الكعبة الزهراء

بنور على أم القرى و بطيب

غسلت فؤادي من أسى و لهيب

لثمت الثّرى سبعا و كحّلت مقلتي

بحسن كأسرار السماء مهيب

و أمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)

بأعبائه من لهفة و وجيب

فيا مهجتي : وادي الأمين محمد

خصيب الهدى : و الزرع غير خصيب

هنا الكعبة الزّهراء . و الوحي و الشذا

هنا النور. فافني في هواه و ذوبي

و يا مهجتي : بين الحطيم و زمزم

تركت دموعي شافعا لذنوبي

و في الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي

و عطّر أبواب السماء نحيبي

و ردّدت الصحراء شرقا و مغربا

صدى نغم من لوعة و رتوب

تلاقوا عليها ، من غني و معدم

و من صبية زغب الجناح و شيب

نظائر فيها : بردهم برد محرم

يضوع شذا : و القلب قلب منيب

أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا

بأفيح ? من عفو الإله ? رحيب

و ذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد

ورقّ لخوف الله كلّ صليب

و لو أنّ عندي للشّباب بقيّة

خففت إليها فوق ظهر نجيب

و لي غفوة في كلّ ظلّ لقيته

و وقفة سقيا عند كلّ قليب

هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها

(بشبّابة) سكرى الحنين خلوب

حسبت بها جنّيّة (معبدية)

