يا له في الرجال من رجل

يَا لَهُ فِي الرِّجَالِ مِنْ رَجُلِ

خَافِقِ القَلبِ سَاهِدِ المُقَلِ!

يَلْعَبُ الوَجْدُ فِي جَوَانِحِهِ

لِعْبَ رِيحٍ هَبَّتْ عَلَى شُعَلِ

رَقَّ رُوحًا ورَقَّ عَاطِفَةً

فَهُمَا فِيهِ عِلَّةُ العِلَلِ

عَلَّمَ الماءَ أَنْ يَئِنَّ كَمَا

لَقَّنَ الطيرَ نَوْحَةَ الثَّكَلِ

يَعْشَقُ الحُسْنَ فَهْوَ خَمْرَتُهُ

وَهْوَ مِنْهَا كَالشَّارِبِ الثَّمِلِ

يَتَغَنَّى بِالشِّعْرِ مُبْتَسِمًا

وَيُغَنِّي لِلأَعْيُنِ النُّجُلِ

ذَاعَ فِي الكَونِ صِيتُهُ وَغَدَا

شِعْرُهُ فِيهِ مَضْرِبَ المَثَلِ

مَعَ هَذَا مَا زَالَ مُمْتَهَنَ الـ

ـقَدْرِ رَهْنَ الشَّقَاءِ وَالفَشَلِ

غَاصَ فِي أَبْحُرِ القَرِيضِ فَمِنْ

كَامِلٍ وَافِرٍ إِلَى رَمَلِ

أَبْحُرٍ رَحبَةِ العُبَابِ وَلَمْ

يُغْنِهِ مَا بِهَا عَنِ الوَشَلِ

كَمْ بُيُوتٍ بَنَتْ قَرِيحَتُهُ

بِالمَعَانِي تَزْهُو وَبِالجُمَلِ

ظَنَّ فِيهَا الغِنَى فَمَا قَدَرَتْ

أَنْ تَقِيهِ نَوْمًا عَلَى السُّبُلِ

أَلْبَسَ الطِّرْسَ مِنْ خَوَاطِرِهِ

حُلَلًا وَهْوَ مُعْدَمُ الحُلَلِ

وَتَرَاهُ صِفرَ اليَدَيْنِ وَكَمْ

نَظَمَتْ كَفُّهُ عقودَ حُلِي

أَسْكَرَ النَّاسَ وَهْوَ بَيْنَهُمُ

فَاقِدُ الزَّهوِ خَائِبُ الأمَلِ

هُمُ يَتْلُونَ آهِ مِنْ طَرَبٍ

وَهْوَ يَتْلُو آهًا مِنَ المَلَلِ

إِنَّ هَذَا، وَأَنْتَ تَعْرِفُهُ،

شَاعِرُ الأَمْسِ شَاعِرُ الأَزَلِ

كَانَ أَشْقَى الوَرَى بِحَالَتِهِ

وَسَيَبْقَى كَذَا وَلَمْ يَزَلِ

هُوَ «أَعْشًى» يَنُوحُ مُكْتَئِبًا

وَ«زُهَيْرٌ» يَشْدُو عَلَى الجَمَلِ

هُوَ «قَيْسٌ» يُجِنُّ مِنْ وَلَهٍ

وَ«ابْنُ حُجْرٍ» يَبْكِي عَلَى الطَّلَلِ

حَكَمَ الدَّهْرُ أَنْ نمَاشيَهُ

فَلَكَ البَعْضُ مِنْ شَقَاهُ وَلِي

فِي زَمَانٍ يُرْدِي النُّبُوغَ وَلَا

فَرْقَ بِالشِّعْرِ فِيهِ وَالزَّجَلِ

شَقِيَتْ حَالَةُ الأدِيبِ فَهَا

أَنَا أَجْفُو طِرْسِي إِلَى أَجَلِ

قُلْ مَعِي يَا حَلِيمُ مِنْ لَهَفٍ:

دَوْلَةُ الشِّعْرِ أَتْعَسُ الدُّوَلِ!