طلبت الصبا إذ علا المكبر

طَلَبتُ الصِبا إِذ عَلا المَكبَرُ

وَشابَ القَذالُ وَما تُقصِرُ

وَبانَ الشَبابُ وَلَذّاتُهُ

وَمِثلُكَ في الجَهلِ لا يُعذَرُ

وَقالَ العَواذِلُ هَل يَنتَهي

فَيَقدَعُهُ الشَيبُ أَو يَقصِرُ

وَفي أَربَعينَ تَوَفَّيتُها

وَعَشرٍ مَضَت لي مُستَبصَرُ

وَمَوعِظَةٌ لِاِمرِءٍ حازِمٍ

إِذا كانَ يَسمَعُ أَو يُبصِرُ

فَلا تَأسَفَنَّ عَلى ما مَضى

وَلا يَحزُنَنَّكَ ما يُدبِرُ

فَإِنَّ الحَوادِثَ تُبلي الفَتى

وَإِنَّ الزَمانَ بِهِ يَعثُرُ

فَيَوماً يُساءُ بِما نابَهُ

وَيَوماً يُسَرُّ فَيَستَبشِرُ

وَمِن كُلِّ ذَلِكَ يَلقى الفَتى

وَيُمنى لَهُ مِنهُ ما يُقدَرُ

كَأَنِّيَ لَم أَرتَحِل جَسرَةً

وَلَم أَجفِها بَعدَ ما تَضمِرُ

فَأُجشِمُها كُلَّ دَيمومَةٍ

وَيَعرِفُها البَلَدُ المُقفِرُ

وَلَم أَشهَدِ البَأسَ يَومَ الوَغى

عَلَيَّ المُفاضَةُ وَالمِغفَرُ

وَلَم أَخرِقِ الصَفَّ حَتّى تَمي

لَ دارِعَةُ القَومِ وَالحُسَّرُ

وَتَحتي جَرداءَ خَيفانَةٌ

مِنَ الخَيلِ أَو سابِحٌ مُجفَرُ

أُطاعِنُ بِالرُمحِ حَتّى اللَبا

نُ يَجري بِهِ العَلَقُ الأَحمَرُ

وَما كُنتَ في الحَربِ إِذ شَمَّرَت

كَمَن لا يُذيبُ وَلا يُخثِرُ

وَلَكِنَّني كُنتَ ذا مِرَّةٍ

عَطوفاً إِذا هَتَفَ المُحجَرُ

أُجيبُ الصَريخَ إِذا ما دَعا

وَعِندَ الهِياجِ أَنا المِسعَرُ

فَإِن أُمسِ قَد لاحَ فِيَّ المَشي

بُ أُمَّ البَنينِ فَقَد أَذكُرُ

رَخاءً مِنَ العَيشِ كُنّا بِهِ

إِذ الدَهرُ خالٍ لَنا مُصحِرُ

وَإِذ أَنا في عُنفُوانِ الشَبا

بِ يُعجِبُني اللَهوُ وَالسَمَّرُ

أَصيدُ الحَسانَ وَيَصطَدنَني

وَتُعجِبُني الكاعِبُ المُعصِرُ

وَبَيضاءَ مِثلُ مَهاةِ الكَثي

بِ لا عَيبَ فيها لِمَن يَنظُرُ

كَأَنَّ مُقَلَّدَها إِذ بَدا

بِهِ الدُرُّ وَالشَذرُ وَالجَوهَرُ

مُقَلَّدُ أَدماءَ نَجدِيَّةٍ

يَعِنُّ لَها شادِنٌ أَحوَرُ

كَأَنَّ جَنى النَحلِ وَالزَنجَبي

لِ وَالفارِسِيَّةِ إِذ نَعصَرُ

يُصَّبُّ عَلى بَردِ أَنيابِها

مُخالِطَهُ المِسكُ وَالعَنبَرُ

إِذا اِنصَرفَت وَتَلَوَّت بِها

رَقاقُ المَجاسِدِ وَالمِئزَرُ

