من أوراق العربي الأخير

1

أُفَكِّرُ فِي مَا مَضَى مِنْ بَقَائِيَ

هَلْ كُنْتُ حَيًّا وَهَلْ كُنْتُ حَقَّا؟

تَـمُرُّ بِيَ الأُغْنِيَاتُ القَدِيـمَةُ

تَلْمِسُ قَلْبِيَ

شَقًّا فَشَقَّا

أَرَى فِي السَّمَاءِ جَلَالًا خَفِيًّا

فَأَدْنُو إِلَى البُسَطَاءِ لِأَرْقَى

وَأُمْنِيَةً لَا تَجِيءُ لِلُقْيَايَ

وَحْدِيَ آتِي السَّرَابَ لِأَلْقَى

شَقَائِيَ

أَنْ كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ طَرَحَ العِشْقَ عَنْ كَتِفَيْهِ

لِيَشْقَى

وَلَيْلِيَ أَنِّي مَعَ الذِّكْرَيَاتِ

إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ

أُوتِيتُ بَرْقَا

وَعُمْرِيَ أَنِّي أُفِيقُ مِنَ النومِ

كَيْ أَسْألَ الوَهْمَ: مَاذَا تَبَقَّى؟

فَتَاةٌ هُنَاكَ وَأُخْرَى هُنَا

وَوَرْدٌ يَجِفُّ وَآخَرُ يُسْقَى

وَأُنْشُوطَةُ الصَّوْتِ تَهْتَزُّ بِي:

