عاشقة الرجل المستحيل

لا أريد تلك الألفة الكسولة بيننا

كالألفة بين اليد وفرشاة الأسنان..

تعانقها كل يوم.. ولا تذكر لونها!..

لا أريد أن تخطو إلى غابات ليلي،

كما ترتاد السكين قلب خسة طازجة،

وتركض فيها دون أن يثير ذلك التفاتاً..

أريد أن يظل حبنا غريباً..

كمشهد صبية تحمّص بشرتها تحت الشمس،

وقد تمددت عارية فوق قبر رخامي وقور…

أريد أن أحدّق في ابتسامتك،

كما في وردة نبتت من رغيف..

أريد أن يظل لقاؤنا مدهشاً ومثيراً،

كزرافة جالسة في دارٍ للسينما..

أو عصفور يقرأ صحيفته في المقهى

ويدخن لفافته.. ويصبغ حذاءه!…

***

أتمنى أن تنتظرني لأنني لن أحضر..

وتحبني لأنني لا أشبهك،

ولا أشبه فتاة أحلامك

ولا أذكِّرك بأحد غير الموت…

ولأنك حين تراني، تبصرني أيضاً.

وتضم إليك جسد ظلي،

وتحب ثرائي لأنني فقيرة… وسطوتي لأنني وحيدة ومشردة

ولأنني الكذب الذي لا يرقى إليه الشك..

أريد أن نغادر المشاعر الجاهزة

ونتنصل من كل ما قيل عن الحب،

لنعود روحين في ملعب الزمان

لا يربطهما غير فراقهما..

***

أحبك لأنك تسقيني عطشي فأرتوي. وأشكرك،

وأزدهر كوردة صبّار الصحارى..

أحب كلماتك التي يلغي بعضها بعضاً،

مرهفة لابتسامتك وهي ترسم دمعتها

كالخيط الأخير للنهار وهو يرسم أفق المدينة..

أحب ضجيجك لحظة الصمت، وثرثرة سكوتك

وأجد في زالزالك استقراري،

وأنتمي إلى زئبقك الهارب خارج الأوعية المألوفة..

ولأن الفراق هو اللقاء اليومي لنا

حضورك مفاجأة دائمة

كما لو أنك وصلت للتو من كوكب آخر..

أحبك لأنك الغريق الذي يخشى البلل

والنار المتأججة التي تخشى الدفء..

***

أحبك لأنني ألتقي بك لحظة أغادرك..

أحبك نك بسيط كالأسرار

واضح كالغموض.. ولأنني أجد سورياليتك منطقية!

أحبك لأنك لست الأبيض ولا الأسود..

كلحظة التقاء الأشياء

التي تتعانق لأنها لا تمتزج..

أحبك لأنك لا تدعو للاطمئنان،

بوسعي أن ألمحك كومضة برق،

ويستحيل امتلاكك كفراشة مثبتة تحت دبوس..

أحبك لأنك مذهل وآسر،

كعبارة صباح الخير لحظة الاحتضار!..

وحين أكتب عنك،

أتلاشى مع السطر الأخير..

كأنني أسيل في أنابيب السطور..

حتى لا يتبقى مني شيء.. ب.ع.د.ك…

***

أتمنى أن تحبني لأنني طرت قارّتين كي أراك

ثم أخلفتُ موعدي معك!

أتمنى أن تحبني لأن رفضي

دعوة ورجاء…

ودربي رحيل بلا وصول…

وقلم وعودي ممحاة..

أحب أن تناديني لحظة إقلاع طائرتي بعيداً..

وأن تأمرني بالكف عن الثرثرة حين أصمت..

أتمنى أن تخلو حياتنا من فراق اللقاء

وموت الحب تحت سنابك العناق.

وسأظل أمشي في حقول ألغامك،

وأنا أحمل بيدي عكازي الأبيض كالعميان

لأرى غموضك بوضوح..

وسأظل أحبك،

لأنك الماء المستحيل،

وإذا انكسرتُ داخلك

صرت قوس قزح أبجديته الألوان..

وسأظل أحبك،

دون أن تقصّ جناحيك لي كهدية!

كي تظل شاعراً… وأظل عاشقة..