لله يومي بالثغر في الجوسق

للهِ يومي بالثغرِ في الجَوْسَقْ

والأرضُ تُجْلَى في روضِها المُونِقْ

والنيلُ يحشُو حَشا الخليجِ وقد

كَساه زهرُ الربيعِ بإسْتَبْرَق

ودَرَّجتْ ماءَه الصَّبا فحكى

ثوبَ حريرٍ مُدَمْقَسٍ أزرق

وراقَ بين الرياض فهْو كما

فَرَّج فوق الغلالِة اليَلْمَق

وحمرةُ الشمسِ في الغدير وقد

مرت عليه ريحُ الصَّبا تَعْبَق

كأنه صدرُ فضةٍ قُصِّرت

حافته وهْو مُذْهَبٌ مُحْرَق

كدرهمٍ حُطَّ فوقَ سُنْدُسةٍ

أَدقَّ فيه النَّقَّاش ما زَوَّق

كأنه والنباتُ يحصُره

عينٌ بها هُدْبٌ جفنُها محدِق

كالبدرِ في زرقِة السماء وقد

حَفته فيها النجومُ بالمشرق

صَفا كودِّى وعَبْرتي وحكى

قلبي بتَمْويجه كما يخفِق

والغيمُ يبكي والبرقُ يضحك وال

رعدُ من الغيظِ صائحٌ مُحْنَق

والبرق ثوب تشِفّ حمرتُه

والرعدُ تصويته إذا خُرِّق

كأنّ قوس الغمامِ حاشيةٌ

من سَفَط الخَزِّ بعدَ ما طَبَّق

أو كحواشي عَصائبٍ ظهرتْ

ألوانُها في جبينِ مَنْ يَعْشق

دوائرٌ صُبِّغتْ مُداخَلةٌ

فكلُّ لونٍ بضِدِّه مُلْصَق

أطواقُ لاذٍ في جِيدِ غانيةٍ

دَرَّج ألوانَهن مَنْ طَوَّق

والوُرْقُ بين ألأوراقِ صادحةٌ

فكلُّ ورقاءَ راسلتْ أَوْرَق

يا ليتَ شِعْري غَنَّت أَمِ انتحبَت

بلِ الأغاني بحالِها أليق

لو ادَّعتْ أنها بكتْ كَذَبت

وشاهدُ الحالِ صادقُ المنطق

أين شهيقُ الباكي وعَبْرتُه

إذا بدتْ من جفونِه تسبق

تَرْتع في حُلَّةٍ مُصَنْدَلةٍ

والعِطْرُ في الروضِ عِطْرُها يَعْبَق

والطوقُ في جِيدِها وقد خَضَّب ال

حِناءُ أطرافَها إلى المِرْفَق

وحولها من تحِبّ في وطنٍ

جناحُها في رياضِهِ مُطْلَق

خِلافُ حالِي في غربةٍ تَرَّحتْ

مُشتَّتَ الشملِ شائبَ المَفْرِق

أبكى بدمعٍ كأنه مطرٌ

فكلَّما فاضِ كِدْتُ أنْ أغرق

ذو لوعةٍ كاللهيب صادعةٍ

تحرِقني بالزفير أو تخنُق

مالي وللدهرِ لا يَصِحُّ له

عهدٌ وعقدٌ عندي ولا مَوْثِق

ترمى فؤادىَ أيدي حوادثِه

بأَسْهمٍ عن قِسِيِّها تُرْشَق

مأوىً لما دَبَّ من مَصائبها

وغاص تحت البحار أو حَلَّق

يَنْتابُني من جيوشها أُمَم

إذا مضى فَيْلقٌ أتى فيلق

فَرِقت منها حتى أَنِستُ بها

مع التمادى فصرت لا أَفْرَقُ

لغربتي غربةُ النَّوى خُلِقتْ

فلا غرابٌ إلا بها يَنْعِقَ

فهْي لشَمْلي مذ كنت شاملة

وهْو أسير في قَيْدِها مُوثَق

فليتَها إذ حَوَتْه كان إذا

رَقَّ شبابي من أَسْرِها مُطْلَق

لكنها عَبَّرتْهُ عالمةً

بأنّ صدري لفَقْدِه أضيق

وغادرتْ عنديَ المشيبَ فما

أَشيب من بعده لما يَطْرُق

فثوبُ عيشى أَضْحى به خَلَقا

وهْو جديدٌ عليه لا يَخْلُق

رافَقني وهْو لا يفارِقني

إلى الرَّدَى وهو منه لي أوفَق

ما أَرْغَب الناسَ في الحياةِ ولا

ترغب في راغبٍ ولا تُشْفِق

تُذيقُنا شهدها اليسيرَ وكم

نَغَصُّ من أجله وكم نَشْرَق

ليت أبا الخَلْقِ آدمَ اتَّهمَ ال

شيطانَ في قوله وما صَدَّق

وفَرَّ عن أكلِ ما غَواهُ به

حزما فما ذاقه ولا ذَوَّق

أو قَرَّ في الخلدِ ثم يُرْزَقُنا

أو عَقَّمتْه الدنيا فلم يُرزَق

أو ليت حَوَّافي في الأصلِ ما خُلِقت

أو ليتها لم تَلد ولم تَعْلَق

لكنْ دُفِعنا فيها إلى مِحَنٍ

تَصْبَحنا بالهموم أو تَغْبُق

طِباعُها السُّوء واللبيبُ بها

أسوأُ حالا فيها منَ الأحمق

مأوَى الرَّزايا من حينِ يَنْبِذه ال

ظهرُ إلى حيث لَحْدُه الموبِق

من سَلَّمت من جَنينها وقضى

سَقطا فقد وُفِّقتْ وقد وُفِّق

هَمَّت بتحصيله كما حَصَّلتْ

بغير نفعٍ يُرْجَى ولا مَرْفَق

تصرخ إنْ مات مثلما صَرختْ

وهْي به في مَخاضِها تُطْلَق

وهْو إذا عاش في محاربة

يُطْعَن بالحادثات أو يُرْشَق

فالعيشُ نفسُ الهلاكِ والمُقْبِلُ ال

مسعود من لم يَعِش ولم يُخْلَق