ألا من لصب عازب النوم ساهد

أَلا مَن لِصَبٍّ عازِبِ النَومِ ساهِدِ

وَمَن لِمُحِبٍّ مُثبَتٍ لِلعَوائِدِ

وَقالوا بِهِ داءٌ أَصابَ فُؤادَهُ

مِنَ الجِنِّ أَو سِحرٌ بِأَيدي المَوارِدِ

وَما ذاكَ إِلّا حُبُّ خَودٍ تَعَرَّضَت

لِتَقتُلَني بِالمَنظَرِ المُتَباعِدِ

فَأَدرَكَ مَجلودي جَوى الحُبِّ كاعِبٌ

كَشَمسِ الضُحى في الفائِقاتِ الخَرائِدِ

كَأَنَّ العَذارى حينَ قَوَّمنَ حَولَها

قَلائِدَ بدلهُنَّ أُمَّ القَلائِدِ

فَسارَقتُ أَصحابي المُكِبّينَ نَظرَةً

إِلى غادَةٍ لَم تَستَتِر بِالوَلائِدِ

غَداةَ مَشَت فيهِنَّ رودٌ لِجارَةٍ

يَميلُ بِها غُصنُ الهَوى المُتَزائِدِ

مَشَت قابَ قَوسٍ دونَها ثُمَّ أُلقِيَت

إِلى الأَرضِ مِن جَهدِ الخُطى كَالمُعانِدِ

فَوَطَّأنَ مَمشاها بِما لَو كَسَبنَهُ

كَفاهُنَّ مِن زَبنِ الخَروجِ الحَواشِدِ

وَخِفنَ الضِحى مِن نَومِهِنَّ عَلى الضُحى

فَأَقبَلنَ إِقبالَ الغُصونِ المَوائِدِ

يُفَدّينَها طَوراً وَطَوراً يَلُمنَها

عَواكِفَ حَتّى جاوَزَت غَيرَ باعِدِ

فَلَمّا اِشتَكَت حَرَّ السَمومِ وَأَهلَها

قَريبٌ وَمَلَّت مَشيَها في المَجاسِدِ

ضَرَبنَ عَلَيها السِترَ ثُمَّ سَتَرنَها

بِأَخضَرَ مِن خَزٍّ عَتيقِ العَضائِدِ

مِنَ الشَمسِ وَالرائينَ وَالريحِ وَالسَفا

كَما سُتِرَ الضَوءُ الَّذي في المَساجِدِ

مَخافَةَ أَن تُعدى بِشَيءٍ يُريبُها

فُطَيمَةُ أَو تَغتالُها عَينُ حاسِدِ

أَفاطِمُ إِنَّ النَفسَ تُخفي مِنَ الهَوى

جَليلاً وَتُبدي مِثلَهُ في المَشاهِدِ

وَلا صاحِبٌ أَشكو إِلَيهِ فَأَشتَفي

إِذا ما شَكا رَأسي مَكانَ الوَسائِد

سِوى راقِدٍ لَم يَدرِ ما بي وَلَو دَرى

لَهانَ عَلَيهِ مَشهَدي وَمَراقِدي

أَعَيَّرتِ نَفساً لَم تَمُت بِبَقائِها

وَما ذَنبُ مَعدودٍ لَهُ المَوتُ وارِدِ

كَفى مِنكِ أَنّي في الجَميعِ إِذا بَدوا

أَظَلُّ كَملُقى رَأسُهُ غَيرِ جاهِدِ

مُكِبّاً بِعَينَيَّ الأَماني مِنكُمو

أَمانِيُّ لا تُجدي كَأَحلامِ راقِدِ

وَإِنّي أُقاسي مِن جِهادِكِ خالِياً

عَياءً فَأَنّى لي بِأَجرِ المُجاهِدِ

كَأَنّي بِوِسواسِ الهَوى مِن حَديثِكُم

أَخو جِنَّةٍ في المُقفَلاتِ الحَدائِدِ

فَأَنتِ الهَوى شَطَّت بِكِ الدارُ أَو دَنَت

وَإِن رَغِمَت مِنهُ أُنوفُ الحَواسِدِ

فَكوني كَما كُنّا لَكُم نَقضِ حاجَةً

وَلا تَسمَعي قَولَ العَدُوِّ المُكايِدِ

لَقَد زادَني وَجداً بِكُم وَصَبابَةً

إِشارَةُ أَقوامٍ أَكُفَّ السَواعِدِ

إِلى مَن صَبا هَذا وَمَن يَصبُ يَتَّهِم

مَقالَةَ أَدناهُ وَنَهيَ الأَباعِدِ

وَحَسبُ الفَتى مِمَّن يُكابِدُ هَمَّهُ

إِذا كانَ مَن يَهوى كَذوبَ المَواعِدِ

تَشَكّى الَّذي في نَفسِها مِن مَوَدَّتي

وَقَد زَعَمَت أَنّي بِها غَيرُ واجِدِ

وَلَكِنَّني أَخشى عُيوناً وَأَتَّقي

بَواسِطَ مِن جارٍ غَيورٍ وَوالِدِ

شَكَت طولَ هِجراني عَشِيَّةَ زُرتُها

وَما وَجَدَت وَجدي بِها أُمُّ واحِدِ

وَأُقسِمُ لَو قيسَ الَّذي بي مِنَ الهَوى

لَقَد عَرَفَت فَضلاً لِحَرّانَ جاهِدِ

مَنَعتُ قِيادي غَيرَها حينَ رامَني

وَذَلَّت بِما تَهوى إِلَيها مَقاوِدي

إِذا أُنشِدَت بِالشِعرِ عِندي قَصيدَةٌ

طَرِبتُ وَلَم تَطرِب لَها أُمُّ خالِدِ

يُخامِرُني مِمّا أَقولُ بِحُبِّها

جَوىً مِثلُ سِحرِ البابِليِّ المُعاوِدِ

كَأَنّي أَكيدُ النَفسَ مِنّي بِكَيدِها

فَتُغفي وَأُحيِي لَيلَتي جَدَّ ساهِدِ

فَإِنّي وَتَحبيري القَوافِيَ أَصبَحَت

عَلَيَّ رُقىً مَعقودَةً في القَصائِدِ

كَمُستَحرِشٍ مِن عَقرَبٍ دَبَّبَت لَهُ

جُيوشُ الأَعادي أَو جُنودُ الأَساوِدِ

فَأَصبَحَ مِن هَذي وَهاتيكَ قَبلَها

نَسيمُ المَنايا بارِقاً بَعدَ راعِدِ

كَذَلِكَ مِن شِعري جَنَيتُ الَّذي جَنَت

فَلَيتَ الَّذي كايَدتُهُ لِمُكايِدِ