ذريني فجدي حيثما كنت مرشدي

ذريني فجُدِّي حيثُما كنتِ مرشدي

أجوبُ الفيافي رغبةً في التعبُّدِ

على متن محنيِّ الأضالع ضامرٍ

تَخالُ حَصى أقدامِه ضوءَ فرقد

أسيرُ كأنّي في قِبابٍ منيعةٍ

بما يَعتليه من غُبارٍ مبدَّد

وأحسب نفسي راكداً وهو راكضٌ

وأحسبُ نِضوي طائراً غيرَ مُطْرَد

فلم أدر هذا من سروري ببُغيتي ال

سعيدةِ أو راضٍ بسيري ومقصدي

فما زلتُ أمشي مشيةَ الضبِّ حائراً

وما زال يسعى كالقطا وهو مهتدِ

وأعرضتُ عن قول المُنَقِّب باطلاً

لعلَّك أن يلقاك هادٍ فتهتدي

إلى أن تراءت لي طلائعُ مأربي

وشارفتُ أطلالَ البناء الممرَّد

فألقيتُ نهراً فوقه النور ضارباً

قبابَ الأماني والهناءِ المُرغَّد

كأن خرير الماء والظل وارفٌ

عليه حكى واللَه أنغامَ مَعبَد

وقد درَّعته الريح درعاً مزرَّداً

يجانسه ثوبُ الربيع المورَّد

تناشدني أحوالُه وهو مخبرٌ

ونجمُ الدجى فيه كعقدٍ مبدَّد

يشوعُ بن نونٍ كان أوقف جِريَتي

قديماً وابنُ اللَه قدَّس موردي

فنادى وقد ألفَى به الإبنُ عارياً

يرومُ اصطباغاً من يد الطاهر اليد

تروم اصطباغاً يا إلهي تعمُّداً

لإكمال برٍّ أم لفضل التعمُّد

تروم اصطباغاً يا إلهي تعمُّداً

لإكمال عدلٍ أم لإثبات سؤدد

فإنك قبل القَبل في الذات سيِّدٌ

وإنك بعد البعد أعظمُ سيد

أتاك إلهٌ يا يوحنا مطاطئاً

لديك ولم يأنف قبولَ المُعمِّد

أتاك إلهٌ ضمن ناسوته اختبا

وقد نَزَّه اللاهوت عن كل مشهد

وقد قدَّس الأمواهَ يومَ وروده

فصار بها للناس أحسنُ مورد

بها ورد التنزيل عن جل صادقٍ

بإنجيل ربٍّ صادقٍ متأكِّد

فمن لم يكن بالماء والروح مُعمَداً

يَعُد عن جنان الخلد عَودَ المفنَّد

حنيني لأردنٍّ وقد حلَّ شطَّه

إلهٌ تجلى فوق عرشٍ موطَّد

حنيني لأردنٍّ وقد ضم ضمنَه

وحيداً يفوق قدرُه كلَّ أوحد

على شطه ألقى المسيح وشاحَه

وكان لثوب النور أحسنَ مُرتَد

أطاع الذي قد سنَّّه ابنُ عاقرٍ

فيا ويح عبدٍ لم يطع وهو معتد

عرفناه ربّاً والشهود ثلاثةٌ

وللشرع يقضي فيهم حُكمَ مهتد

إذ الروحُ يشهدْ مذ بدا كحمامةٍ

كذا الآبُ يهتفْ شاهداً للمُعَمَّد

فهذا هو إبني الحبيب اسمعوا له

فيا حبذا صوتٌ عليه تعمُّدي

وينبيك يوحنا النبيْ وهو شاهدٌ

فهذا هو ابن اللَه ربي وسيدي

فيا حبذا ربٌّ ونهرٌ وشاهدٌ

ويا حبذا دينٌ إلى الحق مرشدي

هنيّاً ليوحنا الحصورِ الذي سما

بمولاه فوق الخلق طرّاً بسؤدد

وقد شهد ابنُ اللَه فيه شهادةً

ومضمونها يعلو على كل جيِّد

فما قام حقّاً في المواليد كلِّهم

نبيٌّ له بالفضل قدرُ المُعَمَّد

ل يجب الإكرام من كل واحدٍ

من الناس والأملاكِ يوماً وفي غد

فإن كان عبدُ الله هذا مديحَه

فما حظُّ أمِّ الله من مدح منشد

فدونك برقاً لاح من نور فضله

متى شمتَه أنساك بُرقةَ تَهْمُدِ

فناديتُها والعقلُ مني مولَّهٌ

أماناً فأعياني علاكِ فأيّدي

فإن لم يوطّدني على الحق فضلُها

فلست على إسِّ التقى بموطد

فما أكثرَ القُصّادَ واللَهُ سؤلُهم

ومن ضل عنها ضل عن كل مقصد

أتيتكِ مُلقىً تحت أذيال عزةٍ

فطوبى لعبدٍ في حماكِ مؤيّد

ألا فاحفظيني يابتول فإنني

لغيركِ مذ أُوجدتُ لم أتعبَّد

فجُدّي وأدّي علِّمي ثم جدّدي

وعيني وإحمي حَكِّمي ثم سدّدي