النبع المسحور

بردك فوق الخصر جار الرؤى

فخلفه تطفر جنّيّتان

شيطانتان اصطفتا جنّة

قد تؤنس الجنّة شيطانتان

دارت على الظمأى حميّاهما

فاللهو في الجنّة طلق العنان

يدنيهما الشوق و لم تدنوا

فهل هما نهدان أم نجمتان

تموج ألحان الصبا فيهما

كأنّما نهداك أغرودتان

عشّان لا للطّير بل للهوى

عشّان ، بل للمسك قاروتان

عندي طيوب لك أعددتها

عطر لباناتي و عطر البيان

رشّا على حسنك ريّاهما

فهل درى عطراي ما يفعلان

حسنك عطر العطر في جنّتي

على غناها و لبان اللبان

فاغدي على الرمل و روحي يضع

ورد و يفرش طيبه أقحوان

عيناك بحر حين أغفى انحنت

فلملمت أحلامه الضفّتان

تغفو بعينيك طيوف المنى

عيناك للأشواق أرجوحتان

قلبي و قرطاك حليفا ضنى

ألم يئن أن يتعب الخافقان

و خصلتان ارتاحتا في يدي

من الدجى المخمور مسكوبتان

شذاهما باق و إن غابتا

كأنّما فرعاك ريحانتان

تغامزين البدر في موعد

فغرت لمّا التقت الغمزتان

ينمنم الأحلام فضّيّة

و تنسج الشمس لك الأرجوان

و ملكك البدر و شمس الضحى

و ما يصوغان و ما يغزلان

قد باح جفناك بسرّ الدجى

جفناك من سرّ الدجى مترعان

تضحك عيناك و إن جدّتا

لا سحر في عينين لا تضحكان

تنطق عيناك و لم تنطقي

و قد تطيلان و قد توجزان

و لم تضيقا بمعاني الهوى

ألا تلومان ألا تتعبان

رشيقة الأحزان و القدّ . هل

ينبت في جمر الغضا غصن بان

نزلت قلبي سدرة المنتهى

ما أرز لبنان و ما الغوطتان

و بيننا قربى الشذى للشذى

ألحسن و الشعر رضيعا لبان

ترشف من نهديك إغفاءتي

كأسين قد أترعتا بنت حان

طافت بك الكأس فرنّحتها

و جنّ لمّا شمّك الزعفران

نبع الصبا المسحور يشتفّه

قلبي و السمراء و الفرقدان

نشتفّه حتّى ثمّالاته

فنحن لا نفنى و يفنى الزمان

نشتفّه حتّى يعود الصبا

و اللّمّة السوداء و العنفوان

و بيننا في ربوة سمحة

حلو السفوح الخضر ، حلو الرعان

و غابة يغفو الضحى عندها

و شمسها تغرب قبل الأوان

قبورنا فيها بلا وحشة

يؤنسها في الوحدة السنديان

و قبّة تحرس كنز الدجى

كأنّها في الغابة الديدبان

و النبع و القبّة في هدأة

يسرع دهر و هما وانيان

ما هزّت الدنيا أناتيهما

فتغرب الدنيا و لا يدهشان

و لوّحت من بعض أفيائنا

كفّان بالحنّاء مخضوبتان

حضنت في السمراء دنيا المنى

حين التقينا كبّر العالمان

جزنا حدودو الكون ، لا مشرقان

في جلوة النّور ، و لا مغربان

جزنا حدود الكون ، حتّى التقى

كلّ مغيب عندنا بالعيان

و عاد للأنجم ما ضاع من

أضوائها و اعتنق الأزهران

و اختصر الدنيا شذا مسكر

أو لهفة عذراء أو قبلتان

بحت بأسراري فعبّوا الشذى

فضّت عن الراح العتيق الدنان

نا غاب عن أعراسنا أهلنا

ألشمس و الأنجم في المهرجان

و الناس لا تعرف أحزاننا

يرثى لنا الشوق و يبكي الحنان

يرفعني الموج . إلى شاهق

و حطّني .. لا تهدأ الكفّتان

زلزلت الأمواج زلزالها

و احتضنتها دجنة من دخان

قد رجّها العاصف حتى طغى

لؤلؤها – طوع يدي و الجمان

و محنة طالت و أكرمتها

بالصبر حتّى ملّ دهر فلان

لا يقنط الحرّ و لا يشتكي

لكلّ بحر هائج شاطئان

فتّشت عن خوفي فلم ألفه

كيف أرى الخوف و أنت الأمان

قرّبنا الله ففوق الزمان

نحن مع النور و فوق المكان

يضوّئ الظلمة إيماننا

و يسكر الفجر رحيق الأذان

نحن و قلبانا و أسرارنا

شوق إلى الله و أغنيّتان

أوجهها أم بيته قبلتي

أستغفر الله فلي قبلتان

نريد جمرا لبخور الهوى

في النار هذا الجمر لا في الجنان

صلاتنا النور فمن وهجها

شعّ الضحى و أتلق النيّران

من وردنا الأفلاك تسبيحة

و الصبح و النجمة تكبيرتان

تغمزني الشمس عناق الهوى

فلفّني من فرعها خصلتان

وجهي – و لم تخدع أساريره

و القلب مرآتان مجلوّتان

كتبت ( بسم الله ) فالطرس من

عدن ( و بسم الله ) حوريّتان

لم يعنني عسر و لا شدّة

الله و السمراء لي المستعان

عرّيت فقري عند بابيهما

و تعذّب الشكوى و يحلو الهوان