رويدك قد أفنيت يا بين أدمعي

رُوَيدَكَ قَد أَفنَيتَ يا بَينُ أَدمُعي

وَحَسبُكَ قَد أَضنَيتَ يا شَوقُ أَضلُعي

إِلى كَم أُقاسي فُرقَةً بَعدَ فُرقَةٍ

وَحَتّى مَتى يا بَينُ أَنتَ مَعي مَعي

لَقَد ظَلَمَتني وَاِستَطالَت يَدُ النَوى

وَقَد طَمِعَت في جانِبي كُلَّ مَطمَعِ

فَلا كانَ مَن قَد عَرَّفَ البَينَ مَوضِعي

لَقَد كُنتُ مِنهُ في جَنابٍ مُمَنَّعِ

فَيا راحِلاً لَم أَدرِ كَيفَ رَحيلُهُ

لِما راعَني مِن خَطبِهِ المُتَسَرِّعِ

يُلاطِفُني بِالقَولِ عِندَ وَداعِهِ

لِيُذهِبَ عَنّي لَوعَتي وَتَفَجُّعي

وَلَمّا قَضى التَوديعُ فينا قَضاءَهُ

رَجَعتُ وَلَكِن لا تَسَل كَيفَ مَرجِعي

فَيا عَينِيَ العَبرى عَلَيَّ فَأَسكِبي

وَيا كَبِدي الحَرّى عَليهِم تَقَطَّعي

جَزى اللَهُ ذاكَ الوَجهَ خَيرَ جَزائِهِ

وَحَيَّتهُ عَنّي الشَمسُ في كُلِّ مَطلَعِ

وَيارَبَّ جَدِّد كُلَّما هَبَّتِ الصَبا

سَلامي عَلى ذاكَ الحَبيبِ المُوَدَّعِ

قِفوا بَعدَنا تَلقَوا مَكانَ حَديثِنا

لَهُ أَرَجٌ كَالعَنبَرِ المُتَضَوِّعِ

فَيَعلَقَ في أَثوابِكُم مِن تُرابِهِ

شَذا المِسكِ مَهما يُغسَلِ الثَوبُ يَسطَعِ

أَأَحبابَنا لَم أَنسَكُم وَحَياتِكُم

وَما كانَ عِندي وُدُّكُم بِمُضَيَّعِ

عَتَبتُم فَلا وَاللَهِ ما خُنتُ عَهدَكُم

وَما كُنتُ في ذاكَ الوَدادِ بُمِدَّعي

وَقُلتُم عَلِمنا ما جَرى مِنكَ كُلَّهُ

فَلا تَظلِموني ما جَرى غَيرَ أَدمُعي

كَما قُلتُمُ يَهنيكَ نَومُكَ بَعدَنا

وَمِن أَينَ نَومٌ لِلكَئيبِ المُرَوَّعِ

إِذا كُنتُ يَقظاناً أَراكُم وَأَنتُمُ

مُقيمونَ في قَلبي وَطَرفي وَمِسمَعي

فَما لِيَ حَتّى أَطلُبَ النَومَ في الهَوى

أَقولُ لَعَلَّ الطَيفَ يَطرُقُ مَضجَعي

مَلَأتُم فُؤادي في الهَوى فَهوَ مُترَعٌ

وَلا كانَ قَلبٌ في الهَوى غَيرَ مُترَعِ

وَلَم يَبقَ فيهِ مَوضِعٌ لِسِواكُمُ

وَمَن ذا الَّذي يَأوي إِلى غَيرِ مَوضِعِ

لَحى اللَهُ قَلبي هَكَذا هُوَ لَم يَزَل

يَحِنُّ وَيَصبو لا يَفيقُ وَلا يَعي

فَلا عاذِلي يَنفَكُّ عَنِّيَ إِصبَعاً

وَقَد وَقَعَت في رَزَّةِ الحِبِّ إِصبَعي

لَئِن كانَ لِلعُشّاقِ قَلبٌ مُصَرَّعٌ

فَما كانَ فيهِم مَصرَعٌ مِثلُ مَصرَعي