تعجبت جارتي مني وقد رقدت

تَعَجَّبَت جارَتي مِنّي وَقَد رَقَدَت

عَنّي العُيونُ وَباتَ الهَمُّ مُحتَشِدا

قالَت لِسُعدى وَأُخرى مِن مَناصِفِها

ما هاجَ هَذا وَقَد خُيِّلتُهُ هَجَدا

قالَت فَقُلتُ لَها ما زِلتُ أَكتُمُكُم

وَساوِسَ الحُبِّ حَتّى ضافَ فَاِعتَمَدا

أَرِقتُ مِن خُلَّةٍ باتَت وَساوِسُها

تَسري عَلَيَّ وَباتَت دارُها صَدَدا

حَوراءُ كانَت هَوى نَفسي وَمُنيَتَها

لَو قَرَّبَ الدَهرُ مِن لُقيانِها أَمَدا

وَلَو تُكَلِّمُ مَحمولاً جِنازَتُهُ

قَد ماتَ بِالأَمسِ أَو تَرثي لَهُ خَلَدا

فَالقَلبُ صَبٌّ مُعَنّىً حينَ يَذكُرُها

وَالعَينُ عَبرى تُقاسي الهَمَّ وَالسَهَدا

ما إِن نَأَيتُ كَمَشغوفٍ بِحُبِّكُمو

يَبقى وَلا مِثلَكُم يَعتَلُّ لَو رَقَدا

وَعَدتِني ثُمَّ لَم توفي بِمَوعِدَةٍ

فَكُنتِ كَالمُزنِ لَم يَمطُر وَقَد رَعَدا

إِذا نَأَيتِ دَعاني مِنكُمو نَكَدٌ

فَإِن دَنَوتِ مَنَعتِ النائِلَ النَكِدا

بُليتُ وَالنَأيُ مَتروكٌ عَلى حَزَنٍ

وَلا أَرى القَلبَ إِلّا زادَني بُعُدا

أَرعى مِنَ العَهدِ وَالميثاقِ حَقَّهُما

لا يُصلِحُ الحُرَّ إِلّا حِفظُ ما وَعَدا

إِنّي حَلَفتُ يَميناً غَيرَ كاذِبَةٍ

عِندَ المَقامِ وَلَم أَقرَب لَهُ فَنَدا

لَو خُيِّرَ القَلبُ مَن يَمشي عَلى قَدَمٍ

لَاِختارَ سُعدى وَلَم يَعدِل بِها أَحَدا

لَو ساعَفَتنا وَصَدَّ الناسُ كُلُّهُمو

لَما وَجَدتُ لِفَقدِ الناسِ مُفتَقَدا

تَرَكتِني مُستَهامَ القَلبِ في شُغُلٍ

لَهفانَ لا والِداً أَهوى وَلا وَلَدا

أَخا هُمومٍ وَأَحزانٍ تِّأَوُبُني

فَاِخشَي إِلَهَكِ إِنّي مَيِّتٌ كَمَدا

كَأَنَّني عابِدٌ مِن حُبِّ رُؤيَتِها

إِنَّ المُحِبَّ تَراهُ مِثلَ مَن عَبَدا

لا أَرفَعُ الطَرفَ في النادي إِذا نَطَقوا

وَلا أَزالُ مُكِبّاً بَينَهُم أَبَدا

بِهَمِّ نَفسٍ مُعنّاةٍ بِذِكرِكُمو

إِذا أَقولُ خَبا مَشبوبُهُ وَقَدا

وَالقَلبُ عِندَكِ مَأخوذٌ مَسامِعُهُ

فَلا يُرَوِّعُهُ مَن قامَ أَو قَعَدا

أَبلَيتِ جِسمي فَنَفسي غَيرُ آمِنَةٍ

أَن يُدرِكَ الروحَ ما قَد خامَرَ الجَسَدا

أَلا تَحَرَّجتِ مِمّا قَد رُميتِ بِهِ

وَسَطَ النِساءِ لِمَن أَفنى وَقَد رَقَدا

لَو كانَ ذا قُوَّةٍ أَعفَت جَلادَتُهُ

وَقَد أَزيدُ عَلى ذي قُوَّةٍ جَلَدا

لَكِنَّ في الحُبِّ أَسقاماً مُنَهَّلَةً

لِذي الحَلاوَةِ حَتّى يَجهَدَ الكَبِدا

فَلَن أَكونَ حَديداً في مَقالَتِكُم

كَما خُلِقتُ وَلا صَوّانَةً صَلَدا

قالَت أَراكَ تَعَزّى عَن زِيارَتِنا

وَقَد يَزورُ بُيوتَ الحَيِّ مَن وَجَدا

فَقُلتُ إِنّي عَداني أَن أَزورَكُمو

قَومٌ يَبيتونَ مِن بَغضائِنا رَصَدا

مُغَفَّلونَ عَنِ الخَيراتِ عِنَدَهُمو

مِن فِطنَةِ الشَرِّ عِلمٌ لَم يَكُن رَشَدا

ما ضَرَّ أَهلَكِ يا سُعدى فَقَدتُهُمو

