نداء الموت

يمدُّون أعناقهم من ألوف القبور، يصيحون بي:

أنْ تعال!

نداءٌ يشُقُّ العروقَ، يَهُزُّ المُشاش، يُبعثر قلبي رمادا

«أصيل هنا مُشْعَل في الظلال

تعالَ اشتعل فيه حتى الزوال!»

جدودي وآبائي الأولون سرابٌ على حد جَفْني تهادى،

وبي جَذوة من حريق الحياة تريد المحال،

وغيلان يدعو: «أبي سرْ، فإني على الدرب ماشٍ أريد

الصباح!»

وتدعو من القبر أمي: «بُنيَّ احتضنِّي، فَبَرْدُ الرَّدى في عروقي،

فَدَفِّئْ عظامي بما قد كسوتُ ذراعيك والصدرَ، وَاحْمِ الجراح

جراحي بقلبك أو مقلتيكَ، ولا تحرفنَّ الخُطا عن طريقي!»

ولا شيء إلا إلى الموت يدعو ويصرخ، فيما يزولْ،

خريف، شتاء، أصيل، أفولْ،

وباقٍ هو الليلُ بعد انطفاء البروقِ،

وباقٍ هو الموت، أبقى وأخلد مِن كل ما في الحياهْ

فيا قبرَها افتح ذراعيك …

إني لآتٍ بلا ضجَّةٍ، دون آه!

بيروت، ٣ / ٥ / ١٩٦٢