مُخَيِّلَةُ الغَدِ خَيْرٌ وَأَبْقَى …

2

مِن الرَّمْلِ وهْوَ يُعرِّي التماثيلَ

أَخْرُجُ مُسْتَتِرًا بِالـمَرَايَا

مَع امْرَأَةٍ عَبَرَتْ مِنْ أَمَامِي

أُسِرُّ السَّلامَ لِرَبِّ الهَدَايَا

سَلَامٌ عَلَى أَوَّلِ العَارِفِينَ

سَلَامٌ عَلَى نُورِهِ فِي الحَنَايَا

دَمٌ فِي عُرُوقِ الحَقِيقَةِ

سَوْفَ يُضِيءُ إِلَى أَنْ تَشِفَّ النَّوَايَا

سَيَهْبِطُ شَيْطَانُ هَذِي الصَّلَاةِ

وَيَصْعَدُ

إِنْسَانُ تِلْكَ الـخَطَايَا

سَيَنْبُتُ فِي ضِفَّةِ السِّرِّ بَدْرٌ

يُهِيلُ عَلَى الـمَاءِ طُهْرَ العَرَايَا

سَيَبْتَسِمُ الحُبُّ مِلءَ مَدَاهُ

وَيَبْسُطُ هَيْبَتَهُ فِي البَرَايَا

هُنالِكَ

تُحمَدُ لِلشُّهَدَاءِ جُرُوحُهُمُ

وَتُذَاعُ الرَّزَايَا

وَيُؤْتَى لِكُلِّ يَدٍ غِمْدُهَا

وَيُفتَحُ جَهْرًا كِتَابُ الـمَنَايَا

فَخَابَ الَّذِي سَلَّهَا اليَوْمَ

سَيْفًا

وَفَازَ الَّذِي مَدَّهَا اليَوْمَ نَايَا

3

أَنَا مِنْ أُوْلَئِكَ

مَنْ عَمَّدُوا دِمَاءَ السَّبَايَا بِـمَاءِ الرِّجَالْ

قَتَلْتُ ابْنَتِي قَبْلَ أَلْفَيِّ عَامٍ

نَدِمْتُ وَلَكِنَّنِي لَا أَزَالْ

أَنَا مِنْهُمُ

كُلُّنَا قَاتِلُونَ

وَلَكِنَّنَا لَا نُجِيدُ القِتَالْ

وَأَعْمَارُنَا نَفَسٌ لَا يُرَى

وَأَحْلَامُنَا تَرَفٌ لَا يُطَالْ

يُعَلِّمُنَا النَّخْلُ أَنَّا كِبَارٌ

فَنَدْهَسُ هَامَاتِنَا فِي الظِّلَالْ

وَتُوحِي لَنَا الرِّيحُ أَنَّا تُرَابٌ

فَنَهْوِي سُجُودًا لِصُمِّ الـجِبَالْ

نَـهِيمُ

كَأَنَّ خُطَانَا تَقُولُ

وَنَنْوِي كَأَنَّ القُلُوبَ تُقَالْ

وَمِنْ قُبَّةٍ فِي أَقَاصِي الرَّجَاءِ

نَرَى وَطَنًا

فِي أَقَاصِي الـمُحَالْ

وَلَيْسَ لِأَنَّا خُلِقْنَا شُتُوتًا

أَطَلْنَا مَعَ اللهِ هَذَا الجِدَالْ

خَطِيئَتُنَا أَنَّنَا مُؤْمِنُونَ

وَلَـمَّا نُقِمْ بَعْدُ رُكْنَ السُّؤَالْ

4

سَنَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الـمُمْكِنَاتِ

وَنَـخْتَبِرُ الـمَوْتَ قَبْلَ الغِيَابْ

وَنَعْشَقُ كُلَّ النِّسَاءِ

وَيَهْجُرْنَنَا ثُمَّ يَبْغَتْنَنَا بِالعِتَابْ

لِمَاذَا نُحِبُّ؟

سُؤَالٌ قَدِيمٌ وَلَكِنَّنَا لَا نَمَلُّ الجَوَابْ

لِأَنَّا تَعِبْنَا نَمُوتُ انْتِظَارًا

سَنَحْيَا إِذَنْ فِي مَهَبِّ الحِرَابْ

سَنَعْصِي أَبَانَا

وَنَحْسِدُ إِخْوَتَنَا

وَنَسُنُّ عُيُونَ الذِّئَابْ

سَنَكْذِبُ مُوسَى

وَنَصْدُقُهُ

حِينَ يَضْرِبُ فِرْعَوْنُ فَجَّ اليَبَابْ

سَنَصْلِبُ عِيسَى

وَنَرْفَعُهُ

عِنْدَ أَوَّلِ مُفْتَرَقٍ لِلْعَذَابْ

سَنَحْتَزِبُ اليَوْمَ سَبْعِينَ حِزْبًا

وكُلٌّ سَيُشْهِرُ أُمَّ الكِتَابْ

نَقُولُ بِأنَّا نَسِينَا الـمَفَاتِيحَ

لَكِنَّهُ لَيْسَ ثَـمَّةَ بَابْ

سَنَخْرُجُ مِنْ كُلِّ هَذَا الـهَبَاءِ

لِنَدْخُلَ فِي كُلِّ ذَاكَ الضَّبَابْ …

5

لِـحَشْرَجَةٍ خَلْفَ سُورِ الضُّلُوعِ

وَلِلْقَلْبِ مُنْهَمِكًا فِي الدُّخَانْ

سَلَامَانِ مِنْ قَلَقِ العَرَبِيِّ

وَمِنْ خَوْفِهِ أَنْ يَعُودَ الزَّمَانْ

سَيَفْتَحُ عَيْنَيْهِ قَلْبُ الحُسَيْنِ

فَيَفْقَؤُهُ خِنْجَرُ الـهُرْمُزَانْ

سَيُسْأَلُ كُلُّ دَمٍ عَنْ شَذَاهُ

وَيُسْألُ عَمَّا رَأَى الأُقْحُوَانْ

سَنَحْتَارُ

مَنْ خَانَنَا؟ وَمَتَى؟

وَلَيْسَ يُؤَرِّقُنَا كَيْفَ خَانْ؟

سَتَنْتَفِضُ اللُّغَةُ الـمُومِيَاءُ

تُؤَذِّنُ فِينَا

بِــــ (لَيْتَ) وَ (كَانْ)

سَتَرْبَحُ خَيْلُ الشِّقَاقِ السِّبَاقَ

وَيَقْتَسِمُ الخَاسِرُونَ الرِّهَانْ

وَجِيءَ بِأَرْبَابِـهِمْ أَجْمَعِينَ

وَنُودِيَ أَنْ هَا هُمَا الـمَذْهَبَانْ

إِلَى مَا صَنَعْتُمْ وَبِئْسَ الـمَصِيرِ

بِأَيِّ اتِّسَاعِ الرُّؤَى تَكْذِبَانْ؟

عَظِيمٌ هُوَ اللهُ

لَيْسَ قَلِيلًا

لِيَنْفَدَ قَبْلَ أَوَانِ الأَوَانْ