مِن عاشِقٍ زارَ لَو قالوا لَهُ سَدَدا

إِنَّ التَجَهُّمَ عَدّى عَن زِيارَتِكُم

مِمَّن عَلِقتُ وَأَمسى ذاكِ قَد جَهِدا

مُخلَّأً باتَ يَرعى كُلَّ بارِقَةٍ

لَو كانَ يَصفو لَهُ وِردٌ لَقَد وَرَدا

فَأَرسَلَت حينَ كَلَّ الطَرفُ إِنَّهُمو

قَد نَوَّموا فَأتِنا إِن كُنتَ مُفتَأَدا

وَوَطَّنتَ تِربَها الحَولاءَ لَيلَتَها

قَبلَ الرِسالَةِ حَتّى أَصبَحَت عَضُدا

وَلَم أَدَع زينَةً حَتّى لَبِستُ لَها

مِنَ الجَديدِ لِكَي أُلمِم بِهِنَّ غَدا

في لَيلَةٍ خَلفَ شَهرِ الصَومِ ناقِصَةٍ

تِسعاً وَعِشرينَ قَد أَحصَيتُها عَدَدا

حَتّى اِرتَقَيتُ إِلَيها في مُشَيَّدَةٍ

دونَ السَماءِ تُناغي ظِلَّها صَعَدا

لَمّا رَأَت لَمحَةً مِنّي مُرَعَّثَةً

خُضراً وَحُمراً وَصُفراً بَينَها جُدَدا

قالَت لِتِربٍ لَها كانَت مُوَطَّنَةً

جاءَ المُرَعَّثُ فَاِثني عِنَكِ الوُسُدا

وَأَحسِني حينَ تَلقيهِ تَحِيَّتَهُ

وَلا تَكوني إِذا حَدَّثتِنا وَتِدا

خِفّي قَريباً وَعودي إِنَّ حاجَتَنا

دونَ القَريبَةِ في قَلبَينِ قَد كَمِدا

طالَ التَنائي فَكُلٌّ غَيرُ مُتَّرَكٍ

حَتّى تَرَي عاتِباً مِنّا وَمُصطَرِدا

حَتّى اِلتَقَينا فَمِن شَكوى وَمَعتَبَةٍ

تَكُرُّها لا نَخافُ العَينَ وَالرَصَدا

غابَ القَذى فَشَرِبنا صَفوَ لَيلَتِنا

حِبَّينِ نَلهو وَنَخشى الواحِدا الصَمَدا

قالَت فَأَنّى بِنَفسي جِئتَ مُستَرِقاً

مِنَ العَدُوِّ تَخَطّى الوَعرَ وَالجَدَدا

جَورٌ أَتى بِكَ أَم قَصدٌ فَقُلتُ لَها

ما زِلتُ أَقصِدُ لَو تُدنينَ مَن قَصَدا

لا تَعجَبي لِاِجتِيابي اللَيلَ مِنسَرِقاً

ما كُنتُ قَبلَكِ رِعديدا وَلا بَلِدا

يارُبَّ قائِلَةٍ يَوماً لِجارَتِها

إِنَّ المُرَعَّثَ هَمّي غابَ أَو شَهِدا

صَدَدتُ عَنها فَلَم أُدمِن زِيارَتَها

إِلى هَواكِ فَلَم تَجزي بِهِ صَفَدا

لَمّا قَضَينا حَديثاً مِن مُعاتَبَةٍ

وَكادَ يَبرُدُ هَذا الشَرُّ أَو بَرَدا

جاءَت بِأَزهَرَ لَم تُنسَج عِمامَتُهُ

إِذا الزُجاجَةُ كادَت كَأسَهُ سَجَدا

رَيّانَ كَالريمِ خَدّاهُ وَمَذبَحُهُ

إِن لَم يُرَع بِسُجودٍ سامِراً رَكَدا

نَلهو إِلَيهِ وَنَشكو بَثَّ أَنفُسِنا

في سَلوَةٍ وَزَوالُ اللَيلِ قَد أَفِدا

حَتّى إِذ طارِقٌ ثارَت عَداوَتُهُ

بِأَوَّلِ الصُبحِ كانَت صالِحاً فَسَدا

قامَت تَهادى إِلى أَهلٍ تُراقِبُهُم

مَشيَ البَهيرِ تَرى في مَشيِهِ أَوَدا

وَالعَينُ تُحدِرُ دَمعاً جِدَّ واكِفَةٍ

عَلى مَساقِطِ دَمعٍ كانَ قَد جَمَدا

كَأَنَّهُ لُؤلُؤٌ رَثَّت مَعاقِدُهُ

فَاِنسابَ أَوَّلُهُ في السِلكِ فَاِطَّرَدا

وَقُمتُ لَم أَقضِ مِنها إِذ خَلَوتُ بِها

إِلّا الحَديثَ وَإِلّا أَن أَمَسَّ يَدا

حَتّى خَرَجتُ فَكانَ الدَهرُ مُنذَحِلاً

بَينَ القَرينَينِ حَلّالاً لِما عُقِدا