الشاعر

خَلِّياهُ يَنحْ على عَذَباتِهْ

ويَصُغْ من دُموعه آياتهُ

ويُرَتلْ ألحانه بخشوع

مُستمدّاً من العُلى نَغَماتهْ

لا تُثيرا به كمائنَ صدرٍ

رَدَّدَتها الأحزانُ في أبياتِهْ

ورواها فمُ الزَّمانِ بشَجْوٍ

فحسبْنا بَناتِهِ من رُواتِهْ

ثم جارَتْ بَغياً وعَقَّتْ أباها

غيرَ هَيأبَةٍ أذى سَخَطاتِهْ

فاستطالتْ من غير ذنبٍ عليهِ

واستباحتْ بصَرْفِها عَزَماتِهْ

ورَمتهُ في مَهدهِ بالرزايا

وجَزتْهُ الأسى على حسناتِهْ

فجرى والأسى وليدَيْنِ حتى

أدركَ الكُنْهَ من مَطاوي عظاتهْ

والأسى مَنْهَلُ النفوسِ اللواتي

لم يَرُضها الزمانُ في نَكباتِهْ

وتَوارى عن العِيان وأمسى

في مُصَلاّهُ يَشتكي عَثراتِهْ

وعِتابُ الأيام شِبهُ صلاةٍ

فاتركاهُ مُستغرقاً في صَلاتِهْ

واجثُوَا قيدَ ظِلهِ بسكونٍ

وأصيخا لبثّهِ وشَكاتهْ

هَيكلٌ يبعثُ القنوطَ إلى القَلـ

ـب بما لاحَ من جَليّ صِفاتهْ

مَنْ يحدّقْ إليه يُبصرْ ملاكاً

نُورُهُ ساطعٌ بكلِّ جهاتهْ

باسطاً كَفَّهُ يُناجي مليكاً

خاشِعَ الطرف من جلالةِ ذاتهْ

كَتَبَ البؤسُ فوق خَديهِ سطراً

تتراءى الآلامُ في كلماته:

للهوى قلبُهُ، وللشجوِ عَينا

هُ ، وللعالمينَ كلُّ هباتِهْ

وهو نهبٌ لحادثاتِ الليالي

وحلالٌ للدهر قرعُ صَفاتهْ

ينطوي في سبيل أبناءِ دنيا

هُ ويلقى من دهرهِ نائباتهْ

بفؤادٍ واهٍ وصدرٍ رحيبٍ

وادعٍ، غير صاخبٍ من أذاتِهْ

يَتلقّى بصبرهِ نَزوةَ الدَّهـ

ـر ويشكو لربّهِ نَزَواته

شاعرٌ صاغَهُ الإلهُ من البؤ

سِ وأبدى الأسى على نظراتهْ

وحَباهُ السِّحرَ الحلالَ فغنّى

شاكراً ربَّه على نَفحاته

وسَريُّ النظيم ما كانَ وحياً

فالهوى والشعورُ في طيّاته

وسَرِيُّ النظيم ما كانتِ الحِكـ

ـمةُ فَيّاضةً على جَنباته

شاعرٌ يمزج المدادَ من الحز

ن يذوبِ اللُّجين من عَبَراته

ثم يستنزفُ النجيعَ من القلـ

ـب فيجري رطباً على صفحاته

يستمدُّ اليراعُ منه مِداداً

فهو يُغني عن طرسِهِ ودَواته

عَلَّلَ النفسَ دَهرَهُ بالأماني

غير ما ناظرٍ إلى عقباته

كلُّ مَنْ في الوجودِ يَجني مُناه

وهو يُقصى عن نيلهِ ثَمراته

يا سماءَ الخيالِ جودي عليهِ

وامنحيهِ الإلهامَ في نفثاتهِ

واطبعيهِ على الشعورِ يُخلّدْ

لكِ أسمى النظيم في ذِكرياته

مَعبد الحبِّ شِيدَ في قفص القلـ

ـب مُحاطاً بالظلِّ من قَصَباته

والفؤادُ الناقوسُ يقرعُهُ الوَجْـ

ـدُ بأوتارِ حسِّهِ من لَهاته

فيفيضُ الهوى على جانبيه

كلما رنَّ من صَدى دقاتِه

يُسمعُ الصخرَ شِعره وشَجاهُ

فتَلينُ الصخورُ من أنّاته

ثم تجري على رَويّ القوافي

وتحاكي الموزونَ من نبراته

وطيورُ السماءِ تأخذُ عنهُ

حينَ يشدو المثير من سَجعاته

يَخلُدُ الشاعرُ الحزين إذا قطّـ

ـرَ أنفاسَهُ على صَفَحاته

يومُهُ مثلُ أمسِهِ في شقاءٍ

ولعلَّ الرَّجاء طيَّ غَداتِه

إنْ دَجا الليلُ يَرقُبُ النجم أسيانَ

ويُزجي إلى العلى زَفَراته

لا الدجَى نازحٌ ولا الفجرُ يَرثي

لشَجيٍّ أدنى الردى خطواته

لو تراهُ –والليلُ ساجٍ صموتٌ

لتفطرتَ من شَجا صَعقاته

سادراً في مجاهل الفكر حَيْرا

نَ يُرجِّي نَجاتَهُ من عُداته

مُنشداً في دَياجر الليل آيا

تٍ طواها الهواءُ في نَسَماته

… يا فؤادي إذا أجنّكَ ليلٌ

وسَئمتَ الحياةَ في ظُلماته

وتَطلَّعتَ للصباحِ وقد ضَل

ونورُ العليل في بَسَماته

لا تقلْ: يا ظلامُ سَعَّرتَ نيرا

ناً بقلب يذوبُ من آهاته

عَلّ في الليل رحمةَ لوجيعٍ

أغرقَته الآلام في سَكَراتِهْ

مُمعنٍ في الكرى يزيدُ التياعاً

كلما لجّ!َ في عميقِ سُباته

فإذا ما استفاقَ أبصرَ فجراً

حَيّرَ الفكر من سنا لمعاته

إنّ في الفجر روعةً قَسَمتها

يَدُ خَلاقِنا على كائناته

عمّتِ العالمينَ لم تبقِ حتى

مُعدماً طاحَ في هوى حَسَراته

بهجةُ الكون في الصباح تَجلّى

ولذيذُ الحياة في أولياته

بينما الشاعرُ الحزينُ يُناجي

ربَّه والصباحُ في بشرياته

غابَ عن عالم الشقاءِ وفاضت

رُوحه وانطوى ببُرد نجاته

فاتركاهُ يَنعمْ بنوم طويل

عَلّ في الموتِ راحةً من حياتهْ