وَغَصَّ السِوارُ وَجالَ الوِشاحُ

عَلى عُكَنٍ خَصرُها مُضمَرُ

وَضاقَ عَنِ الساقِ خَلخالُها

فَكادَ مُخَدَّمُها يَندُرُ

فَتورُ القِيامِ رَخيمُ الكَلامِ

يُفَزِّعُها الصَوتُ إِذ تُزجَرُ

وَتُنمى إِلى حَسَبِ شامِخٍ

فَلَيسَت تُكَذَّبُ إِذ تَفخَرُ

فَتِلكَ الَّتي شَفَّني حُبُّها

وَحَمَّلَني فَوقَ ما أَقدِرُ

فَلا تَعذِلاني في حُبِّها

فَإِنّي بِمَعذِرَةٍ أَجدَرُ

وَقولا لِذي طَرَبٍ عاشِقٍ

أَشَطَّ المَزارُ بِمَن تَذكُرُ

بِكوفِيَّةٍ أَصلُها بِالفُرا

تِ تَبدو هُنالِكَ أَو تَحضُرُ

وَأَنتَ تَسيرُ إِلى المُكَّرانِ

فَقَد شَحَطَ الوِردُ وَالمَصدَرُ

وَلَم تَكُ مِن حاجَتي مُكَّران

وَلا الغَزوُ فيها وَلا المَتجَرُ

وَخُبِّرتُ عَنها وَلَم آتِها

فَما زِلتُ مِن ذِكرِها أُذعَرُ

بِأَنَّ الكَثيرَ بِها جائِعٌ

وَأَنَّ القَليلَ بِها مُقتِرُ

وَأَنَّ لِحى الناسِ مِن حَرِّها

تَطولُ فَتُجلَمُ أَو تَضفَرُ

وَيَزعُمُ مَن جاءَها قَبلَنا

بِأَنّا سَنَسهَمُ أَو نُنحَرُ

أَعوذُ بِرَبّي مِن المُخزِيا

تِ فيما أُسِرُّ وَما أَجهَرُ

وَحُدِّثتُ أَن مالَنا رَجعَةٌ

سِنينَ وَمِن بَعدِها أَشهُرُ

إِلى ذاكَ ما شابَ أَبناؤُنا

وَبادَ الأَخِلّاءُ وَالمَعشَرُ

وَما كانَ بي مِن نَشاطٍ لَها

وَإِنّي لَذو عُدَّةٍ موسِرُ

وَلَكِن بُعِثتُ لَها كارِهاً

وَقيلَ اِنطلِق كَالَّذي يومَرُ

فَكانَ النَجاءُ وَلَم أَلتَفِت

إِلَيهِم وَشَرُّهُمُ مُنكَرُ

هُوَ السَيفُ جُرِّدَ مِن غِمدِهِ

فَلَيسَ عَن السَيفِ مُستَأخَرُ

وَكَم مِن أَخٍ لي مُستَأنِسٍ

يَظَلُّ بِهِ الدَمعُ يَستَحسِرُ

يودِّعُني وَاِنتَحَت عَبرَةٌ

لَهُ كَالجَداوِلِ أَو أَغزَرُ

فَلَستُ بِلاقيهِ مِن بَعدِها

يَدَ الدَهرِ ما هَبَّتِ الصَرصَرُ

وَقَد قيلَ إِنَّكُم عابِرو

نَ بَحراً لَها لَم يَكُن يُعبَرُ

إِلى السِندِ وَالهِندِ في أَرضِهِم

هُمُ الجِنُّ لَكِنَّهُم أَنكَرُ

وَما رامَ غَزواً لَها قَبلَنا

أَكابِرُ عادٍ وَلا حِميَرُ

وَلا رامَ سابورُ غَزواً لَها

وَلّا الشَيخُ كِسرى وَلا قَيصَرُ

وَمِن دونِها مَعبَرٌ واسِعٌ

وَأَجرٌ عَظيمٌ لِمَن يُؤجَرُ