تنبه دهري من عهود معاهدي

تنبه دهري من عهود معاهدي

فأسعدني تذكار تلك المعاهدِ

حللت به في برج سعدٍ كأنني

حللتُ به فوق السهى والفراقدِ

رعى اللَه أياماً حمدت جديدَها

بتجديدها إحسانَ تلك المحامد

وأذكرني من أُنسِها ما نسيتُه

وحاشاي أن أنسى ذمام المساعد

ألا إنما الأيام يحلو ورودها

إذا كان من تهواه حلوَ الموارد

فكل حبيبٍ لا يشوقك قربُه

فلا تذمُمَنْ زمانَه بالتباعد

فأنأى نُفورِ القلب بغضُ أقاربٍ

وأقربُ أنس المرء حبُّّ الأباعد

وما اشتدت الأيام بالهجر شدةً

ولكنها تاقت لمخض الفوائد

بفضل إمام فاضلٍ فوق ما ترى

غدا طارفيَّ المجد من بعد تالدي

أرانا سبيلَ الحق برهانُه الهدى

وقلَّدنا من بعدُ عِقدَ العقائد

له المشترى والشمس والبدر في السما

محلٌّ وفضلٌ واشتياقُ المشاهد

إذا ما سألت المجد أين محله

أجاب بصدقٍ عن يمين وشاهد

أثاناسيُوس فخر الأيمة في الورى

وأفخرُ من يُلقَى له بالمقالد

خليفة رأسِ الرسلِ بطرس إنما

إلى مثله يُعطَى القضا غير فاسد

لقد شرفت حقّاً دمشقُ بأصله

كذا حلبٌ قد شُرِّفَت للتعاضد

وأشرفُ من هذه وتلك رئاسةً

وأسعدُ أنطاكيةٌ في المشاهد

سَميُّك حامَى عن حقيقة بيعةٍ

مقدسةٍ في مصر فعل المجاهد

وأنت بإنطاكيةٍ كنتَ دافعاً

عن الدين قبلاً من عدوٍّ معاند

وأنت سماءٌ فيك أشرق دينُنا

مليّاً وأعشى عينَ ضدٍّ وحاسد

وأنت إمامٌ يا أميناً مجاهداً

لك الحمد من ناءٍ ودانٍ ووافد

وأنت طريق الحق والحق ناطقٌ

بفيك فيدعو للهدى كلَّ شارد

وأنت هو الراعي الحقيقيْ كبطرسٍ

رعيتَ خرافاً في مروج المحامد

فلا الذئب يفسدْها بهرطقةٍ ولا

يدُ الكفر تلطمْها بوصمة جاحد

وأركبتها طِرفَ الشريعة مُسرَجاً

تصول على الأعداء بين الجلامد

وألبستها درع الأمانة سابغاً

وقلدتَها الإنجيل سيفَ المجاهد

فوزناتك اللاتي ربحتَ عدادَها

تبشِّرُنا في كل خيرٍ مساعد

أيا سيداً قدستَ أرضاً حللتَها

كتقديس ربِّ المجدِ أرضَ المواعد

أيا بطركاً لا زال علمك عاملاً

ثمارَ نفوسٍ فوق تلك الموائد

فطوبى طرابلسَ الرفيعِ محلُّها

بكُم حين زرتُم ما لها من معاهد

وطوبى لرهطٍ يخدمون محلَّكم

وطوبى إذا أهديتُكم من قصائدي

تشرَّف نطقي عند مدحي خلالَكم

وأعجزني مقدارُكم في النشائد

بقيتم لنا ذخراً وركناً وملجأً

يقينا سهامَ العار من كل حاقد

فنحن بنوكم يا أبانا فَنَحِّنا

فأحسِنْ بمولدٍ وأعظِمْ بوالد

لكم ملكوت اللَه إرثٌ مؤبَّدٌ

وقد جئتموه من طريقة زاهد

أيا واحداً في الدهر والدهر قائلٌ

رعى اللَه قلبي ثم عيني وواحدي