عاشقة مطعونة بالذاكرة

 ما الذي تفعليه الليلة؟

أهبّ على رياحك، وأتساءل:

هل في قلبك متسع لأحزاني؟

وهل في الليل متسع لجنوني؟

وهل في وطني متسع لتمردي؟

وهل في الموت متسع لموتي؟

وهل في الهذيان متسع لرفضي؟

وهل في الأفق متسع لصهيل رحيلي؟

وهل في الورقة متسع لحبي وبوحي

ولحرية ألعابي النارية؟…

***

* أنتِ متهمة باغتيال روبنسن كروزو…

أحيط نفسي بحقل سليط الهدوء،

وأسوّر هاتفي بصمت فظ،

أكهرب المياه المحيطة بجزيرتي،

وأعمّر من الموج أسواراً شاهقة،

وأعلن نفسي “جمعة”…

وأقتل روبنسن كروزو مع مطلع كل صباح..

لأنفرد بصوت روحي، وأنتحب

بينما الأبجدية تكتب نفسها بين أصابعي…

فأنا مواطنة ملدوغة بالوطن،

مطعونة بالذاكرة، مضرجة بالهزائم

مغدورة بالالتباس بين “الثورة” و”الثروة”،

وقد شبت النار في أطراف قلبي

وخلّفته مثل ورقة تسلى طفل عابث بإحراقها…

وعبثاً أروض حياتي على حبال ذلك السيرك العربي الكبير،

وعبثاً تقنعني سياط المروض،

بأداء “نمرة” الرقص على الحبال معصوبة العينين…

***

* لماذا تحبين غرف الفنادق؟

لأن غرفة الفندق مكان بلا ماضٍ

ولا تعذبنا فيها فلول “النوستالجيا” وجند الذكريات..

غرفة الفندق منطقة حرة، بين الطعنة والطعنة…

* ولماذا ترحلين وحيدة حتى من صديقة؟

تدّعي أنها صديقتي،

وهي تتحسس عمري بإعجاب لا زيف فيه،

كما تتحسس نجمة المجتمع

فراء فقمة حيّة تشتهيها معطفاً بعد ذبحها!…

***

* لماذا تسخرين من كل شيء؟

لا أسخر من حبك،

فقد مررتَ بغرفتي،

وكتبتَ على ستائري الرمادية

خضرة الحقول وأفراح السنابل،

ورسمتَ على الملاءة البيضاء لسريري

براءة البراري لحظة الفجر

وها أنا أطارد حصاناً برياً تحت وسادتي…

***

* ماذا علّمك حبي؟

علمني أن الغول والعنقاء والخلّ الوفي،

حقائق مؤكدة،

فقد عايشتها جميعاً حين خطوت داخل مرآتك..

فراقك الغول

وجنوني بك العنقاء

والموت وحده هو الخلّ الوفي

الذي لم يخلف يوماً موعده مع أحد..

وأنا متّ مرات بك ومعك.. وبدونك…

***

* ماذا تتمنين؟

أن يصدق وعد الضوء في آخر النفق..

وتمتلئ بيروت بزينة ميلاد السلام والمحبة،

شجرة ترقص ضوءاً داخل كل قلب..

أريد أن أتمشى معك على الشاطئ

دون أن تصطك أسنان الأسماك ذعراً..

أريد أن نراود بيروت عن نفسها بالمحبة،

دون أن تغلق البيوت أجفانها ونوافذها المعتمة..

ويهبط أطفالها إلى الملاجئ على حبال الخوف…

***

* متى تكتبين حكاية حبك معنا، بيروت وأنا؟

حبك من أمامي

حبك من ورائي

فأين المفر؟

وكيف أتحول إلى سحابة

تحلّق فوق معاركها وقتلاها

لتخطّ بهدوء بارد كمشرط، محايد كمصباح،

تاريخها مع حصان طروادة…