المسيح بعد الصلب

بعدما أنزلوني ، سمعت الرياح

في نواح طويل تسف النحيل

و الخطى وهي تنأى . إذن فالجراح

و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل

لم تمتني . و أنصت : كان العويل

يعبر السهل بيني و بين المدينه

مثل حبل يشد السفينه

وهي تهوي إلى القاع . كان النواح

مثل خيط من النور بين الصباح

و الدجى ، في سماء الشتاء الحزينه

ثم تغفو ، على ما تحس ، المدينه

حينما يزهر التوت و البرتقال

حين تمتد جيكور حتى حدود الخيال

حين تخضر عشباً يغني شذاها

و الشموس التي أرضعتها سناها

حين يخضر حتى دجاها

يلمس الدفء قلبي ، فيجري دمي في ثراها

قلبي الشمس إذا تنبض الشمس نورا

قلبي الأرض ، تنبض قمحا ، و زهرا ، وماء نميرا

قلبي الماء ، قلبي هو السنبل

موته البعث ، يحيا بمن يأكل

في العجين الذي يستدير

ويدحى كنهد صغير ، كثدي الحياه

مت بالنار : أحرقت ظلماء طيني ن فظل الإله

كنت بدء ، وفي البدء كان الفقير

مت ، كي يؤكل الخبز باسمي، لكي يزرعوني مع الموسم

كم حياة سأحيا : ففي كل حفره

صرت مستقبلا ، صرت بذره

صرت جيلا من الناس ، في كل قلب دمي

قطرة منه أو بعض قطره

هكذا عدت ، فاصفر لما رآني يهوذا

فقد كنت صره

كان ظلا ، قد اسود مني ، وتمثال فكره

جمدت فيه واستلت الروح منها

خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه

عيناه صخره)

(راح فيها يواري عن الناس قبره

خاف من دفئها ، من محال عليه ، فخبر عنها

” أنت ؟ أم ذاك ظلي قد ابيض وارفض نورا؟

أنت من عالم الموت تسعى ؟ هو الموت مره

” هكذا قال آباؤنا ، هكذا علمونا ، فهل كان زورا ؟

ذاك ما ظن لما رآني ، وقالته نظره

قدم تعو ، قدم ، قدم

القبر يكاد بوقع خطاها ينهدم

أترى جاءوا ؟ من غيرهم ؟

قدم .. قدم .. قدم

ألقيت الصخر على صدري

.أو ما صلبوني أمس ؟ .. فها أنا في قبر

فليأتوا إني في قبري

من يدري أني .. ؟ من يدري ؟

ورفاق يهوذا ؟ من سيصدق ما زعموا ؟

قدم

قدم

ها أنا الآن عريان في قبري المظلم

،كنت بالأمس ألتف كالظن ، البرعم

،تحت أكفاني الثلج ، يخضل زهر الدم

كنت كالظل بين الدجى و النهار

.ثم فجرت نفسي كنوزا فعريتها كالثمار

حين فصلت جيبي قماطا وكمي دثار

حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار

حين عريت جرحي ، وضمدت جرحا سواه

.حطم السور بيني و بين الإله

فاجأ الجند حتى جراحي ودقات قلبي

فاجأوا كل ما ليس موتا و إن كان في مقبره

فاجأوني كما فاجأ النخلة المثمره

.سرب جوعى من الطير في قرية مقفره

أعين البندقيات يأكل دربي

شرع تحلم النار فيها بصلبي

إن تكن من حديد ونار ، فأحداق شعبي

من ضياء السموات ، من ذكريا وحب

تحمل العبء عني فيندى صليبي ، فما أصغره

.ذلك الموت ، موتي ، وما أكبره

بعد أن سمروني و ألقيت عيني نحو المدينه

كدت لا أعرف السهل و السور و المقبره

كان شئ ، مدى ما ترى العين

كالغابة المزهره

كان ، في كل مرمى ، صليب و أم حزينه

قدس الرب

هذا مخاض المدينه