نشيد الصعاليك

عفا الصفا، وانتفى، يا مصطفى.. وعلت

ظهورَ خيرِ المطايا شرُّ فرسانِ

فلا تَلُمْ شعبَكَ المقهورَ إن وَقَعَتْ

عيناكَ فيه على مليون سكرانِ!

قد حكّموا فيه أفّاقينَ، ما وقفوا

يوماً بإربدَ أو طافوا بحُسبانِ

ولا بوادي الشتا ناموا، ولا شربوا

من ماءِ راحوبَ، أو هاموا بشيحانِ

فأمعنوا فيه تشليحاً، وبهدلةً

ولم يقل أحدٌ: “كاني، ولا ماني!”

ومن يقولُ؟ وكلُّ الناطقين مضوا

ولم يعدْ في بلادي غيرُ خُرسانِ!

ومن نعاتبُ والسكّينُ من دمنا

ومن نحاسبُ.. والقاضي هو الجاني؟!

يا شاعرَ الشعبِ، صارَ الشعبُ مزرعةً

لحفنةٍ من “عكاريتٍ” و”زعرانِ”!

لا يخجلونَ، وقد باعوا شواربَنا

من أن يبيعوا اللحى، في أي دكّانِ!

فليس يردعهم شيٌ، وليس لهم

همٌّ سوى جمعِ أموالٍ، وأعوانِ

… ولا أزيدُ، فإنَّ الحالَ مائلةٌ

وعارياتٌ من الأوراقِ أغصاني

وإنني ثمّ، لا ظهرٌ فيغضبَ لي

وإنني ثمّ لا صدرٌ فيلقاني

ولا ملايين عندي، كي تخلّصَني

من العقاب، ولم أُدعمْ بنسوانِ!

وسوف (يا مصطفى) أمضي لآخرتي

كما أتيتُ .. غريب الدار، “وحداني”

وسوف تنسى ربى عمّان “ولدنتي”

فيها، وسوف تُضيعُ اسمي، وعنواني!

عمّان، تلك التي قد كنتُ بُلبُلَها

يوماً .. ولي في هواها نهر ألحانِ

وربما ليس في أرجائِها قمرٌ

إلا وأغويته يوماً .. وأغواني

وربما لم يدعْ ثغري بها حجراً

إلا وقبَّلَهُ تقبيلَ ولهانِ!

وربما، ربما.. لا ليت ربّتها

تصحو، فتنقذها من شرِّ طوفانِ!

وتطلعُ الزعترَ البريَّ ثانيةً

فيها .. وتشبكُ ريحاناً بريحانِ

وترجعُ الخبزَ خبزاً؟ والنبيذَ كما

عهدتُهُ في زمانِ الخير: “ربّاني!”

وترجع الناس ناساً، يذهبون معاً

إلى نفوسهم من دون أضغانِ

فلا “دكاكين” تلهيهم تجارتُها

ولا دواوين تنسي الواحد الثاني!

ولا مجانين، لا يدرون أي غدٍ

يخبّئ الزمنُ القاسي .. لأوطاني!

ماذا أقول (أبا وصفي) وقد وضعوا

جمراً بكفي .. وصخراً بين أسناني!؟

وقرروا أنني – حتى ولو نَزَلَتْ

بي آيةٌ في كتابِ الله – : “طلياني!”

وتلك “روما” التي أودى الحريقُ بها

تفتي بكفري .. وتلغي “صك غفراني”!

وتستبيحُ دمي، كي لا يحاسبَها

يوماً، على ما جنتْ في حق إخواني!

وللصعاليكِ يومٌ يرفعونَ به

راياتهم، فاحذرينا يا يد الجاني!

يا “خال عمّار” بعضي لا يفرِّطُ في

بعضي، ولو كلُّ ما في الكلِّ عاداني!

فكيف ألغي تفاصيلي وأشطُبُها؟!

وكيف ينكرُ نبضي.. نبضَهُ الثاني

وكيف أخرجني مني، وأفصلني

عني، وما ثم بي إلايَ يغشاني!

لقد توحدتُ بي حتى اذا التفتتْ

عيني رأتني، وأني سرتُ ألقاني!

يا “خال عمّار” هذا الزار أتعبني

وهدّني البحث عن نفسي .. وأضناني

ولم أعدْ أستطيع الفهمَ: أحجية

وراء أحجية.. والليل ليلانِ!

وإنني ثمّ أدري أنّ ألفَ يدٍ

تمتدُّ نحوي، تريد الأحمرَ القاني

فليجرِ؛ علَّ نباتاً مات من ظمأٍ

يحيا به فيعزّيني .. بفقداني!

وتستضيءُ به عينٌ مسهّدةٌ

فيها كعين بلادي.. نهر أحزانِ!

وحسبيَ الشعر ما لي من ألوذُ بهِ

سواه .. يلعنُهم في كلِّ ديوانِ

وهو الوليُّ الذي يأبى الولاءُ له

أنْ ينحني قلمي .. إلاّ لإيماني