لو كان للأفلاك نطق أو فم

لو كان للأفلاكِ نطقٌ أو فمُ

لترنموا بمديحكِ يا مريمُ

أنت التي ورَدَ الإلهُ مؤنَّساً

منها وفيها شانُها يتعظم

وبروح قدسٍ حاز منها جسمَه

متقدساً وبقدسه يتجسم

أمَّ الإلهِ به غدوتِ حقيقةً

من شكَّ يكفر والكفور سيندم

فالإبن يأخذ من أبيه وأمه

سرّاً وطبعاً فيهما يَتقنَّم

أخذ المسيح من الإله أبيه ما

لأبيه من لاهوته إذ يَحكم

وله من البِكر البتولةِ أمِّه

ناسوتُه المتجسد المتجسم

فنراه مثل أبيه ربّاً قادراً

هدمَ الأنامَ وعرشُه لا يُهدَم

ونراه يحمل ما لمريم أمِّه

متألماً وبجسمه يتألم

بمشيئَتَيه غدا الورى متدبّراً

ثُمَّتْ نجا بطبيعتيه آدم

فإذا نظرنا في يسوع وأمه

فنراه فيها طابَعاً إذ يَختم

فهمٌ وعقلٌ ثم حسنٌ فائقٌ

هذا بتلك وتلك فيه تُرسَم

فبأي مقدارٍ أشبِّه عِظمَها

حتى يشبِّهَها الإلهُ الأعظم

إن قلتُ شمساً فالكسوف يَعيبها

أما بَهاكِ فكلَّ يومٍ يعظُم

أو قلت بدراً فالخسوف يَشينه

أما سناكِ فكلَّ يومٍ يُضرَم

أو قلت نجماً فالكواكب كلها

تجثو لديكِ بإحتشامٍ يَكرُم

أو قلت كاروبيمَ عرشِ إلهِنا

فسموُّهم بسمو شانك يُهضَم

أو قلت ساروفيمَ طُغماتِ السما

لولا وليدُك ما سموا وتعظموا

أو قلت جبرائيلَ بين جنوده

فنراه نحوك بالرسالة يَخدِم

أو قلت مخائيلَ يوم قِراعِه

إبليسَ لكن من علاك يترجم

أو قلت طُغماتِ الملائك كلهم

لكن سناهم مع بهائك مظلم

لسنا نرى شِبهاً يوازي حسنَها

إلّا ابنَها ذاك الإلهُ الأعظم

لا غرو أنَّ الإبن يُشبه أمَّه

إن أشبه الإبنُ اُمَّهُ لا يَظلِم

لاقت لهم أُمّاً ولاقَ ابناً لها

إذ منطق المعلول علَّتُه الفم

لمّا بنعمته كساها فاكتسَى

منها بجسمٍ كاملٍ يُستَعظم

هي بالطبيعة أمُّه حقّاً وهوْ

منها بنعمته أبوها المُنعِم

فمتى تناديه بإبني يا أبي

فكذا يناديها بعكسٍ يُفهَم

بالإتضاع مشبهٌ فيه كما

قد أشبهته بنعمةٍ لو تعلم

وتظاهر متشابهين فأذهلا

نسطورَ ذيّاك اللعينُ المُجرم

والمبدعون تمزَّقت آراؤهم

وبدا الردى بهلاكهم يترنّم

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتى يراق على جونبه الدم

سكن الإله بعرشها فكأنه

في عرشه العالي سود ويحكم

فرشت له من قلبها وفؤادها

إستبرقاً ونمارقاً تَتَسوَّم

جعلت كُلاها وِسادةً من تحته

كيلا ينامَ على وسادٍ يؤلم

وحنوُّها أحنى حَنِيِّ ضلوعِها

منها بمنزلة السرير يهوِّم

حتى إذا ولدته طفلاً مرضعاً

بحليبها وهو المقيت المنعِم

كانت تقبِّله ويلزمُ صدرَها

متلازمين لزومَ ما هو ألزَم

فإذا رصدتَ بأوج عقلك صوتَها

يُشجيك لحنُ هديرها المتنعم

قد سلَّمته نفسها وفؤادَها

مُلْكاً له وبملكه يتنعم

فإذا رأيت الإبن يدعو أمه

عجباً لجهلك كيف لا يتعلم

وإذا رأيت اللَه فيها ساكناً

عجباً لكفرك كيف لا يتألم

وإذا رأيت الصمَّ تسمعُ مدحها

عجباً لشعرك كيف لا يترنم

وإذا رأيت المدح فيها واجباً

عجباً لقلبك كيف لا يتكلم

طوباكِ يا تاج الخلائق كلهم

فبدونك الإنسان لا يتحكم

وبدونك الساعي المُجِدُّ مقصّرٌ

وبدونك الخاطي أسيرٌ ملجَم

لا علم لي ماذا أُجيدُ لكِ الثنا

وبمدحك المنطيق ألكنُ أبكم

هذا أقول ولست فيه كاذباً

وجزا الكذوبِ بما يقول جهنم

فيكِ أعاد اللَه ثانيَ مرّةٍ

ما قد براه والدليل هُمُ هم

لولاك قد باد الورى من شره

لكن بفضلك ليس حقّاً يُعدِم

ندم الإله الآب حين برا الورى

لكن لأجلك عَوْضُ لا يتندَّم

فلذاك صرتِ للخلائق موئلاً

يرقون نحوك والمديح السُلَّم

قد جئت نحوك خاضعاً ومسلماً

مذ جاك جبرائيل وهو يسلِّم