ألا هل لدائي من فراقك إفراق

أَلاَ هلْ لدائي من فراقِك إفراقُ

هو السُّمُّ لكنْ في لقائِك دِرْياق

فيا شمسَ فضلٍ غَرَّبتْ ولضوئِها

على كلِّ قُطرٍ بالمَشارق إشراق

سَقى العهدُ عهداً منك عَمَّرَ عهدُه

بقلبي عهدٌ لا يَضيع ومثياق

يُجَدِّدُه ذِكْرٌ يَطيب كما شَدَتْ

وُرَيقاءُ كَنَّتْها من الأَيْكِ أَوراق

لك الخُلق الجَزْل الرَّفيع طِرازُه

وأكثرُ أخلاقِ الخَليقة أَخْلاق

لقد صاولتْنِي يا أبا الصَّلْتِ مذ نأتْ

ديارُك عن داري همومٌ وأشواق

إذا عَزَّني إطفاؤُها بمَدامِعي

جَرتْ ولها ما بينَ جفنَىَّ إحراق

سحائبُ يَحْدوها زَفيرٌ يَجُرُّه

خلالَ التَّراقِي والتَّرائبِ تَشْهاق

وقد كان لي كنزٌ من الصبر واسع

فلى منه في صَعْب النَّوائب إِنفاق

وسيفٌ إذا جردتُ بعضَ غِراره

لجيش خطوبٍ صَدَّها منه إِرهاق

إلى أن أبان البينُ أن غِراره

غرور وأن الكنز فقر وإملاق

أخي سيدي مولاي دعوة من صَفا

وليس له من رِقِّ وُدّك إعتاق

لئن بَعَّدتْ ما بيننا شُقَّة النَّوى

ومُطَّرِدٌ طامي الغَوارِب خَفّاق

وبِيدٌ إذا كَلَّفتها العِيسَ قَصَّرتْ

طَلائحَ أَنْضاها ذَميلٌ وإعناق

فعندي لك الود المُلازمُ مثلَما

تُلازم أعناقَ الحمائمِ أطواق

أَلاَ هلْ لأيامي بك الغُرِّ عودةٌ

كعهدِي وَثَغْرُ الثغرِ أَشْنَبُ بَرّاق

لياليَ يُدْنينا جِوارٌ أَعادَنا

من القُرب كالصِّنْوَيْن ضمهما ساق

وما بيننا من حُسْنِ لفظِك روضةٌ

بها حَسَدتْ منا المسامعَ أحْداق

حديثٌ حديثٌ كلما طال موجز

مفيد إلى قلب المحدَّث سَبّاق

يُزَجِّيه بحرٌ من علومِك زاخرٌ

له كلُّ بحرٍ فائضُ اللُّجِّ رَقْراق

مَعانٍ كَأَطوادِ الشَّامخِ جَزْلةٌ

تضمَّنها عذبٌ من اللفظِ غَيْداق

به حِكَمٌ مستنبطاتٌ غَرائبٌ

لأَبْكارِها الغُرِّ الفَلاسفُ عُشّاق

فلو عاش رَسْطالِيسُ كان له بها

غرامٌ وقلبٌ دائم الفكرِ تَوّاق

فيا واحدَ الفضلِ الذي العلمُ قُوتُه

وأهلوه مشتاقون شُمٌّ وذُوّاق

لئن قَصَّرت كُتْبي فلا غروَ أنه

لعائقِ عذرٍ والمقاديرُ أُوْهاق

كتبتُ وآفاتُ البحارِ تَردُّها

فإنْ لم يكنْ رَدٌّ إلىَّ فإغراق

بحارٌ بأَحكامِ الرِّياحِ فإنها

مفاتيحُ في أَبوابِهنَّ وأَغْلاق

ومَنْ لي بأنْ أَحظَى إليك بنظرةٍ

فيسكنَ مِقْلاقٌ ويَرْقأَ مُهْراق