و فرّجت عن غماّئها بثقوب

و ركب عليها ، وسم أخفاق عيسهم

وهام تهاوت للكرى و جنوب

و ألف سراب ، ما كفرت بحسنها

و إن فاجأت غدرانها بنضوب

و ضجّة صمت جلجلت . ثمّ وادعت

و رقّت ، كأخفى همسة و دبيب

و أطياف جنّ في بحار رمالها

تصارع حالي طفوة و رسوب

و تعطفني آلآرام فيها نوافر

إلى رشأ في الغوطتين ربيب

يعلّلني ? و الصدق فيه سجية

بوعد مطول باللقاء كذوب

و بدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما

بحسن عنيف في الرّمال كئيب

و من صحب الصحراء هام بعالم

من السحر جنّي الطيوف رهيب

و للفلك الأسمى ، فضول لسرها

ففي كلّ نجم منه عين رقيب

أرى بخيال السّحب ? خطو محمد

على مخصب من بيدها و جديب

و سمر خيام مزّق الصمت عندها

حماحم خيل بشّرت بركوب

و نارا على نجد من الرمل أوقدت

لنجدة محروم و غوث حريب

و تكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا

نعيم فياف و اخضلال سهوب

أشمّ الرمال السمر : في كلّ حفنة

من الرّمل ، دنيا من هوى و طيوب

على كلّ نجد منه نفح ملائك

و في كلّ واد منه سرّ غيوب

توحّدت بالصحراء . حتّى مغيبها

و مشهدها من مشهدي و مغيبي

ومن هذه الصحراء ، أنوار مرسل

و رايات منصور . و بدع خطيب

و من هذه الصحراء ، شعر تبرّجت

به كلّ سكرى بالدلال عروب

تعطّر في أنغامه و رحيقه

وريّاه :عطري مبسم و سبيب

ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا

فأترع أحلامي و أهرق كوبي

و ما أكرم الصحراء .. تصدى .. و نـمنمت

لنا برد ظل كالنعيم رطيب

و يغفو لها التاريخ . حتّى ترجّه

بداهية صلب القناة أريب

شكا الدّهر ممّا أتعبته رمالها

و لم تشك فيه من ونى و لغوب

و صبر من الصحراء ، أحكمت نسجه

سموت به عن محنتي و كروبي

و من هذه الصحراء .. صيغت سجيّتي

فكلّ عجيب الدّهر غير عجيب

يرنّح شعري باللوى كلّ بانة

و يندى بشعري فيه كلّ كثيب

و لولا الجراح الداميات بمهجتي

لأسكر نجدا و الحجاز نسيبي

و هيهات ما لوم الكريم سجيّتي

و لا بغضه عند الجفاء نصيبي

نقلت إلى قلبي حياء و عفّة

أسارير وجهي من أسى و قطوب

و عرّتني الأيّام ممّن أحبّهم

كأيك ? تحاماه الرّبيع ? سليب

و رب ّ بعيد عنك أحلى من المنى

و ربّ قريب الدّار غير قريب

و ويح الغواني : ما أمنت خطوبها

و قد أمنت بعد المشيب خطوبي

و كيف و ثوبي للزّمان و أهله

و للشيّب أصفاد يعقن و ثوبي

أفي كلّ يوم لوعة بعد لوعة

لغربة أهل أو لفقد حبيب

و يارب : في قلبي ندوب جديدة

تريد القرى من سالفات ندوب

يريد حسابي ظالم بعد ظالم

و ما غير جبّار السماء حسيبي

و يا رب : صن بالحبّ قومي مؤلفا

شتات قلوب لا شتات دروب

و يا رب : لا تقبل صغاء بشاشة

إذ لم يصاحبه صفاء قلوب

تداووا من الجلىّ بجلىّ .. و خلّفوا

وراءهم الإسلام خير طبيب

و يا رب : في الإسلام نور و رحمة

و شوق نسيب نازح لنسيب

فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت

إلى أمم مقهورة و شعوب

وكلّ بعيد حجّ للبيت أو هفا

إليه و إن شطّ المزار ? قريبي

سجايا من الإسلام : سمح حنانها

فلا شعب عن نعمائها بغريب

و آمنت أنّ الحبّ خير ونعمة

و لا خير عندي في وغى و حروب

و كلّ خصيب الكف فتحا وصولة

فداء لكف بالعبير خضيب

و آمنت أنّ الحب و النور واحد

و يكفر بالآلاء كلّ مريب

و لو كان في وسعي حنانا و رحمة

لجنّبت أعدائي لقاء شعوبي

و يا رب : لم أشرك و لم أعرف الأذى

و صنت شبابي عنهما و مشيبي

و إنّي ? و إن جاوزت هذين سالما

لأكبر لولا جود عفوك حوبي

و أهرب كبرا أو حياء لزلّتي

و منك ، نعم ، لكن إليك هروبي

و أجلو عيوبي نادمات حواسرا

و أستر إلاّ في حماك عيوبي

و أيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر

معنّى بألوان الجمال طروب

و لو شهدت حور الجنان مدامعي

ترشّفن في هول الحساب غروبي

مدحت رسول الله أرجو ثوابه

و حاشا الندى أن لا يكون مثيبي

وقفت بباب الله ثمّ ببابه

وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب

صفاء على اسم الله غير مكدّر

و حب لذات الله غير مشوب

و أزهى بتظليل الغمام لأحمد

و عذب برود من يديه سروب

فإن كان سرّ الله فوق غمامة

تظلّ و ماء سائغ لشروب

ففي معجز القرآن و الدولة التي

بناها عليه مقنع للبيب

و يا رب عند القبر قبر محمد

دعاء قريح المقلتين سليب

بجمر هوى عند الحجيج لمكّة

و دمع على طهر ( المقام ) سكوب

بشوق على نغماه ، ضمّ جوانح

و وجد على ريّاه زرّ جيوب

ترفّق بقومي و احمهم من ملمّة

لقد نشبت أو آذنت بنشوب

وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى

فقد ترجع الأحلام بعد عزوب

وردّ القلوب الحاقدات إلى ند

من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

تدفقت الأمواج و اللّيل كافر

و هبّ جنون الرّيح كلّ هبوب

رمى اليمّ انضاء السفين بمارد

من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب

يزلزلها يمنى و يسرى مزمجرا

و يضغمها من هوله بنيوب

يرقّصها حينا و حينا يرجّها

و يوجز حالي هدأة و وثوب

و ترفعها عجلى و عجلى تحطّها

لعوب من الأمواج جدّ لعوب

و أيقن أنضاء السفينة بالردى

يطالعهم في جيئة و ذهوب

و لمّا استطال اليأس يكسو وجوههم

بألوانه من صفرة و شحوب

دعوا : يا أبا الزهراء و الحتف زاحف

عليهم : لقد وفّقتم بمجيب

و أسلست الرّيح القياد كأنها

نسيم هفا من شمأل و جنوب

و باده لطف الله من يمن أحمد

ببرد على عري الرّجاء ? قشيب

و أقعدني عنك الضّنى فبعثتها

شوارد شعر لم ترع بضريب

و ترشدها أطياب قبرك في الدجى

فتعصمها من حيرة و نكوب

و عند أبي الزهراء حطّت رحالها

بساح جواد للثناء كسوب

جلوت على وادي العقيق فريدتي

ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر

و تكمل أسباب العلى بأديب

و عند أبي الزهراء حطّت رحالها

بساح جواد للثناء كسوب

جلوت على وادي العقيق فريدتي

ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر

و تكمل أسباب العلى بأديب