غيب جيرانه بذي حمد

غَيَّبَ جيرانُهُ بِذي حَمَدِ

عَن لَيلِ مَن لَم يَنَم وَلَم يَكَدِ

خَلّوا عَلَيَّ الهُيامَ إِذ رَكِبوا

أَكبِر بِما أَفرَدوا لِمُنفَرِدِ

يَبكي عَلى وَسنَةٍ تَزَوَّدَها

جيرانُهُ بَل بَكى مِنَ السَهَدِ

كونا كَمَن قالَ لا نُعاتِبُهُ

كُلُّ اِمرِئٍ مُنتَهٍ إِلى أَمَدِ

خَليفَةُ الحُزنِ في مَدامِعِهِ

يُمسي بِها نائِياً عَنِ الوُسُدِ

يا لَيتَ شِعري وَالقَصدُ مِن خُلُقي

وَالناسُ مِن جائِرٍ وَمُقتَصِدِ

ما زادَني ذا الجَوى بِذِكرِهِمُ

إِلّا هُجوعاً وَالهَمُّ كَالوَتِدِ

ما زالَ ضَيفاً لَهُ يُواكِلُهُ

يَمُدُّ غَمّاً بِرَعيَةِ الأَسَدِ

إِنَّ الَّذي غادَرَت حُمولُهُمُ

صَبٌّ وَإِن كانَ مُظهِرَ الجَلَدِ

لا يَشتَهي اللَيلَ مِن تَقَلُّبِهِ

ظَهراً لِبَطنٍ تَقَلُّبَ الصُرَدِ

كَأَنَّما يَتَّقي بِلَيلَتِهِ

جَهمَ المُحَيّا يَبيتُ بِالرَصَدِ

لَم يَدرِ حَتّى رَمَوا مَطِيَّهُمُ

ثُمَّ اِستَمَرّوا بِجَنَّةِ الخُلُدِ

يَقولُ لي صاحِبي وَقَد بَقِيَت

نَفسي عَلى سَغبَةٍمِنَ العُقَدِ

يا أَيُّها المُكتَوي عَلى ظُعُنٍ

باتوا وَما سَلَّموا عَلى أَحَدِ

هاتيكَ دارُ الَّتي تَهِمُّ بِها

كَالبُردِ بَينَ الكَثيبِ فَالسَنَدِ

كانَت مَحَلَّ الخَليطِ فَاِنقَلَبَت

وَحشاً مِنَ المُنشِدينَ وَالخُرُدِ

فَاِنظُر إِذا اِشتَقتَ في مَنازِلِها

أَو زُر حَبيباً دَعاكَ مِن بُعُدِ

وَاللَهُ يَلقى كَمَن كَلِفتُ بِهِ

مِن آلِ بَكرٍ أَظَنَّ بِالنَكَدِ

أَبقى لَكَ البَينَ في مَلاعِبِهِ

فَاِنصاعَ لِلبَينِ آخِرَ الأَبَدِ

يَعتادُ عَينَيكَ مِن تَذَكُّرِها

رِمصانُ مِثلُ العَوائِدِ الخُرُدِ

ماذا بِإِرسالِها تُعاتِبُني

في زائِرٍ زارَني وَلَم يَعُدِ

قالَت لِحَوراءَ مِن مَناصِفِها

كَالريمِ لَم تَكتَحِل مِنَ الرَمَدِ

روحي إِلى مُشرِكٍ بِخُلَّتِنا

خُلَّةَ أُخرى وَقَد يَرى كَمَدي

قولي تَقولُ الَّتي أَسَأَت لَها

إِن لَم أَنَلهُ ما شيمَتي بِرَدِ

قَصَرتُ طَرفي إِلَيكَ قانِعَةً

وَأَنتَ ذو طُرَّتَينِ في وَرَدِ

فَاِذهَب سَيَكفيكَ ما بَرِمتَ بِهِ

مِنّا وَتُخلى حِباكَ لِلوُرُدِ

فَقُلتُ لا تُسرِعي بِمَعتَبَةٍ

في غَيرِ ذَنبٍ جَنَيتُهُ بِيَدي

لا كُنتُ إِن لَم أَكُن أُحِبُّكُمُ

جُهدي فَما بَعدَ حُبِّ مُجتَهِدِ

أَيُّ حَديثٍ دَبَّ الوُشاةُ بِهِ

أَبصَرتِ غَيّي فَأَبصِري رَشَدي

ما كانَ إِلّا حَديثَ جارِيَةٍ

لَم تَلقَ روحي وَوافَقَت جَسَدي

يا وَيحَها طِفلَةً خَلَوتُ بِها

لَيسَ دُنُوّي فيها مِنَ العُدَدِ

فَأَعهِدينا مِنَ الظُنونِ عَلى

تَبليغِ واشٍ وَقَولِ ذي حَسَدِ

قَد تُبتُ مِمّا كَرِهتُ فَاِحتَسِبي

غُفرانَ ما قَد جَنَيتُ مُعتَمَدي

كانَت عَلى ذاكَ مِن مَوَدَّتِنا

إِذ نَحنُ مِن غائِبٍ وَمُصطَرِدِ

نَطوي لِذاكَ الزَمانِ نَصرِفُهُ

طيباً وَنَشفي بِهِ صَدى الكَمَدِ

حَتّى اِنطَوى العَيشُ عَن مَريرَتِهِ

في صَوتِ جارٍ حَدا بِنا غَرِدِ

فَاِعذُر مُحِبّاً بِفَقدِ جيرَتِهِ

مَتى يَبِن مَن هَويتُ يَفتَقِدِ