خلع الحياة على البلى

لا الأمس يسلبك الخلود و لا الغد

هيهات أنت على الزمان مخلّد

تتجدّد الدّنيا و قلبك وحده

دنيا تعيد شبابها و تجدّد

لك من خيالك عالم متناسق

بهج تعاود خلقه و تدوّد

أمّا البسيطة فهي فيه خميلة

ولع الرّبيع بها و رحت تغرّد

و سكبت في الأنغام قلبك دمعة

لا كالدّموع و رحمة تتنهّد

خلع الحياة على البلى فكأنّه

للبعث من قبل الأوان يمهّد

قيس و ليلى بعد طول كراهمت

ثغر يرفّ ووجنو تتورّد

بعثا كعهدهما القديم فمن رأى

تلك العيون يرفّ فيها الإثمد

في كلّ قلفية حياة تجتلى

و منى تضوع و زفرة تتردّد

صور الجزيرة ما جلوت من العلى

و الحسن لا ما أوّلته الحسّد

الحبّ و الخيم المنيفة و القرى

و لبانة عند الغدير و موعد

و سكينة الصحراء إلاّ هازجا

مرحا يعيد حداءه و يردّد

يا شاعر الدّنيا لقد أسكرتها

ماذا تغنّيها و ماذا تنشد

خفّت بزينتها إليك مشوقة

سكرى تعبّ كؤوسها و تعربد

و جلت على الشعراء قبلك حسنها

لكن أراك شهدت ما لم يشهدوا

الزاهدين بها ولو كشفت لهم

سرّ الحياة المجتلى لم يزهدوا

نظروا إلى خير الوجود و حسنه

شزرا كما نظر الضياء الأرمد

أطريت فتنتها فدع في غيّه

من راح يعذل حسنها و يفنّد

العبقريّة شعلة من نارها

حمراء ناضرة اللّظى تتوقّد

و الشّعر و النّغم الشجيّ و رحمة

تسع الوجود و نقمة تتوعّد

يا فتنة الدنيا يذمّك معشر

و الحقّ كلّ الحقّ في أن يحمدوا

ألهب نبوغك في الحياة و حبّها

و أنا الضمين بأنّه لا يخمد

الكنز بين يديك فانثر درّه

إنّي أراه يزيد حين يبدّد

ظلم الجمال أبا عليّ من رأى

أنّ الجمال غواية تتودّد

و سموت في صور النعيم تعدّها

من نعمة الله التي لا تجحد

الحقّ و الإبداع من نفحاتها

و الهير من أسمائها و السؤدد

حبّ الجمال عبادة مقبولة

و الله يلمح في الجمال و يعبد

يا شاعر الدّنيا نديّك حافل

و الجمع مصغ و المواكب حشّد

ينتظرون السّحر من جبّاره

هيهات دون السّحر باب موصد

يشكى إليك و أنت رهن منيّة

و تزار في عنت الخطوب و تقصد

و لقد يرجّى السيف و هو ملثّم

و لقد يهاب اللّيث و هو مصفّد

فاذهب كما ذهب الرّبيع على الرّبى

منه يد و على القلوب له يد

و لك الإمارة في البيان يقرّها

أمس الزّمان و لا يضيق بها الغد