةُ أخي الذي رفضَ العلاجَ الكيماويَ وظل بكامل شعره يدخنُ إلي أن لفظَ أنفاسَه الأخيرة.

صَمَتَ فترةً أطول ثم قال: هل أنت متأكدٌ أن الإنسانَ يموتُ كما يموتُ أهلُهُ؟

فقلتُ: لا أدري!

(2)

لست متأكداً أيضاً أن الشعراءَ قادرون علي التنبؤ بموتهم رغم أن سيزار فاليخو ماتَ في باريسَ وفي يومٍ ماطرٍ، تماماً، كما تنبأ بقصيدته حجرٌ أبيضُ علي حجرٍ أسودَ ، وأنا أتوقعُ في هذه القصيدةَ التي أكتبُها الآن أن أموت بلندنَ في يومٍ ماًطرٍ (يومٍ ماطرٍ في لندن؟ يا لها من نبوءة!) موصياً، منذ اللحظةَ، أن أدفنَ بالمفرق قربَ أمي التي ماتتً وهي مقتنعةٌ أنه لن يضمَنا حيزٌ ذات يوم.

فالجميع يعلمُ أنها ستذهبُ إلى الجنة التي لن تطأها قدماي!