مرثية الغرباء

(إلى روحي وأرواحهم وروح المهاجر..علاء الطراونة)

(1)

بطاقة:

غريبونَ نحن هناكَ..

غريبونَ نحن

هنا.

في بلادي غريبٌ..

في بلاد الغريبِ غريبٌ

أنا.

فأيُّ البلاد سأمشي بها دون خوفٍ

وأيُّ البلادِ ستهجرني المرة القادمة؟

أما بعد:

غريبونَ لكننا لم نَنَمْ غيرَ فوقِ جمارٍ

حملنا سنابلها

في دمانا

وظلّ سِناجُ “فريكتِها” في العيونِ

يُكَحِّلُ دهراً

صِبانا

غريبونَ لم نغتسلْ من غبار الطفولةِ

ما زال يعلقُ فينا التّراب الذي

لم نبدّلهُ

حتى “يُشَرِّشَ” فينا هواءُ البلادِ التي

طلقتنا ثلاثاً

وعاثَ بها الحزنُ حتى الوَهَنْ.

غريبونَ .. لكنْ

إذا ما جُرحنا تسيلُ البلادُ على الجلدِ

ليسَ يضمّدُها غيرُ دفءِ

بكانا.

كلَّ يوم نهاتفُ أرضاً .. جداراً .. رصيفاً ..

نُهاتِفُ أهلاً

لنسألَ عن كلِّ داليةٍ إن سَقَوْها

وعن موسم “الميرَميةِ”

عن دودةِ القمحِ ما أكلت منه أو

ما تبقّى بسهل المزارِ

وعن سعر رطل “الجميدِ” وعن كسوة العيدِ

نسألُ عما تبقّى من الزّيتِ

عن طفلةٍ داسها ابن ثريٍّ

وعن جائعٍ مات في حاوياتِ القمامةِ

نسألُ عن لقطاءَ بأنفاقِ عمّانَ

عن عسكريٍّ بكرواتيا

راح يجلبُ مَهرَ الحبيبةِ

لكنه عاد في كفنٍ للحبيبةِ

عن طالبٍ يعرضُ الآن كِلْيَتَهُ

في المزادِ لكي يتخرّجَ

عن غصن زيتونةٍ كان يُسقى دموعاً

ترجّلَ بحثاً عن الماءِ

والماءُ من بين رجليهِ

يجري إلى العابثينَ السُّكارى بعمّانَ

عن بحرنا ال “خصخصوا” ملحَهُ قبل بوتاسِهِ

عن طوابينَ مطفأةٍ في “الجديدة”.

عن مناجمَ كانت لنا ثم طارتْ

مع العابرين إلى

لا وطنْ.

غريبون لا ينثني العمرُ

حتى نعود إليها ولو في

الكفنْ.

غريبون لكننا لم نبدّل دمانا.

وإن بدّل البعض قلباً

أبى الصّدرُ أن تستمرَّ الحياةُ

وصارت له الأرضُ عمراً جديداً

وقبراً وطنْ.

(2)

صباحاتُ عجمانَ هادئةٌ مثلُ عيني

ولا موج فيها.

ليس ثمّة إلا النوارسُ تبكي

على شاطئٍ يرفض الماءَ…

رملٌ يبلِّلُهُ الدمعُ

أصدافُ لولؤةٍ

جفّفتْها حرارةُ حزنِ الخليجِ…

وضوءُ مراكب صيدٍ بعيدةْ.

وأنا…….

ثم طيفُ البيادرِ.

……….

والصينُ تدنو على بعد خاطرِ قلبٍ

وتنأى على رئةٍ من دخانْ.

…..

ينشطرُ القلب نصفينِ

نصف يطيرُ إلى باب جعفرَ

والآخرُ النصفُ في شنغهايْ.

والسماء تُفَتِّحُ أبوابها للذي

كان لون التراب وصمت مياه الخليج يدفئهُ

الأرضُ مطويّة في ذراعٍ طويلٍ يدور على خصرها

الأرضُ محضونةٌ في ذراعيهِ

فوق الحسينيَة الكِتفُ والصدر فوق الخليجِ

وزندٌ على القدسِ ساعدهُ حول كل المحيطاتِ

كفّان يشتبكانِ على شنغهايْ.

…..

والصين أقرب من دفقةٍ في الوريدِ..

وأبعدُ من (وردةٍ كالدهانْ)

…..

في الهزيع الأخير من العمر ناجيتهُ

قال أمضي إلى مطلع الشمس كي أتسوّلَ قلباً

لأُرهقَهُ في المحبّةِ فيما تبقّى من الليلْ.

قلت تحلمُ…قلت استفقْ

لا تباغت دمي!!!

خذ قلوب الذين أحبوكَ

عُدْ سالماً يا بنيَّ ولا تنثني.

قال ضنَّتْ عليَّ البلادُ بقلبٍ سليمْ.

وأنا أستحي من بلادي

(لأشحد) قلباً جديداً

أحب به الأرض أكثرَ

قلت .. اتَّكلْ.. وتذكر ..

نعود معاً أوّلَ الصيفِ موعِدُنا ربوةٌ في المزارْ.

فالدروبُ تطولُ هنا..

والبلاد تريد المزيدْ.

قال فاكتب رثائي من الآنَ…

!!!! لا … ستعود بقلب حديد.

ضحكنا طويلاً…

وصلّى .. طويلاً

ولم تنم الصين ليلتها..

وهي تتلو عليه ( إذا زلزلت) .

ثم طار ..

وعاد إلى الأرض في نعشه من جديد.

……..

مساءاتُ عجمانَ عاصفةٌ

والجنوب يزركش أثوابَه للعريسِ

تدفّئُهُ قبلةُ الأرضِ فوقَ الجبينْ.

عُدْ.. يا بنيَّ مع العابرين بكل كمالاتهمْ

في الجنازة أو في الزفافِ إلى هيبةِ الطينْ.

…….

مساءاتُ عجمانَ ذاهلةٌ.. وأنا.

أقسم الآن أني رأيت الجنازة (فاردةً)

فوق رمشي

وأقسم أني رأيتك.. قلباً

يطيرُ على جانحينِ

من الصين حتى الجنوب الحزينْ.

.. والصين أبعد من حبل دالية في الجنوبِ

وأقرب من بسمة في شفاه الجنانْ.