حكمة الدهر

حكمةُ الدهر أن نعيشَ سُكارى

فاجمعا لي الكؤوسَ والأوتارا

واجلُواها دنيا ممتّعةَ الحُسْـ

ـنِ، كما تجلوان إحدى العذارى

هي كالورد تحمِل الشوك والعِطْـ

ـرَ، وإن خُيّر اللبيبُ اختارا

كلُّنا كلُّنا نجاذبها الوَصْـ

ـلَ، ونجني اللذائذَ الأبكارا

إنّما ذاك يرفع الصوت في النّا

دي وهذا يُلقي عليها ستارا

فانهبِ العيشَ لا أبا لكَ نهباً

واطَّرحْ عنك وجهكَ المستعارا

لستَ مهما عمّرتَ غيرَ جناحٍ

حطَّ في الدوح لحظةً ثم طارا

أو خيالٍ بدا على الرقعة البَيْـ

ـضاءِ للناظرين ثم توارى

هبْكَ جبرانَ يُلبس الأدبَ السِّحْـ

ـرَ، فيأتي بالمعجزات كبارا

يغسل الأنفسَ الجريحة بالدَّمْـ

ـعِ، فيكسو تلك الجراح افترارا

يسكب النِّقسَ والبيان على الطِّرْ

سِ، فيطوي على الظلام النهارا

يُرسل الفكرةَ النقيّة عَذْرا

ءَ، ويُرخي الضحى عليها إِزارا

يتعلّى حتى يجوزَ مدى الوَهْـ

ـمِ، وحتى يُهَتِّكَ الأسرارا

أفَتَرْجو شُفِيتَ من مرض الغَفْـ

ـلةِ أن يضفروا لرأسكَ غارا

هبكَ جبرانَ وهو إنجيلُ هذا الـ

ـعَصرِ فاضت آياتُه أنوارا

ذلك الإرث من فَلاسفة الأَجْـ

ـيالِ حابت به الحظوظُ نِزارا

ذلك الجدولُ الذي يملأ الوا

دي اخضراراً والضفَّتين ازدهارا

تستحمُّ النفوسُ فيه فلا تَبْـ

ـرحُ إلا جوانحاً أطهارا

وتوُّد النجومُ لو سُمّرَ اللَّيْـ

ـلُ، فظلَّتْ لشجوِهِ سُمّارا

أفترجو شُفِيتَ من مرض الغَـفْـ

ـلةِ أن يضفروا لرأسك غارا

هبكَ جبرانَ يرسم الفكر ألوا

حاً تطوف العقولُ فيها سُكارى

تتنزَّى أرواحُها خلَلَ الخَطْ

طِ كما ثار في الحديد الأسارى

و لكادتْ لروعة الفن تَرْفَضْـ

ضُ وراحت تشقُّ عنها الإطارا

يبعث الدارجين في الأعصر الغُبْـ

ـرِ وكانوا على رحاها غبارا

فإذا هم مواثلٌ نفضوا الأرْ

ماسَ عنهم ومزَّقوا الأدهارا

أَفَترجو شُفيت من مرض الغَفْـ

ـلة أن يضفروا لرأسكَ غارا

مُتْ إذا شئتَ أن تكون أديباً

أو فبَدِّلْ بغير لبنانَ دارا

بلدٌ قُسّمتْ حظوظُ بنيه

فأصبنا من بِيضِها الأصفارا

أنفٌ للبلاد أن تحملَ العا

رَ رضينا أن نعتبَ الأقدارا

ليس ما ترشح الشفاهُ ابتساماً

لو تأمَّلتَ بل جراحاً حِرارا

ولقد يُعذرَ الأديبُ متى ضِيـ

ـمَ إذا أرسلَ العتابَ اضطرارا

أيها العبقريُّ يا شرفَ الأَرْ

زِ، كفى الأرزَ إن ذُكرتَ فَخارا

ويحَ لبنانَ كلما ذَرَّ نجمٌ

فيه ولّى عن أفقِه وأنارا

ضمَّك الشيخُ فكرةً وتراباً

ليته ضمَّ غصنَه والهَزارا